في تحول مفاجئ ومثير، شهدت أسواق الأسهم الأمريكية، وتحديداً في وول ستريت بنيويورك، اليوم (الاثنين) قفزة قوية وغير مسبوقة، حيث ارتفع مؤشر داو جونز الصناعي بما يقرب من 1000 نقطة، وصعد مؤشر S&P 500 بنسبة 2.6%، وهذا الارتفاع الحاد والمبهج جاء عقب إعلان الولايات المتحدة والصين عن هدنة تجارية لمدة 90 يومًا، وتهدف هذه الهدنة، التي تم التوصل إليها بعد مفاوضات ماراثونية، إلى تعليق تصعيد الرسوم الجمركية المتبادلة التي هددت بنسف النمو الاقتصادي العالمي وإحداث ركود عالمي، مما بعث موجة تفاؤل عارمة في الأوساط الاقتصادية والمالية حول العالم.
وعاد مؤشر S&P 500، في التعاملات المبكرة اليوم، ليقترب ضمن مسافة 5.5% من أعلى مستوى له على الإطلاق الذي سجله في فبراير الماضي، بعد أن انخفض المؤشر بما يقرب من 20% عن هذا المستوى الشهر الماضي، وشهد انتعاشًا قويًا مدفوعًا بالآمال في أن يخفض الرئيس دونالد ترامب رسومه الجمركية بعد التوصل إلى اتفاقيات تجارية مع دول أخرى، والمؤشر، الذي يمثل محور العديد من خطط التقاعد، عاد ليتجاوز المستوى الذي كان عليه في الثاني من أبريل، وهو اليوم الذي أعلن فيه ترامب عن رسوم جمركية عالمية صارمة تسببت في تصاعد المخاوف بشكل كبير بشأن احتمالية حدوث ركود يفرضه الاقتصاد على نفسه، وفقًا لـ"أسوشيتد برس".
وإلى جانب مؤشر S&P 500، ارتفع مؤشر داو جونز الصناعي بمقدار 957 نقطة، ما يمثل زيادة بنسبة 2.3% اعتبارًا من الساعة 9:35 صباحًا بالتوقيت الشرقي، مسجلًا مكاسب غير مسبوقة في نقطة واحدة، كما شهد مؤشر ناسداك المركب، الذي يضم شركات التكنولوجيا الكبرى، ارتفاعًا قويًا بنسبة 3.6%، ليعكس التفاؤل الذي ساد الأسواق بعد إعلان الهدنة التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم.
ولم تقتصر موجة الارتفاع على أسواق الأسهم وحدها، بل امتدت لتشمل مؤشرات اقتصادية أخرى عقب ما وصفه أحد المحللين بـ"سيناريو أفضل حالة" لمحادثات الرسوم الجمركية بين واشنطن وبكين، وقفزت أسعار النفط الخام بأكثر من 3%، مدفوعة بالتوقعات بأن اقتصادًا عالميًا أقل تأثرًا بالرسوم الجمركية سيكون أكثر طلبًا على الوقود.
وفي سوق العملات، ارتفعت قيمة الدولار الأمريكي مقابل العملات الرئيسية، بما في ذلك اليورو والين الياباني والفرنك السويسري، مما يعكس عودة الثقة في الاقتصاد الأمريكي، وفي سوق السندات، قفزت عوائد سندات الخزانة على خلفية التوقعات المتزايدة بأن الاحتياطي الفيدرالي لن يكون مضطرًا لخفض أسعار الفائدة بشكل كبير هذا العام، كما كان متوقعًا سابقًا، لحماية الاقتصاد من الأضرار المحتملة للرسوم الجمركية.
ولا شك أن الظروف يمكن أن تتغير بسرعة مرة أخرى، وهو ما اعتادت عليه وول ستريت بشكل كبير خلال فترة تطبيق إدارة ترامب لسياسات الرسوم الجمركية المتقلبة، وعلاوة على ذلك، فإن التخفيض المعلن في الرسوم الجمركية بين الولايات المتحدة والصين سيستمر لمدة 90 يومًا فقط، وهذه المهلة الزمنية تهدف إلى منح أكبر اقتصادين في العالم وقتًا كافيًا لإجراء المزيد من المحادثات والمفاوضات، التي تأتي عقب مفاوضات مكثفة عقدت في جنيف بسويسرا نهاية الأسبوع الماضي، ووصفها الجانب الأمريكي بأنها حققت "تقدمًا كبيرًا".
ووفقًا لبيان مشترك صدر عن الجانبين، ستخفض الولايات المتحدة الرسوم الجمركية على البضائع الصينية لتصل إلى 30% مقارنة بمستويات سابقة بلغت 145% على بعض السلع، ومن جانبها، ذكرت الصين أن رسومها الجمركية على السلع الأمريكية ستنخفض إلى 10% من مستويات وصلت إلى 125%، وأعقب هذا التطور أيضًا اتفاق أعلنته الولايات المتحدة الأسبوع الماضي مع المملكة المتحدة، سيؤدي إلى خفض الرسوم الجمركية على العديد من الواردات البريطانية إلى 10%.
ورغم أن تحديات كبيرة لا تزال قائمة في مسار المفاوضات بين الصين والولايات المتحدة، إلا أن المزاج العام كان مفعمًا بالتفاؤل في جميع أنحاء وول ستريت اليوم، وكانت المكاسب واسعة النطاق وشملت قطاعات متنوعة.
ورغم التفاؤل الحالي، تبقى طبيعة هذه الهدنة مؤقتة، مع بقاء تحديات هيكلية كبيرة في العلاقات التجارية بين القوتين الاقتصاديتين، فهل ستثمر هذه المهلة عن حلول دائمة، أم تعود التوترات التجارية لتلقي بظلالها على الأسواق العالمية مجددًا؟