في جولة جديدة من المفاوضات، استضافت العاصمة العمانية مسقط اليوم (السبت) محادثات مكثفة على مستوى الخبراء بين الولايات المتحدة وإيران، تركزت على مستقبل برنامج طهران النووي المتطور بسرعة، وجاءت في ظل مساعٍ دبلوماسية حثيثة لتهدئة التوترات المستمرة منذ سنوات، ووسط رغبة معلنة في كبح قدرات إيران النووية مقابل تخفيف محتمل للعقوبات الاقتصادية الخانقة، ولا سيما بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي السابق عام 2018 وتسارع وتيرة تخصيب اليورانيوم في إيران إلى مستويات باتت تثير قلقًا دوليًا متزايدًا.
واستمرت المحادثات لساعات عدة في مسقط، وأكدت مصادر أمريكية مقربة من المبعوث الخاص ستيف ويتكوف، الذي وصل إلى عُمان قادمًا من موسكو بعد لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بالإضافة إلى التلفزيون الإيراني الرسمي، اختتام هذه الجولة، ووصف وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، المناقشات بأنها كانت "جدية للغاية ومركزة على العمل"، مشيرًا إلى تبادل الطرفين نقاطًا مكتوبة على مدار اليوم، وفقًا لـ"أسوشيتد برس".
وأوضح عراقجي أن المفاوضات هذه المرة اتسمت بعمق وتفصيل أكبر مقارنة بالجولات السابقة، لكنه أقر في الوقت ذاته بأن الخلافات لم تُحل بالكامل، وأنها لا تزال قائمة بشأن "القضايا الرئيسة والتفاصيل"، هذه التصريحات تعكس الطبيعة المعقدة للملف النووي الإيراني والتحديات التي تواجه التوصل إلى تفاهمات شاملة ونهائية.
وعلى الجانب العماني، الذي لعب دور الوسيط في الجولتين السابقتين في مسقط وروما، عبر وزير الخارجية بدر البوسعيدي عن نبرة إيجابية حذرة، مشيرًا إلى أن إيران والولايات المتحدة "حددتا تطلعات مشتركة للتوصل إلى اتفاق قائم على الاحترام المتبادل والالتزامات الدائمة"، وأن المناقشات تناولت "جميع المبادئ الأساسية والأهداف والمخاوف الفنية"، والأهم من ذلك، أكد البوسعيدي أن المحادثات ستستمر الأسبوع المقبل، مع تحديد موعد مبدئي لاجتماع رفيع المستوى في 3 مايو.
ويكمن جوهر الخلاف في سعي الولايات المتحدة لكبح برنامج إيران النووي مقابل رفع العقوبات الاقتصادية التي فُرضت على مدى عقود من العداء. تزيد التوترات الإقليمية، ولا سيما حرب إسرائيل وحماس في غزة، وفي هذا السياق، تأتي تصريحات المسؤولين الأمريكيين والإيرانيين لتعكس عمق التباين؛ فبينما هدد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي تحدث عن المحادثات خلال وجوده في روما لحضور جنازة البابا فرنسيس، بشن ضربات جوية إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق، تلوح طهران بإمكانية السعي لامتلاك سلاح نووي مع امتلاكها اليورانيوم المخصب لمستويات قريبة من الدرجة العسكرية.
وفي هذه الجولة المتخصصة، ترأس الجانب الإيراني نائب وزير الخارجية مجيد تخت روانجي، الذي كان له دور في محادثات عام 2015، أما الفريق الفني الأمريكي، فقد قاده مايكل أنطون مدير طاقم تخطيط السياسات لوزير الخارجية ماركو روبيو، وهو شخصية تفتقر إلى الخبرة النووية العميقة مقارنة بمن قادوا جهود واشنطن في محادثات 2015.
ويبقى إصرار إيران على حقها في التخصيب نقطة خلاف جوهرية. زاد المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف من الغموض بتصريحات متضاربة؛ فبعد أن لمح في مقابلة تلفزيونية إلى إمكانية التخصيب بنسبة 3.67 %، عاد ليؤكد لاحقًا ضرورة وقف جميع عمليات التخصيب، وهو الموقف الذي كرره أيضًا ماركو روبيو. هذا التباين في الموقف الأمريكي العلني لا يسهل مهمة المفاوضين ويضيف طبقة أخرى من التعقيد للمفاوضات الجارية.
وتزامنت المحادثات مع حادثة مؤسفة في إيران؛ حيث هز انفجار كبير ميناءً جنوبيًا، مما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى، وعلى الرغم من أن السلطات استبعدت ارتباطه بقطاع النفط والغاز، إلا أن تقارير ربطت الشحنة بمادة كيميائية تستخدم في صناعة وقود الصواريخ، مما يسلط الضوء على السياق الأمني المعقد الذي تجري فيه هذه المفاوضات.
وعلى الرغم من التحديات والخلافات المستمرة، لا يزال هناك بصيص من الأمل لدى الإيرانيين العاديين، مدعومًا بارتفاع قيمة الريال الإيراني من مستوياته التاريخية المتدنية. ويعبّر البعض عن قبولهم للمفاوضات كسبيل لحل الأزمة النووية، مع التشديد على ضرورة عدم تقديم تنازلات شاملة، خصوصًا بعد ما يرون أنه تضحيات كبيرة قدمتها البلاد من أجل هذا البرنامج، فهل ستنجح جولات الخبراء المقبلة في ردم الهوة الواسعة والتمهيد لاتفاق يخفف حدة التوتر ويفتح صفحة جديدة في العلاقات الإيرانية الأمريكية؟