الولايات المتحدة تشهد زلزالاً احتجاجياً غير مسبوقٍ، حيث خرج أكثر من مليونَي مواطن في 1500 مدينة أمريكية في أكبر موجة غضبٍ شعبي تشهدها البلاد منذ تولي الرئيس دونالد ترامب ولايته الثانية. الشوارع تحوَّلت إلى ساحات معركة سلمية، والهتافات المدوية تطالب بإسقاط سياسات تقشفية يرى المحتجون أنها تمسُّ حقوقهم الأساسية. مشهد لم تشهده أمريكا منذ مسيرات النساء التاريخية عام 2017، لكن هذه المرة بتحالفٍ أوسع وغضبٍ أعمق تحت شعار "ارفعوا أيديكم".
سجّلت ولاية كاليفورنيا وحدها مشاركة 450 ألف متظاهر في 120 موقعاً مختلفاً، بينما شهدت نيويورك تجمعاً تاريخياً لـ300 ألف شخص في مانهاتن. الأرقام الرسمية تشير إلى أن هذه الاحتجاجات تعد الأكبر من حيث الانتشار الجغرافي، حيث شملت جميع الولايات الخمسين دون استثناء، مع مشاركة قياسية من الفئات العمرية المختلفة، وفقاً لـ"أسوشيتد برس".
وضمّت الاحتجاجات تحالفاً واسعاً ضم 850 منظمة حقوقية ونقابية، وهو رقمٌ قياسي في تاريخ الحركات الاحتجاجية الأمريكية. اللافت في هذه الموجة هو اتحاد كِبار السن من متقاعدي الضمان الاجتماعي مع شباب جيل الألفية، حيث تجاوز عدد المشاركين تحت سن 35 عاماً حاجز المليون متظاهر، وفقاً لتقديرات منظمي الاحتجاجات.
ءواجهت الإدارة الأمريكية هذه الموجة الاحتجاجية بمزيجٍ من التهدئة والتصعيد، وبينما دعا البيت الأبيض إلى "الحوار الهادئ"، أعلن ترامب في تغريدةٍ مُثيرة للجدل أن "هذه الاحتجاجات مدعومة من جماعات عنيفة"، وهو اتهامٌ نفاه منظّمو المسيرات بشدة، مؤكدين أن 99 % من الاحتجاجات سارت بشكلٍ سلمي تماماً.
وتحوّلت الاحتجاجات إلى منصة للاحتجاج على الأوضاع الاقتصادية، حيث أظهرت استطلاعاتٌ ميدانية أن 68 % من المشاركين يعبّرون عن مخاوف مالية شخصية. في ديترويت، حمل 50 ألف متظاهر لافتات كُتب عليها "وظائفنا أولاً"، بينما رفع عمال مصانع السيارات في أوهايو شعارات تطالب بوقف تسريح العمال.
وعلى الرغم من السلمية السائدة، إلا أن حوادث اعتقالات محدودة سُجّلت في 12 ولاية، حيث أعلنت السلطات توقيف 350 شخصاً لـ"خرقهم السلم العام".
في فيلادلفيا، تصاعدت التوترات عندما حاولت مجموعة صغيرة إحراق عَلمٍ أمام مبنى بلدية المدينة، قبل أن تتدخّل قوات الأمن لتفريقهم.
وباستمرار تنظيم مزيدٍ من المسيرات المُعلنة في 800 موقع إضافي الأسبوع المقبل، يتساءل المحللون عن مدى قدرة هذه الحركة على الحفاظ على زخمها.
البيانات الأولية تشير إلى أن 72% من الأمريكيين يؤيدون مطالب المحتجين الأساسية، وفقاً لاستطلاعٍ حديثٍ أجرته جامعة هارفارد.
وهذه الموجة الاحتجاجية الضخمة تثبت أن الشارع الأمريكي ما زال قادراً على إسماع صوته. مع تصاعد الأعداد واتساع رقعة المشاركة، يبدو أن البلاد على أعتاب فصلٍ جديدٍ من الصراع بين الشعب وسياسات النخبة.
السؤال الأكبر الآن: هل ستكون هذه الاحتجاجات نقطة تحوُّلٍ في المشهد السياسي الأمريكي، أم مجرد صرخةٍ في وجه العاصفة؟