صرّح خبير الإعلام والاتصال التنموي الدكتور رياض بن ناصر الفريجي ، أن تكرار مشهد اكتظاظ بعض المساجد بالمصلين في صلاة التراويح، بينما تبقى مساجد أخرى أقل ازدحامًا، هو ظاهرة اتصالية تستحق التأمل والتحليل، وتتجاوز البُعد التنظيمي أو الجغرافي.
وقال :"السؤال الحقيقي ليس: لماذا يزدحم الناس؟ بل: ما الذي يجذبهم؟ والجواب – من وجهة نظر اتصال تنموي – أن القارئ هو محور العملية الاتصالية في صلاة التراويح، فهو الذي يُبلّغ الرسالة، ويوصل المعنى، ويستدعي الأثر، وهو الذي يُشَكّل بقراءته جسرًا بين كلام الله وقلوب العباد".
وأوضح الدكتور الفريجي أن الرسالة واحدة، وهي القرآن الكريم، كلام الله المعجز الثابت الذي لا يتبدّل، ولكن ما يختلف هو "المرسل" – أي القارئ – و"طريقة الإرسال" – أي صوته، أداؤه، وتدبره، مشيرًا إلى أن نظرية "بيرلو" للاتصال (SMCR Model) تُعزز هذا الفهم، حيث تتكون من أربعة عناصر: المرسل(S)، الرسالة (M)، القناة (C)، والمستقبل (R)، وكلما كان المرسل متمكنًا، واعيًا، متدبرًا، استطاع أن ينقل الرسالة بعمق وأثر.
وأضاف: "في أحد المجالس الرمضانية، دار نقاش عفوي بين مجموعة من المصلين، فقال الأول: ’أنا أتأثر كثيرًا بقراءة الشيخ عاصم، وكأن صوته يفتح لي أبواب القلب،‘ وقال الثاني: ’أنا أرتاح كثيرًا لصوت الشيخ محمد، فيه سكينة تلامس وجداني،‘ وقال الثالث: ’حين يقرأ سلمان، أشعر بأنني أعيش مع كل آية،‘ وأضاف الرابع: ’صوت ياسر يجعلني كأنني أسمع القرآن لأول مرة،‘ وقال أحدهم: ’إن قرأ ناصر، شعرت بأن الآيات تُفسَّر لي دون أن أطلب، وكأن معانيها تنزل على قلبي سطرًا سطرًا،‘ وختم السادس بقوله: ’لو قرأ إبراهيم الليل كله، ما مللت دقيقة واحدة.‘ وهكذا تفاوتت الآراء في القُراء الذين يصلي الناس خلفهم، كلٌ وفق ذائقته وخلفيته النفسية".
وبيّن الفريجي أن هذا التفاوت لا يُعد نقصًا في الرسالة، وإنما هو جزءٌ من الطبيعة البشرية في استقبال المحتوى، موضحًا أن بحثًا أجري في معهد الصوتيات والقراءات بجامعة الأزهر الشريف عام 2020 كشف أن 78 % من المستجيبين يربطون الخشوع في الصلاة بمدى تأثير صوت الإمام فيهم، وهذا رقمٌ يدعو إلى التوقف، حيث يتحول الصوت إلى أداة دعوية وروحية فعّالة.
وأكد أن بعض القرّاء يملكون ما يُعرف في الاتصال بـ"الرسائل الثانوية غير المنطوقة" (Paralinguistic Cues)، كطبقة الصوت، وانفعاله، وطريقة الوقف والوصل، وهي التي تُحدث ذلك "الفرق العاطفي" الذي يجعل البعض يطيل السجود، أو يجهش بالبكاء، أو يعود إلى بيته متغيرًا بعد صلاة التراويح.
وختم الدكتور الفريجي تصريحه قائلاً: "ازدحام المساجد ليس نتيجة شهرة، بل هو انعكاس لصدق في الأداء، وإحساس في التلاوة، وتوازن بين العلم بالقراءات والتفاعل مع المعاني، وكل قارئ يُجيد أن يكون مرسلاً حقيقيًا للقرآن، سيجد قلوبًا تتقاطر حوله، لأن القلوب تعرف من يقرأ بلسانه، ومن يقرأ من قلبه".