في تطور مفاجئ وغير مسبوق، نفذت أوكرانيا الأحد الماضي، هجومًا واسع النطاق ومنسقًا بطائرات مسيرة، استهدف قواعد جوية روسية حيوية، أبعدها يقع في عمق سيبيريا، وهذا الهجوم، الذي وصف بأنه الأكثر تطورًا من نوعه، ألحق أضرارًا جسيمة بأسطول القاذفات الاستراتيجية الروسية القادرة على حمل أسلحة نووية، ليُشكل بذلك ضربة موجعة للترسانة العسكرية للكرملين، بينما أعلنت كييف عن تدمير أو إلحاق أضرار بأكثر من 40 قاذفة، أي حوالي ثلث أسطول القاذفات الاستراتيجية الروسية، قللت موسكو من حجم الخسائر، مؤكدة إصابة عدد قليل من الطائرات فقط، ورغم التباين في الأرقام، أظهرت مقاطع الفيديو المتداولة على وسائل التواصل الاجتماعي إصابة قاذفتين على الأقل، مما يؤكد فعالية الهجوم.
وأثبت هذا الهجوم قدرة أوكرانيا المتزايدة على الوصول إلى أهداف ذات قيمة عالية في أي مكان داخل روسيا، وهذا الأمر، الذي يشبهه بعض المدونين العسكريين الروس بهجوم اليابان على بيرل هاربر عام 1941، يمثل إهانة قاسية للكرملين ويُلحق خسائر فادحة بآلته الحربية، في المقابل، يرفض آخرون هذا التشبيه، معتبرين أن الضرر الفعلي كان أقل بكثير مما تدعيه كييف، وفقًا لـ"أسوشيتد برس".
ولطالما شكلت القاذفات بعيدة المدى جزءًا لا يتجزأ من الثالوث النووي السوفيتي والروسي لعقود، إلى جانب الصواريخ الباليستية العابرة للقارات والغواصات النووية، وقد اعتادت هذه القاذفات على التحليق في دوريات منتظمة حول العالم لاستعراض القوة النووية لموسكو. خلال الحرب الدائرة في أوكرانيا، التي دخلت عامها الثالث، استخدمت روسيا هذه الطائرات الثقيلة لشن موجات من ضربات الصواريخ الجوالة عبر الأراضي الأوكرانية.
ويؤكد دوغلاس باري، من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية أن روسيا فقدت جزءًا كبيرًا من أسطول قاذفاتها الثقيلة في هذا الهجوم "مع عدم وجود قدرة فورية على استبدالها"، ويشير إلى أن خطة موسكو المعلنة لتطوير الجيل القادم من القاذفات الاستراتيجية لا تزال في مراحلها الأولية، ويقول باري: "من المفارقات أن هذا قد يعطي زخمًا لذلك البرنامج، لأنه إذا أردت الحفاظ على حجم أسطول قاذفاتك، فسيتعين عليك فعل شيء في مرحلة ما"، أما طائرة A-50، التي قال مسؤولون أوكرانيون أيضًا إنها أصيبت في الضربات، فهي طائرة إنذار مبكر وتحكم مماثلة لطائرات AWACS الأمريكية المستخدمة لتنسيق الهجمات الجوية، وعدد قليل جدًا من هذه الطائرات في الخدمة مع الجيش الروسي، وأي خسارة تُلحق بها ضررًا كبيرًا بالقدرة العسكرية الروسية.
ودفعت الضربات الأوكرانية المتكررة على قاعدة إنجلز الجوية، وهي القاعدة الرئيسية للقاذفات الاستراتيجية الروسية القادرة على حمل الأسلحة النووية بالقرب من مدينة ساراتوف على نهر الفولغا، موسكو إلى إعادة تموضع القاذفات في قواعد أخرى أبعد عن منطقة الصراع، وإحدى هذه القواعد هي أولينيا في شبه جزيرة كولا القطبية، حيث نفذت طائرات تو-95 العديد من المهام لإطلاق صواريخ كروز على أوكرانيا، ويبدو أن عدة قاذفات في أولينيا قد أصيبت بطائرات أوكرانية مسيرة يوم الأحد، وفقًا للمحللين الذين درسوا صور الأقمار الصناعية قبل وبعد الضربة.
وأثارت ضربات الطائرات المسيرة موجة من الانتقادات من قبل المدونين العسكريين الروس، الذين انتقدوا وزارة الدفاع لفشلها في التعلم من الضربات السابقة وحماية القاذفات، ويُعد بناء ملاجئ أو حظائر لمثل هذه الطائرات الكبيرة مهمة شاقة، وقد حاول الجيش الروسي بعض الحلول المؤقتة التي وُصفت بأنها مجرد "واجهة"، فهل ستكون هذه الضربات دافعًا لروسيا لإعادة تقييم استراتيجياتها الدفاعية وأمنها الجوي، أم ستُكتفى بالحلول المؤقتة؟