أكد الشيخ الدكتور ياسر بن راشد الدوسري، إمام وخطيب المسجد الحرام والمشرف على التوعية الفكرية بالمسجد الحرام، أن المرجفين مع اختلافهم وتنوعهم يسيرون في اتجاه واحد، ينتهي إلى الفناء والهلاك، ويبدأ بالشحن الذاتي الذي يتطور إلى الشحن المجتمعي، فيصير كل فرد من أبناء المجتمعات وسيلة لهذا الإرجاف الـممنهج في إفساد الحياة، وما بعد الحياة.
وقال الدوسري في محاضرة بعنوان "خطر الإرجاف وأثره على المجتمعات"، ضمن الدورة الفكرية (رمضان شهر القيم والهدايات ومعالم الوسطية) المقامة بالمسجد الحرام: "ليس بمستغرب أن إشاعة اليوم تهدد أجيال المستقبل، والأراجيف ملاقيح الفتن". وأكد أن الأمر يزداد خطورة في ظل انتشار مواقع التواصل الاجتماعي.
وأضاف: "المرجفون يمارسون الحرب النفسية التي هي أخطر وأفتك من الحرب العسكرية؛ لأن الحرب النفسية تؤدي إلى هزيمة الأمة نفسيًّا ومعنويًّا".
وأشار إلى أن مضار الإرجاف تتمحور في فقدان الثقة بالله.
وعدَّد فضيلته آثار الإرجاف ومضاره الخطرة على المجتمع وعلى الوطن قائلاً: "إن مضار الإرجاف وآثاره السيئة تتمحور في الهزيمة النفسية والمعنوية والخوف الشديد، إلى جانب فقدان الثقة بالله، ثم في ولاة الأمر، وقتل الهمم بسقوط هيبة الرموز والعلماء من أعين الجماهير، وأخيرًا انتشار الاضطرابات والإشاعات بين الناس".
وأشار إلى علاج الإرجاف وواجب المسلم نحوه، وهذه النقطة هي قلب الموضوع ولبه، محددًا تلمُّس واجبات المسلم نحو الإرجاف في الآتي:
أولاً: التذكير بأهمية شكر الله -عز وجل- على نعمة الأمن والأمان، فبالشكر تدوم النعم.
ثانيًا: التشديد على حب هذه البلاد المباركة، ومن لوازم هذه المحبة الدفاع عنها؛ لأنها قبلة المسلمين، ومهوى أفئدتهم، فالدفاع عنها دفاع عن الدين والمقدسات، وأمنها أمن المسلمين، واستقرارها استقرار للناس أجمعين.
والدفاع يكون بالقلم واللسان، كما يكون بالسيف والسنان، فعلى كل منا أن يذود عن وطنه بما أوتـي من أدوات، وما أتيح له من وسائل.
ثالثًا: ترسيخ مفهوم السمع والطاعة لولاة أمرنا، ولزوم الجماعة، فقد تقرر عند أهل السنة، وعلم بالضـرورة من دين الإسلام، أنه لا دين إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بإمامة، ولا إمامة إلا بسمع وطاعة.
رابعًا: الوصية بلزوم العلماء الربانيين، والراسخين في العلم المعتبرين؛ فملازمتهم والاستنارة بآرائهم سداد في الرأي، واستقامة على النهج، وتحقيق للمصالح، ودرء للمفاسد، ودحض لشبه وأكاذيب المرجفين والمغرضين.
خامسًا: تعزيز مفهوم الأمن الفكري وتقويته لدى الناشئة والمجتمع؛ وذلك لحمايتهم وتحصينهم من العقائد الفاسدة، والأفكار المنحرفة، والجماعات المتطرفة، والفرق المشبوهة، والأحزاب الموبوءة، التي تسعى لشق عصا الطاعة، وتفريق الكلمة، وتوهين قوى المجتمع.. فمتى تغذت عقول الناس بالأفكار السليمة، والمفاهيم الصحيحة، البعيدة عن تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وغلو المتطرفين، أمنت حياتهم، واستقامت معيشتهم، وتحققت أحلامهم.
