آخر الأخبار

"بادرة حسن نية".. وثائق تكشف ممارسة إدارة ترامب ضغوطًا على دول للتعاقد مع "ستارلينك" المملوكة لـ"ماسك"

شارك

كشفت وثائق حكومية أمريكية حساسة، حصلت عليها صحيفة "واشنطن بوست"، عن جانب خفي ومثير للجدل في سياسة إدارة الرئيس دونالد ترامب التجارية، حيث تشير الوثائق السرية إلى أن مسؤولين أمريكيين رفيعي المستوى مارسوا ضغوطاً على دول تواجه التعريفات الجمركية القاسية التي فرضها ترامب، وذلك بهدف تسريع الموافقات التنظيمية لشركة "ستارلينك" لخدمات الإنترنت عبر الأقمار الصناعية، المملوكة للملياردير إيلون ماسك، وتظهر هذه الوثائق كيف استغلت إدارة ترامب، وفي فترة زمنية حرجة تلت إعلانات تعريفات جمركية جديدة ضد دول بعينها، أداة التعريفات التجارية للتأثير على القرارات الداخلية لهذه الدول، لتمهيد الطريق أمام توسع أعمال شركة أمريكية كبرى في وقت تشهد فيه الأسواق العالمية تنافساً محتدماً في قطاع الاتصالات الفضائية، وهذه الضغوط شملت دولاً مختلفة حول العالم، من أفريقيا إلى آسيا، وبدا أن التسهيل لـ"ستارلينك" كان يُنظر إليه في بعض العواصم كبادرة "حسن نية" قد تساعد في تخفيف التوترات التجارية.

تأثير التعريفات

وبعد أقل من أسبوعين من إعلان الرئيس ترامب عن تعريفات جمركية بنسبة 50% على البضائع القادمة من ليسوتو، الدولة الأفريقية الصغيرة، سارعت الهيئة التنظيمية للاتصالات في البلاد لعقد اجتماع مع ممثلي ستارلينك، وكانت شركة الأقمار الصناعية هذه تسعى منذ فترة للوصول إلى السوق في ليسوتو، لكن التقدم لم يتحقق إلا بعد ربط الأمر بالمفاوضات التجارية التي فرضتها واشنطن.

ولم تكن ليسوتو حالة فريدة، فقد وجدت "ستارلينك" أبواباً تُفتح لها أو تسهيلات تُمنح في دول أخرى واجهت هي أيضاً تهديدات بالتعريفات أو دخلت في مفاوضات تجارية مع إدارة ترامب، وشملت هذه الدول الهند، التي سارعت في الموافقات، والصومال، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وبنغلاديش، وباكستان، وفيتنام، وإن كانت القائمة الكاملة قد تكون أطول.

ضغوط دبلوماسية

وتكشف سلسلة من الرسائل الحكومية الداخلية التي حصلت عليها "واشنطن بوست" عن الدور النشط الذي لعبته السفارات الأمريكية ووزارة الخارجية في هذا السياق، وتظهر الوثائق أن مسؤولين أمريكيين مارسوا ضغوطاً مباشرة على الدول لتذليل العقبات أمام شركات الأقمار الصناعية الأمريكية، مع ذكر "ستارلينك" بالاسم في كثير من الأحيان.

ورغم أن الوثائق لا تُظهر طلباً صريحاً من فريق ترامب بامتيازات لـ"ستارلينك" مقابل تخفيض التعريفات، إلا أنها تشير إلى أن وزير الخارجية ماركو روبيو أصدر تعليمات متزايدة للمسؤولين للدفع باتجاه الموافقات التنظيمية لشركة ماسك، وذلك في لحظة كانت فيها المفاوضات التجارية واسعة النطاق محور اهتمام البيت الأبيض.

أمثلة ملموسة

وفي كمبوديا، التي صدمها فرض تعريفة بنسبة 49%، أشار مسؤول من السفارة الأمريكية في بنوم بنه إلى أن مسؤولي الحكومة والقطاع الخاص نظروا في ما يمكن فعله لتلطيف العلاقات، وأوصى ممثلو الغرفة التجارية الأمريكية في كمبوديا بـ"إجراء حاسم في تقديم تنازلات للولايات المتحدة"، شملت منح واردات أمريكية معفاة من الرسوم والموافقة السريعة على طلب دخول "ستارلينك" للسوق.

كما كشفت الوثائق عن اهتمام مالي بشراء "ستارلينك" وعمل فريق السفارة في باماكو على تسهيل ذلك، بالإضافة إلى اهتمام جيبوتي ودعم السفارة الأمريكية هناك لفتح السوق أمام الشركة الأمريكية. حتى تركيا، التي أبدت اهتماماً، تلقت نقاط الحديث التي وجهها الوزير روبيو بخصوص خدمات الأقمار الصناعية الأمريكية.

دوافع مختلفة

ويرى بعض الخبراء أن هذا التحرك قد يكون منطقياً من الناحية الإستراتيجية لإدارة ترامب، ففي ظل التنافس العالمي المحتدم في مجال الاتصالات، لا سيما مع الصين وروسيا، تُعتبر "ستارلينك" لاعباً أمريكياً رئيسياً في هذا القطاع، والدفع لنجاحها عالمياً يمكن أن يخدم المصالح الأمريكية الأوسع.

لكن وجود إيلون ماسك كحليف سياسي ومستشار لترامب، والذي قدم مساهمات مالية كبيرة للحملات الجمهورية، يضيف طبقة من التعقيد، وبينما نفى البيت الأبيض في حينه وجود تضارب في المصالح، مؤكداً أن الاعتبار الوحيد هو مصلحة الشعب الأمريكي وشركاته، يظل التساؤل قائماً حول مدى تأثير هذه العلاقة على السياسة التجارية.

حسابات الدول

ومن منظور الدول التي واجهت هذه الضغوط، كان القرار يبدو غالباً محكوماً بالرغبة في تجنب التعريفات الجمركية القاسية أو تحسين شروط الاتفاقيات التجارية مع الولايات المتحدة، وكان منح الترخيص لـ"ستارلينك" بمثابة إشارة إيجابية لواشنطن، تحمل أملاً في تخفيف الضغط الاقتصادي.

ويشير خبراء مثل دبليو جيود مور، زميل في مركز التنمية العالمية، إلى صعوبة فصل المسؤولين الأفارقة بين مطالب الحكومة الأمريكية وتأثير نفوذ إيلون ماسك، فقد تزامن تصاعد الضغط الأمريكي على دول مثل جنوب إفريقيا مع محاولات "ستارلينك" للتقدم فيها، مما جعل المسؤولين يشعرون بأن تسهيل أعمال ماسك قد يجعل الأمور أيسر لبلادهم.

ويظل التقرير الذي نشرته "واشنطن بوست" بناءً على الوثائق الحكومية المسربة يطرح تساؤلات حول كيفية استخدام أدوات السياسة الخارجية والاقتصادية، مثل التعريفات الجمركية والمفاوضات التجارية، لخدمة مصالح شركات خاصة معينة، لا سيما تلك المرتبطة بشخصيات مقربة من دوائر صنع القرار؟

سبق المصدر: سبق
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا