يجتمع مسؤولون رفيعو المستوى من أوكرانيا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة ودول أوروبية أخرى في العاصمة البريطانية لندن، اليوم (الأربعاء)، في خطوة جديدة ومكثّفة ضمن جهود دولية متواصلة تهدف إلى دفع الأطراف المتحاربة، روسيا وأوكرانيا، نحو طاولة المفاوضات والتوصل إلى اتفاق سلامٍ ينهي الصراع الدائر منذ أكثر من ثلاث سنوات. تعقد هذه اللقاءات الإستراتيجية في ظل تزايد القلق الدولي من استمرار القتال وتداعياته الإنسانية والاقتصادية الجسيمة، وتشكّل استكمالاً لمحادثات سابقة عُقدت في باريس، مركزة على بحث آليات وقف إطلاق النار وتأمين استقرار طويل الأمد في المنطقة.
وأكّد وزير الدفاع البريطاني جون هيلي؛ أن هذا الاجتماع الذي يضم وزراء خارجية ومستشاري أمن قومي يهدف إلى مناقشة تفاصيل اتفاق محتمل لوقف إطلاق النار، وكيفية الانتقال من حالة الحرب إلى سلام دائم، وتحضر الاجتماع شخصيات بارزة مثل الفريق المتقاعد كيث كيلوغ؛ مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الخاص لأوكرانيا وروسيا، بينما يتغيب وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو؛ عن الحضور بسبب ارتباطات سابقة، بعد أن كان مشاركاً في جولة المحادثات التي استضافتها باريس الأسبوع الماضي، وفقاً لـ"أسوشيتد برس".
وعلى الرغم من أهمية الاجتماع، إلا أن بريطانيا قللت من سقف التوقعات بحدوث انفراجة فورية أو اختراق كبير في مسار المفاوضات المعقدة، لكنها شدّدت في الوقت ذاته على أن هذا الأسبوع يحمل أهمية خاصة للجهود الدبلوماسية المبذولة لوقف القتال المستمر منذ بداية الغزو الروسي الشامل لجارتها أوكرانيا. تعكس هذه التحركات الدبلوماسية إصراراً دولياً على إيجاد مخرج للأزمة، حتى في ظل العقبات الميدانية والسياسية القائمة.
وصرّح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب؛ الأسبوع الماضي، بأن المفاوضات "تقترب من مرحلة حاسمة"، ولمح إلى إمكانية انسحاب الولايات المتحدة من العملية إذا لم يظهر الطرفان مرونة كافية للتحرُّك نحو السلام.
من جانبه، أشار وزير الخارجية ماركو روبيو؛ أيضاً إلى احتمال انسحاب واشنطن قريباً في حال عدم إحراز تقدمٍ ملموسٍ في المحادثات، مما يُوحي بأن اجتماع لندن قد يكون لحظة فارقة في تحديد مدى استمرار انخراط إدارة ترامب في جهود الوساطة.
في سياقٍ متصل، أفاد يوري أوشاكوف؛ مستشار بوتين للشؤون الخارجية، أنه من المتوقع أن يقوم المبعوث الأمريكي الخاص ستيف ويتكوف؛ بزيارة أخرى إلى موسكو هذا الأسبوع، دون تقديم تفاصيل إضافية حول أجندة الزيارة أو التوقعات منها، وتأتي هذه الزيارة في إطار القنوات الخلفية التي تسعى واشنطن لفتحها مع الجانب الروسي بالتوازي مع دعمها للجانب الأوكراني وحلفائها الأوروبيين.
يشير محللون غربيون إلى أن موسكو لا تبدو متعجلة لإنهاء مفاوضات السلام، مرجعين ذلك إلى تحقيق القوات الروسية زخماً ميدانياً ورغبتها في السيطرة على مزيدٍ من الأراضي الأوكرانية قبل أي اتفاق محتمل. وفي تعليق يعكس وجهة النظر الغربية، قال المتحدث باسم رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، ديف باريس، إن "الكرة الآن في ملعب روسيا"، مطالباً الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بإظهار جديته بشأن إحلال السلام.
من جانبه، أكّد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أمس، أن الوفد الأوكراني المتجه إلى المملكة المتحدة يحمل تفويضاً لمناقشة وقف إطلاق نارٍ غير مشروطٍ أو جزئي فقط مع الجانب الروسي. وشدّد زيلينسكي، على أن كييف مستعدة للانخراط في محادثات بأيّ شكل من الأشكال "بعد" التوصل إلى اتفاقٍ لوقف إطلاق النار. وهذه الشروط تعكس إصراراً أوكرانياً على تثبيت الهدنة قبل الدخول في مفاوضات سياسية أوسع نطاقاً.
في المقابل، حذّر المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف؛ من تعقيد "قضية التسوية"، معتبراً أنه "سيكون من الخطأ وضع بعض القيود الصارمة عليها ومحاولة تحديد إطار زمني قصير لتسوية قابلة للحياة"، واصفاً ذلك بأنها "مهمة لا طائل من ورائها".
ويرى محللون غربيون مجدداً أن موسكو لا تستعجل محادثات السلام مستفيدة من تفوقها الميداني ورغبتها في توسيع نطاق سيطرتها. ورفضت روسيا بشكلٍ فعالٍ اقتراحاً أمريكياً بوقف فوري وكامل للقتال لمدة 30 يوماً من خلال فرض شروط بعيدة المدى ومعقدة، وعلى الرغم من إعلان بوتين وقف إطلاق نارٍ أحادي الجانب لمدة 30 ساعة يوم السبت الماضي، أفاد مسؤولون أوكرانيون وبريطانيون باستمرار الهجمات الروسية خلال الفترة المعلنة للهدنة.
وفي ظل هذا المشهد المعقد، يستعد كلا الطرفين، روسيا وأوكرانيا، للحملة العسكرية المقررة في فصلَي الربيع والصيف، وفقاً لمسؤولين أوكرانيين وغربيين، مما يُثير تساؤلات حول مدى تأثير المساعي الدبلوماسية الحالية على مسار الصراع المستقبلي.