كشف خبراء الاتصال المؤسسي أن أول يوم بعد الإجازة تشكّل مؤشرًا دقيقًا على نضج الثقافة المؤسسية وعمق الوعي القيادي داخل المنظمات، وذلك على الرغم من أن البعض يرى أنها لحظة هو مجرد بداية روتينية.
وفي هذا السياق، أوضح خبير الإعلام والاتصال التنموي الدكتور رياض بن ناصر الفريجي في تصريح لـ"سبق"، أن العودة بعد إجازة العيد ليست مجرد استئناف للمهام الإدارية، بل تمثل إعادة ضبط للعلاقات، والدوافع، والصورة الذهنية للمؤسسة.
وأضاف الدكتور الفريجي أن لغة القهوة، طريقة تبادل التهاني، وصياغة أول بريد داخلي في يوم العودة هي رسائل اتصالية غير مكتوبة، لكنها تُفهم بعمق، وتُسهم في تشكيل الهوية الثقافية للمنظمة، موضحًا: "بعض المؤسسات تُعيد الموظف إلى مكتبه، وأخرى تُعيده إلى ذاته.ووفقًا لدراسات الاتصال الداخلي، فإن ما يقارب 72% من رضا الموظفين يتشكل في اللحظات الانتقالية، ومن أبرزها: العودة بعد الإجازات".
وأشار الفريجي إلى أن الاتصال المؤسسي الحديث يتعامل مع لحظة العودة كفرصة ناعمة لتعزيز القيم، وتحفيز الفرق، وإطلاق موجة طاقة جديدة داخل بيئة العمل. ومن منظور استراتيجي، فإن كل عودة ناجحة بعد انقطاع قصير تُسهم في تسريع الأداء بنسبة قد تتجاوز 18% خلال الأسبوع الأول، خاصة في المنظمات التي تركز على الإنسان كأصل استثماري أساسي.
وفي المشهد السعودي، يقول الفريجي إن تفاصيل بسيطة مثل التمر في بهو الاستقبال، عبارات "من العايدين"، ضحكات الزملاء، ورسائل الترحيب النصية، لا تعدّ طقوسًا اجتماعية فقط، بل أدوات اتصال عميقة تعبر عن روح المؤسسة ومقدار ارتباطها بالإنسان قبل النظام.
وأشار إلى أن القيادات التي تبادر بالتحية وتُظهر الامتنان وتستمع للموظفين في أول يوم، تحقق ما يعرف بـ"المسافة الشعورية الآمنة"، وهي الشعور الذي يمنح الموظف يقينًا بأن حضوره مرئي، صوته مسموع، وقيمته محفوظة، كما شدد على أن لحظة العودة تمثل فرصة لمراجعة مرونة الإجراءات وتقييم التفاعل بين الفرق، ليس فقط من منظور إداري، بل من منطلق إنساني وتنموي يُسهم في بناء الانتماء وتجديد الطاقة.
وختم الدكتور الفريجي حديثه بالتأكيد أن أول يوم بعد العيد لحظة قصيرة في التقويم، لكنها طويلة الأثر في وجدان المؤسسة، فهي تكشف من يملك ثقافة حقيقية، ومن لا يزال يفتقد الاتصال.