قال الدكتور محمد فضل محمد، الأكاديمي والإعلامي السوداني، إن الحج إلى بيت الله الحرام ركن من أركان الإسلام الخمسة، فرضه الله تعالى على عباده في كتابه الكريم، فقال: { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 97].
وقد أجمع العلماء على أن الاستطاعة شرط أساسي لوجوب الحج؛ فلا يجب على من لم تتوافر له الوسائل المادية أو الجسدية أو الأمنية التي تعينه على أداء المناسك.
وأشار إلى أن من صور الاستطاعة في عصرنا الحديث الحصول على التصريح الرسمي، الذي يعد وسيلة مشروعة، تحقق مقاصد الشريعة، وتمنع الفوضى، وتحفظ أرواح المسلمين.. فالأنظمة التي وضعتها حكومة المملكة العربية السعودية – حفظها الله – في تنظيم الحج ليست من باب التعسير، بل لتحقيق المصلحة، ودرء المفاسد، وهو ما اتفقت عليه قواعد الفقه الإسلامي، منها القاعدة الفقهية: "تصرُّف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة" [الأشباه والنظائر في قواعد وفروع فقه الشافعية، السيوطي، 121].
وقال: "المملكة العربية السعودية التي شرفها الله بخدمة الحرمين الشريفين أولت هذه الشعيرة المباركة عناية فائقة، منذ عهد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود – طيب الله ثراه – مرورًا بأبنائه الملوك البررة - رحمهم الله-، وصولاً إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان – حفظهما الله –؛ إذ شهدت المشاعر المقدسة أعظم توسعة وتنظيم تقني وإداري في التاريخ؛ ما جعل أداء النسك أكثر يسرًا وأمانًا، تحقيقًا لقوله تعالى: { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78]، وقوله عز وجل: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185]".
ومن هذه الإجراءات المباركة تحديد حصص الحجاج من الخارج وفق اتفاقيات واضحة.
وأضاف: "ويأتي ذلك بتقنين الأعداد من الداخل عبر التصاريح النظامية التي تضمن الانسيابية، وتمنع التكدس والازدحام المؤدي للخطر، كما حدث في حوادث مؤلمة سابقة. وقد حرصت السعودية على ألا تتكرر".
وتابع: "جاءت الشريعة الإسلامية بحفظ الضروريات الخمس، ومنها: النفس، والدين، والنسل. والحج يجمع هذه المصالح؛ فلا بد من تنظيمه بما يمنع الإضرار بالحجاج. قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا ضرر ولا ضرار" [رواه مالك والبيهقي]، وقال أيضًا: "من رأى من أميره شيئًا يكرهه فليصبر، فإنه من خرج من السلطان شبرًا فمات مات ميتة جاهلية" [رواه البخاري ومسلم]؛ وهو ما يدل على وجوب طاعة ولي الأمر في غير معصية، ولاسيما إذا كانت مرتبطة بالمصلحة العامة".
وقال: "إن من يتجاوز التنظيم بالحج دون تصريح لا يُعرض نفسه فقط للعقوبة، بل يُعرض الحجاج للأذى والفتنة والحرج؛ وهو ما يخالف مقاصد الشريعة ومبادئ السلامة. وفي ذلك مخالفة لنهي النبي -صلى الله عليه وسلم- حين قال في حجة الوداع: "خذوا عني مناسككم" [رواه مسلم]. ومن المناسك الانضباط والتنظيم، لا مجرد الحضور والتزاحم.. فالمناسك لا تقتصر على أداء الشعائر فقط، بل تشمل الالتزام بالنظام الذي يضمن سلامة الجميع، ويحقق مقصد التيسير الذي أرشدنا إليه الدين الحنيف".
وتابع: "خلاصة القول أن الدعوات التي تُطلق أحيانًا للتشويش على الحج، أو التهكم على الإجراءات التنظيمية، أو المطالبة بمقاطعته بحجة الاحتجاج، هي دعوات في غير محلها، تُخالف الفقه والشرع والعقل؛ فالحج لا يجب إلا على المستطيع، ومن لم يستخرج تصريحًا رسميًّا يعتبر غير مستطيع شرعًا؛ ولا إثم عليه إن لم يحج، بل المأجور هو من التزم ورضي بما قسم الله".
وختم بالقول: "نسأل الله أن يوفق ولاة أمرنا لما يحب ويرضى، وأن يديم على السعودية أمنها واستقرارها، وعزها في خدمة الحرمين الشريفين، وأن ييسر للحجاج حجهم، ويكتب لهم القبول، ويجنبهم الفتن والشرور".