في تطورٍ مفاجئ ومقلق، انزلق الصراع المزمن بين الجارتَيْن النوويتَيْن، الهند وباكستان، اليوم (السبت)، إلى مستوى جديد من المواجهة العسكرية المباشرة، مما يُنذر بعواقب وخيمة على الأمن والاستقرار في منطقة جنوب آسيا المضطربة، ففي غضون ساعات قليلة، تبادل الطرفان، اللذان يمتلكان تاريخاً طويلاً من العداء والحروب، ضربات جوية وصاروخية مكثّفة استهدفت قواعد ومنشآت عسكرية إستراتيجية في عُمق أراضي كل منهما.
هذا التصعيد، الذي يُعد الأخطر منذ سنوات، جاء وسط سيلٍ من الاتهامات المتبادلة حول المسؤولية عن إشعال شرارة المواجهة الأولى؛ ما دفع بالمنطقة بأكملها إلى حافة الهاوية، وأعاد إلى الأذهان سيناريوهات مرعبة لمواجهات سابقة كادت أن تخرج عن السيطرة.
بدأت شرارة هذا التصعيد الميداني، وفقاً للرواية الرسمية الصادرة عن إسلام أباد، في الساعات الأولى من فجر اليوم، عندما أقدمت القوات الهندية على شن هجمات وصفتها باكستان بـ"العدوانية وغير المبررة"، وأوضح بيانٌ صادرٌ عن القيادة العسكرية الباكستانية أن الهند استخدمت صواريخ جو-أرض دقيقة في استهداف ما لا يقل عن ثلاثٍ من قواعدها الجوية الحيوية، ومن بين أبرز هذه القواعد التي طالها القصف الهندي، قاعدة "نور خان" الجوية، التي لا تبعد كثيراً عن العاصمة إسلام أباد، وتُعد مركزاً لوجستياً وعملياتياً رئيساً لسلاح الجو الباكستاني، مما يُضفي على الاستهداف بُعداً إستراتيجياً خطيراً، وفقاً لصحيفة "نيويورك تايمز" الباكستانية.
وتعزّزت هذه الرواية بشهادات حية نقلتها وسائل إعلام محلية عن سكان في مدينة روالبندي، المتاخمة للعاصمة والتي تحتضن قاعدة نور خان، فقد أفاد شهود عيان بأنهم استيقظوا على دوي ثلاثة انفجارات عنيفة على الأقل هزّت أرجاء المدينة، وأثارت حالة من الهلع، ونُقل عن أحد الشهود وصفه لمشهد "كرة نارية ضخمة" تصاعدت في السماء عقب الانفجارات، وكانت ألسنة اللهب مرئية بوضوح من مسافة أميال، وهو ما يشير إلى قوة الضربات وحجم الدمار المحتمل الذي خلفته في المنشآت المستهدفة، وإن لم يتم الكشف رسمياً عن تفاصيل الخسائر بشكلٍ فوري.
ولم يتأخر الرد الباكستاني كثيرًا. ففي غضون ساعاتٍ قليلة من الهجمات الهندية، أعلنت القيادة العسكرية في إسلام أباد أنها نفّذت سلسلة من الضربات الانتقامية، مؤكدةً حقها في الدفاع عن النفس وسيادة أراضيها، واستخدمت القوات الباكستانية، بحسب بيانها، صواريخ أرض-أرض قصيرة المدى لضرب عدة مواقع عسكرية داخل الأراضي الهندية، وشملت قائمة الأهداف المعلنة من الجانب الباكستاني قاعدتَي "أودهامبور" و"باثانكوت" الجويتين، وهما من القواعد الهندية الأمامية ذات الأهمية الإستراتيجية، إضافة إلى ما وصفته بأنه منشأة حيوية لتخزين الصواريخ، وأرفق الجيش الباكستاني بيانه بعبارة مقتضبة لكنها ذات دلالة عميقة في سياق الردع المتبادل، حيث قال: "العين بالعين"، مؤكداً مبدأ المعاملة بالمثل.
في المقابل، قدّمت نيودلهي رواية مغايرة تماماً لتسلسل الأحداث، نافيةً أن تكون هي البادئة بالاعتداء، مؤكدةً أن قواتها المسلحة تحركت فقط رداً على "موجة من الهجمات العدوانية" التي شنّتها باكستان أولاً على الأراضي الهندية، ووفقاً للمتحدثة باسم الجيش الهندي، فيوميكا سينغ؛ فإن باكستان هي التي بدأت التصعيد باستهدافها لـ 26 موقعاً هندياً متنوعاً، وأوضحت سينغ؛ في مؤتمر صحفي عُقد على عجلٍ اليوم، أن الهجمات الباكستانية المزعومة لم تقتصر على نوعٍ واحدٍ من الأسلحة، بل شملت استخدام طائرات مسيّرة متطورة، وأسلحة بعيدة المدى، إضافة إلى طلعات جوية لطائرات مقاتلة.
وأقرّت المتحدثة باسم الجيش الهندي فيوميكا سينغ؛ بوقوع "أضرار محدودة" في المعدات والأفراد من جرّاء الهجمات الباكستانية التي طالت أربع قواعد تابعة لسلاح الجو الهندي. ومع ذلك، لم تقدّم تفاصيل إضافية حول طبيعة هذه الأضرار أو حجمها الدقيق، وفي ظل هذا التضارب الحاد في الروايات الرسمية، وتبادل الاتهامات المحموم بين الطرفين، تظل الصورة الكاملة لحجم الأضرار الفعلية والخسائر البشرية على كلا الجانبين غامضة وغير واضحة المعالم. وغالباً ما يصاحب مثل هذه المواجهات العسكرية الحساسة تعتيمٌ إعلامي ورقابة مشدّدة على المعلومات، مما يجعل من الصعب التحقّق بشكلٍ مستقلٍ من ادعاءات كل طرف.
ويعيد هذا التصعيد العسكري الأخير بين الهند وباكستان، الذي تزامن مع توترات جيوسياسية عالمية أخرى، إلى الأذهان بقوة تاريخاً طويلاً وحافلاً بالنزاعات الحدودية والحروب المباشرة بين هاتين الجارتين النوويتين منذ استقلالهما، ويثير هذا التدهور السريع في الموقف مخاوف جدية وعميقة لدى المجتمع الدولي من احتمالية انزلاق الأمور إلى مواجهة أوسع نطاقاً، قد تكون لها تداعياتٌ كارثية؛ ليس فقط على الأمن والاستقرار الإقليمي في شبه القارة الهندية، بل قد تمتد آثارها لتهديد السلم والأمن الدوليين.. فهل تتمكّن قنوات الدبلوماسية وجهود الوساطة الإقليمية والدولية من لجم هذا التدهور الخطير واحتواء الموقف قبل فوات الأوان، أم أن المنطقة مُقبلة على فصل جديد ومظلم من فصول الصراع المفتوح الذي قد يدفع بالجميع إلى المجهول؟