في قلب مكة المكرمة، وبين جنبات مشعري منى وعرفات، يبدأ الكشاف يومه مع بزوغ الفجر. يستيقظ في خيمته البسيطة ضمن أحد المعسكرات الفرعية، يغسل وجهه بماء بارد ينعشه، ويتوضأ ثم يتجه بخطى واثقة إلى صفوف المصلين، ليؤدي صلاة الفجر جماعة مع زملائه في مشهد إيماني عابق بروح الجماعة والانضباط.
وبعد الصلاة، يتناول الكشافون وجبة خفيفة تمنحهم الطاقة اللازمة لبداية يومهم الطويل، ثم ينطلقون إلى المناطق المخصصة لهم من قِبل قيادة لجنة المسح والإرشاد. يتوزعون في مجموعات منظمة، يحمل كل واحد منهم خريطة دقيقة، ودفتر ملاحظات أو جهازًا إلكترونيًا لتوثيق البيانات.
وينطلقون في مهامهم الميدانية قبل شروق الشمس، يتنقلون بين الخيام والمنشآت، يسجلون أسماء الشركات، ويرصدون مواقع المراكز والخدمات، يلتقطون التفاصيل بدقة متناهية، فلا تغيب عن أعينهم ملاحظة أو موقع.
ومع أولى خيوط الشمس الذهبية، يعودون إلى المعسكر لتناول وجبة الإفطار الرئيسية، يعقبها قسط من الراحة استعدادًا للجولة المسائية. وحين تميل درجات الحرارة إلى الانخفاض، يُستأنف العمل في مناطق جديدة، وتتجدد العزائم. يعكف الكشافون على تحديث الخرائط، ومراجعة البيانات على أرض الواقع، وإضافة الملاحظات المستجدة بكل دقة واحترافية.
وفي ختام اليوم، يعود الكشاف وقد أتم مهمة مسح شاملة لمنطقته، لا يثقل كاهله التعب بقدر ما يملأه الحماس والفخر. فهو الآن على أتم الاستعداد للمرحلة التالية من مهامه، وهي الإرشاد الميداني للحجاج، والتي تبدأ ليلة السابع من ذي الحجة، مسلحًا بما جمعه من معرفة وخبرة.
هذه الجهود الجبارة ليست فردية، بل هي جزء من منظومة عمل جماعي يشارك فيها أكثر من 4700 كشاف وجوال، ضمن معسكرات الخدمة العامة التي تنظمها جمعية الكشافة العربية السعودية، بالتعاون مع وزارة الحج والعمرة.
وتُنفّذ هذه الجهود ضمن خطة دقيقة تمر بثلاث مراحل:
الإعداد والتجهيز
المسح الميداني
إصدار الأدلة الإرشادية والخرائط، بعد مطابقة المعلومات مع بيانات الجهات الحكومية ومؤسسات خدمة الحجاج.
ليست مجرد مهمة موسمية، بل هي قصة شغف وعطاء وطني، يسطرها فتية هذا الوطن في كل ركن من المشاعر المقدسة، ليكونوا دليلاً أمينًا ويدًا معطاءة لضيوف الرحمن في رحلتهم الإيمانية.