سادسًا: تأكيد أهمية العناية بالعلم، والتسلح بالوعي بما يمكّن الناس من معرفة الشبهات والشائعات، والأراجيف والافتراءات، التي يبثها وينشـرها الأعداء والمرجفون، والمخربون والحزبيون ضد وطننا عبر قنواتهم، ووسائلهم، وشبكاتهم؛ ليكون الناس بذلك سدًّا منيعًا في وجه كل من يحاول زعزعة أمن الوطن واستقراره، أو شق عصا الطاعة، والخروج عن الجماعة.
سابعًا: التحقق من الأخبار قبل نشرها أو تصديقها يقول تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين﴾ [الحجرات: ٦].
ثامنًا: معاقبة المرجفين، فيجوز للجهات المختصة إيقاع العقوبات الرادعة على من يروجون الشائعات المغرضة، إذا لم يتوقفوا عن ارتكاب جريمتهم الشنيعة.
تاسعًا: التعاون مع الجهات الرسمية في نشـر الحقائق، فيجب دعم المصادر الرسمية، والتأكد من الأخبار من مصادر موثوقة، وعدم الانجراف وراء الأخبار غير الموثوقة.
عاشرًا: استحضار أهمية التعاون على البر والتقوى، فيجب أن تتحد فئات المجتمع بمؤسساته وأفراده ضد داء الإرجاف، وذلك بنشـر الحق، وتعرية الباطل، والكشف عن هؤلاء المرجفين، والعمل على استباق الأحداث، وتقديم المبادرات التحصينية والوقائية، التي تأتي هذه الدورة الفكرية في المسجد الحرام في سياقها.
وتابع قائلاً: "نحن في المملكة العربية السعودية -بما حبانا الله من حرمين شريفين، يضمان المشاعر المقدسة، وقبلة المسلمين، وما أكرمنا به من قيادة ذات أمانة، وإقامة للوزن بالقسط وديانة، وفهم وكياسة، وحسن إدارة وسياسة، وما منّ به علينا من تمسك بالعقيدة والشـريعة، وما أغدق علينا من نعم ورخاء، واستقرار وأمان- أولى الناس أن نشكر النعمة؛ لذا يصبح الدفاع عن هذا البلد، وحماية مكتسباته، وصيانة جناب الرموز ابتداء بقيادتنا، ثم علمائنا، والساهرين على أمننا، ضرورة توجب علينا جميعًا أن نتحلى بالعزم، والحزم، والألمعية، وأن نستشـرف المستقبل، مؤتسين بقيادتنا الحكيمة ذوي البصـر والبصيرة. والله يحفظنا وبلادنا وولاة أمورنا".
وقال: "اتقوا الله والزموا سبيل التعاون والتآلف، والتناصح، والتراحم، وكل ما يجمع الكلمة وينبذ الخلاف، ويمنع الإرجاف، ويعز أمة الإسلام، ويحفظ على الـمسلمين دينهم، ويبسط في الديار الأمن".. محذرًا من كيد المرجفين بكل أشكالهم وألوانهم، والجماعات الإرهابية والحزبية، الذين يسلكون مسالك الإرجاف والفوضى؛ لتحقيق مخططاتهم وأهدافهم وغاياتهم.. وحصنوا أنفسكم وأولادكم، وذويكم ومجتمعكم ضد ألاعيبهم ومؤامراتهم.
وفي ختام محاضرته سأل الله -تعالى- أن يحمي بلادنا ووطننا من كيد المرجفين، وحقد الحاقدين، وتربُّص المتربصين، وأن يجعلها شامخة عزيزة منيعة إلى يوم الدين، وأن يحفظ ولـي أمرنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولـي عهده رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، وأن يجزيهما عنا وعن البلاد والعباد وعن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.