يُرفع الأذان في المسجد النبوي الشريف منذ أكثر من 1400 عام، عندما صدح به أول مرة في الإسلام مؤذن الرسول صلى الله عليه وسلم، الصحابي الجليل بلال بن رباح رضي الله عنه، ليكون أول صوت يعلن عن وقت الصلاة في المدينة المنورة بعد أن شُرع الأذان برؤيا رآها عبدالله بن زيد وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما، فأقرّها النبي صلى الله عليه وسلم، وقال عنها: "رؤيا حق إن شاء الله"، وأمر بلال أن يؤذن لما يتميز به من عذوبة الصوت.
في ذلك الوقت، لم يكن الأذان قد شُرع عند بناء المسجد، بل كان يُنادى بين الناس بـ"الصلاة جامعة" دون أذان أو إقامة. ومع تشريع الأذان، أصبح بلال رضي الله عنه يرفع الأذان في عهد النبوة، واستمر هذا الصوت المبارك يُسمع من مآذن المسجد النبوي عبر العصور حتى يومنا الحاضر.
وفي السابق، كان الأذان يُرفع من خمس مآذن مختلفة بطريقة متتابعة، تبدأ من المئذنة المجاورة للقبة الخضراء، ثم تنتقل إلى مئذنة باب السلام، فـباب الرحمة (الرحمانية)، ثم المئذنة الشكيلية، وأخيراً المئذنة السليمانية، ويعود بعد ذلك المؤذن الأول ليُكمل بقية الأذان. وكان الهدف من هذا التتابع، بحسب ما أوضحه المؤرخ الدكتور فؤاد المغامسي، هو وصول صوت الأذان إلى أكبر مساحة ممكنة من المدينة المنورة في ظل عدم وجود مكبرات صوت.
وظل هذا النظام معمولاً به حتى مطلع العام 1400هـ، حيث تم توحيد الأذان على مؤذن واحد يرفعه من المكبرية، وهي منصة مرتفعة تطل على الروضة الشريفة ومحراب المسجد النبوي، بمساحة تقارب عشرين متراً مربعاً، وتقع على بُعد خمسة أمتار فقط من المنبر الشريف.
واليوم، يرفع الأذان في المسجد النبوي 20 مؤذناً بالتناوب، من داخل مكبرية الحرم الشريف، باستخدام نظام صوتي متطور وعالي الجودة، تشرف عليه رئاسة الشؤون الدينية في المسجد الحرام والمسجد النبوي، لضمان وضوح الصوت وامتداده في أرجاء المسجد، لتستمر السكينة والروحانية التي يشعر بها الزوار عند سماعهم صوت الحق يُنادي للصلاة، في مزيج مهيب بين عبق التاريخ وتطور الحاضر.