آخر الأخبار

"الطميحي" يروي قصة الحج في العهد السعودي: من تعدد الأئمة إلى مشاريع تعيشها الأجيال

شارك

استعرض الباحث في تاريخ الدولة السعودية، محمد بن إبراهيم الطميحي، تحولات موسم الحج في المملكة العربية السعودية، منذ الحقبة التي سبقت توحيد البلاد وحتى العصر الحديث، موضحًا كيف انتقل الحج من واقع عشوائي يفتقر إلى النظام والخدمات إلى تجربة تنظيمية متكاملة تسودها الطمأنينة والاحترام، مدعومة بمشاريع عملاقة وتقنيات حديثة.

وقال الطميحي إن الحج قبل توحيد المملكة وضم الحجاز إلى سلطة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، كان يعاني من إهمال شديد، وانعدام في مقومات الراحة والسلامة. وأضاف: “الطريق إلى مكة كان محفوفًا بالمخاطر، والمشاعر المقدسة بلا تنظيم أو مرافق صحية، ولا خدمات تحفظ كرامة الحجاج أو هيبة المكان، فيما كان المصلون يؤدون الصلاة خلف أئمة متعددين داخل المسجد الحرام، في مشهد يعكس الفوضى ويثقل على نفوس القادمين لأداء الركن الخامس من الإسلام”.

وأوضح أن دخول الملك عبدالعزيز إلى مكة عام 1343هـ (1924م) مثّل نقطة تحول فارقة، إذ شرعت الدولة السعودية في إرساء رؤية حضارية لخدمة الحجاج، ترتكز على النظام والاحترام والتطوير. وقد بدأ الملك المؤسس بإصدار أوامر عاجلة، شملت توحيد الإمامة في المسجد الحرام، وترميم مرافقه، وإنشاء أول مصنع سعودي لكسوة الكعبة المشرفة، إلى جانب تبليط المسعى بالحجر الصوان، وإزالة الأسواق العشوائية المحيطة بالحرم، وإدخال الكهرباء بأكثر من ألف مصباح، وتخصيص مولد كهربائي مستقل للمسجد، وهي خطوات شكلت بداية لعهد جديد من الرعاية.

وأشار الطميحي إلى تأسيس أول هيئة رسمية لإدارة شؤون الحرمين، تطورت لاحقًا إلى الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي. وفي عهد الملك سعود بدأت أول توسعة رسمية للمسجد الحرام، مع إزالة المباني القديمة وتشييد طوابق جديدة وتزويده بمراوح وإضاءة حديثة.

وأضاف أن الملك فيصل ركز على تطوير البنية التحتية لمكة والمشاعر المقدسة، فشُقّت الطرق، وأُقيمت الجسور والأنفاق، وارتقت الخدمات الصحية، وتوسعت بعثات الحج. وتابع بأن عهد الملك خالد شهد استكمال مشروعات البنية التحتية وتوسعة شبكة النقل، ما ساعد على تنظيم الحشود وتقليل الزحام والحوادث.

واعتبر الطميحي أن عهد الملك فهد كان نقطة تحول كبرى، حيث شهدت الحرمين الشريفين أكبر توسعة في تاريخهما، وتم إنشاء منشأة الجمرات متعددة الطوابق، وتوسعة المسعى، وبدأ التخطيط لمشروع قطار المشاعر، إضافة إلى إدخال تقنيات رقمية لإدارة الحشود.

وفي عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز، تضاعفت المشاريع النوعية، مثل توسعة الساحات الشمالية، وتدشين قطار المشاعر، وتطوير أنظمة التكييف والتفويج، ورفع الطاقة الاستيعابية للمرافق، مما جعل تجربة الحج أكثر سلاسة وانسيابية.

ومع تولي الملك سلمان بن عبدالعزيز مقاليد الحكم عام 1436هـ، دخلت المملكة مرحلة جديدة تمزج بين الأصالة والحداثة، وتُوجت بمشاريع متقدمة مثل بطاقة الحاج الذكية، والإحرام الذكي، وتشغيل قطاري الحرمين والمشاعر، وتوسعة صحن المطاف ليستوعب أكثر من 107 آلاف طائف في الساعة.

وأشار الطميحي إلى أن حجم الإنفاق في عهد الملك سلمان تجاوز 200 مليار ريال، موزعة على مشروعات عملاقة أبرزها التوسعة الثالثة الكبرى للمسجد الحرام، والرواق السعودي الجديد، ومنشأة الجمرات المطورة التي تستوعب أكثر من 300 ألف حاج في الساعة. كما شملت هذه المرحلة تحولًا رقميًا متكاملًا من خلال منصة “نسك”، إلى جانب توظيف الذكاء الاصطناعي والكاميرات الحرارية في إدارة الحشود، وتوسعة البنية الصحية لتشمل أكثر من 25 مستشفى و150 مركزًا صحيًا في المشاعر.

وسلّط الباحث الضوء على دور صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد، في إطلاق برنامج “خدمة ضيوف الرحمن” كأحد برامج رؤية المملكة 2030، لإعادة تعريف تجربة الحج من لحظة التسجيل حتى العودة، ضمن منظومة ذكية قائمة على الكفاءة والرحمة. وقال إن ولي العهد هو “مهندس هذا التحول”، وقائد المشروع الحضاري والإنساني الذي يعكس مكانة المملكة ومسؤوليتها في خدمة العالم الإسلامي.

وأكد الطميحي أن هذه المسيرة ليست فقط ثمرة جهود الملوك، بل كان المواطن السعودي شريكًا فاعلًا في إنجاحها، حيث يهب الجميع لخدمة الحجاج، من رجال الأمن والطواقم الطبية إلى المتطوعين وموظفي التفويج والنقل، في لوحة وطنية تتجسد فيها روح التكافل والتفاني.

واختتم حديثه بالتأكيد على أن هذا التلاحم بين القيادة والمجتمع يجعل المملكة قلبًا نابضًا للعالم الإسلامي، ووجهة روحية تتربع على قمة المسؤولية، حافظةً لإرث خالد من العناية بالحجاج، ومستمرة في تجديد تجربة الحج بأساليب حضارية، تليق بقدسية المكان ومكانة الإنسان.

سبق المصدر: سبق
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا