وسط تهاوي المؤشرات المالية وارتفاع مخاوف الركود، يصر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب؛ على موقفه الحازم تجاه التعريفات الجمركية الجديدة، واصفاً إياها بـ"الدواء" اللازم لإنعاش الاقتصاد الأمريكي، فيما تتحضر الأسواق العالمية لموجةٍ جديدة من الاضطرابات مع دخول الرسوم حيز التنفيذ الأربعاء المُقبل. وتصريحات ترامب المُثيرة للجدل تُعيد إشعال التوترات التجارية مع الحلفاء والخُصوم على حد سواء، بينما تُحذّر تحليلاتٌ اقتصادية من تداعيات قد تطول كل بيتٍ حول العالم.
وعلى متن طائرته الرئاسية، أطلق ترامب تصريحاً نارياً قائلاً: "لن أتراجع حتى تُعادِل الدول تجارتها مع أمريكا"، مبرراً قراره بضرورة وقف "النهب" المزعوم لاقتصاد بلاده. رغم اعترافه بقلق الأسواق، استخدم الرئيس الأمريكي تشبيهاً طبياً لافتاً: "أحياناً تحتاج أن تتجرّع الدواء المر لشفاء الجسد"، في إشارة إلى تضحيات مؤقتة لتحقيق مكاسب طويلة الأمد، وفقاً لـ"أسوشيتد برس".
ولم تنتظر الدول الكبرى طويلاً للرد، فالصين أعلنت فوراً إجراءات انتقامية، بينما تواصلت أكثر من 50 دولة -وفق البيت الأبيض- لبدء مفاوضات طارئة. المفارقة أن الرسوم المستهدفة تشمل حلفاء تقليديين مثل إسرائيل (17%)، مما يضع رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو؛ في موقفٍ محرجٍ قبل لقائه ترامب؛ اليوم (الإثنين). حتى فيتنام، ورشة تصنيع العالم، عرضت خفض تعريفاتها إلى صفر% مقابل تجنُّب الصدام.
والأرقام لا تكذب: مؤشر نيكاي الياباني انهار 8%، بينما فقدت بورصة شنغهاي 6.2% من قيمتها. في وول ستريت، هبطت العقود الآجلة لأسهم الشركات الكبرى بنسبٍ قياسية، مع تراجع بيتكوين 6% في يومٍ واحد. وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت؛ حاول تهدئة المخاوف: "الركود ليس حتمياً.. نعمل على أساسيات اقتصادية قوية"، لكن محللين يشكّكون في قدرة الأسواق على امتصاص الصدمة مع استمرار التصعيد.
وداخل الكونجرس الأمريكي، انقسم الجمهوريون بين مؤيدٍ لخُطة ترامب "لإعادة الهيبة" الاقتصادية، ومتخوِّفٍ من تداعياتها. عضو الكونجرس دون بيكون؛ أعلن مشروع قانونٍ لفرض رقابة تشريعية على سلطة الرئيس في فرض الرسوم، واصفاً التفويض السابق بـ"خطأ تاريخي". لكن السناتور جون باراسو؛ أحد أبرز مؤيدي ترامب، أكّد: "الرئيس يستحق فرصته لتصحيح النظام التجاري الفاسد".
وفي مفارقةٍ تعكس الانقسام الداخلي، هاجم مستشار ترامب التجاري بيتر نافارو؛ تصريحات إيلون ماسك؛ الداعية لإلغاء التعريفات مع أوروبا، واصفاً إياها بـ"دفاعٍ عن مصالحه الشخصية". بينما أبدى ترامب نفسه تشدداً غير مسبوقٍ تجاه الاتحاد الأوروبي: "لن نتفاوض إلا إذا دفعوا لنا المليارات سنوياً"، في إشارةٍ إلى رؤيته للعلاقات الدولية كصفقاتٍ مالية صِرفة.
ورغم الضجيج، تبقى الأسئلة الجوهرية دون إجابة: هل ستنجح الخطة في إعادة الوظائف الصناعية لأمريكا؟ أم أنها ستُسرّع من تحوُّل النظام التجاري العالمي نحو التكتلات الإقليمية؟ الأكيد أن العالم يقف على حافة تحوّلٍ جيوسياسي، حيث تختبر القوى العظمى مدى قدرتها على الصمود في مواجهة دوامة التصعيد التي أشعلتها واشنطن. هل يكون "دواء" ترامب سُمّاً للاقتصاد العالمي؟ التاريخ سيحكم.