آخر الأخبار

أستاذ الإحصاء والبحوث "العمري": تمكين المدرسة هو تحوُّل جذري في أنظمة التعليم العالمية واستقلالية المدارس في إدارة شؤونها

شارك

أكَّدَ الدكتور سعد عوض العمري أستاذ الإحصاء والبحوث، أن تمكين المدرسة هو أحد التحولات الجذرية في أنظمة التعليم العالمية، ويهدف إلى تعزيز استقلالية المدارس في إدارة شؤونها واتخاذ القرارات التربوية والإدارية التي تناسب احتياجاتها المحلية.

وقال: هذا النهج يُمكّن المدارس من إطلاق العنان للإبداع وتحسين الأداء التعليمي، لكنه في الوقت ذاته يواجه تحديات متعدّدة إذا لم يتم تنفيذه بحذر.

في المملكة العربية السعودية، يُمثل هذا التوجّه جزءًا من تحقيق رؤية 2030، التي تسعى إلى رفع جودة التعليم وتحقيق التنمية الشاملة، ومع ذلك، هناك تحديات وسلبيات يجب أخذها بعين الاعتبار لضمان نجاح النموذج.

وعن أهمية تمكين المدرسة قال "العمري" تكمن في: تعزيز استقلالية القرار ليتيح هذا النموذج للمدارس اتخاذ القرارات التي تتناسب مع بيئتها المحلية واحتياجات طلابها، مما يُسهم في تحسين الأداء الإداري والتربوي، وتشجيع الابتكار بمنح الإدارات المدرسية والمعلمين فرصة لتطبيق أساليب جديدة وتطوير مناهج تراعي احتياجات الطلاب وتُحفّز التفكير النقدي والإبداعي، وتحسين جودة التعليم من خلال تقليل المركزية وتمكين المدرسة من تخصيص الموارد واتخاذ قرارات سريعة لتحسين الأداء، وتعزيز الشراكة المجتمعية بفتح المجال أمام المجتمع وأولياء الأمور للمشاركة في تطوير العملية التعليمية، وتفعيل دور القيادة المدرسية حيث يجعل من القادة والمعلمين أصحاب قرار ومسؤولية مباشرة عن تحسين النتائج التعليمية.

وحول إيجابيات نموذج تمكين المدرسة قال: تحقيق مرونة إدارية ليعزز النموذج قدرة المدرسة على التعامل مع التحديات المحلية بكفاءة دون انتظار قرارات مركزية، وزيادة الانتماء والمسؤولية حيث يعزّز شعور القادة والمعلمين والطلاب بالمسؤولية تجاه نجاح المدرسة، وتحسين الأداء التعليمي ليتيح تبني أفضل الممارسات التعليمية والتدريسية المبتكرة التي تعزز نواتج التعلم، وتسريع الاستجابة للتحديات ليمكن المدارس على التكيف بسرعة مع التغيرات والتحديات المحلية دون قيود بيروقراطية، وتخصيص الموارد بفعالية ليمكن المدارس من تحديد أولوياتها بناءً على احتياجاتها الفعلية، مما يعزز الكفاءة في استخدام الموارد.

وفيما يخص السلبيات المحتملة في نموذج تمكين المدرسة هو ؛ نقص الخبرة القيادية فقد تواجه المدارس ذات القيادات غير المدربة صعوبة في اتخاذ قرارات فعّالة وصحيحة، وتفاوت الموارد بين المدارس فبعض المدارس قد تفتقر إلى البنية التحتية والموارد اللازمة للاستفادة الكاملة من الاستقلالية، وضعف الرقابة والمساءلة فغياب الإشراف الفعال قد يؤدي إلى قرارات غير متسقة تؤثر في جودة التعليم، وزيادة الضغوط على القيادات المدرسية تحمل المسؤولية المباشرة قد يُثقل كاهل الإدارات المدرسية، خاصة في البيئات الأقل دعمًا، والتمييز بين المناطق فقد يؤدي التمكين إلى توسيع الفجوات بين المناطق الحضرية والريفية إذا لم يتم تطبيقه بشكل عادل.

التحديات التي قد تواجه نموذج التمكين والتباين الثقافي والجغرافي، حيث إن التنوّع الثقافي والاجتماعي بين المناطق يتطلب تصميم سياسات مرنة تراعي خصوصيات كل منطقة، ونقص الموارد البشرية المؤهلة لغياب التدريب الكافي للقادة والمعلمين حيث يعيق قدرتهم على التعامل مع المسؤوليات الجديدة، وتفاوت الموارد المادية للمدارس ففي المناطق النائية قد تعاني نقص التمويل أو التجهيزات، مما يحد من نجاح التمكين، وضعف التخطيط الإستراتيجي نظراً لغياب خطط واضحة ومتكاملة لتطبيق التمكين مما قد يؤدي إلى عشوائية في التنفيذ، ومقاومة التغيير حيث تواجه بعض المدارس صعوبة في تقبل التغيير بسبب تفضيل النظم التقليدية.

تأثير نجاح أو فشل نموذج التمكين على الانضباط

وأضاف "العمري": على مستوى الانضباط العام في المدارس؛ ففي حالة النجاح يؤدي التمكين إلى تعزيز الانضباط من خلال وضوح الأدوار وتوزيع المهام بشكل مسؤول، لتصبح المدارس أكثر قدرة على وضع سياسات تُحفز الالتزام بالسلوكيات والقيم الإيجابية. أما في حالة الفشل في التمكين بسبب سوء التطبيق أو غياب الرقابة، تظهر الفوضى الإدارية، ويتراجع الانضباط نتيجة غياب الإجراءات الواضحة وتضارب المسؤوليات، بينما على مستوى المعلمين ففي حالة النجاح للنموذج يزيد من دافع المعلمين للالتزام والانضباط في أدائهم، حيث يشعرون بامتلاك دور حقيقي في صنع القرار.

أما في حالة الفشل للنموذج فيؤدي إلى ضعف الدافعية لدى المعلمين نتيجة زيادة الضغوط وعدم وضوح المهام، مما ينعكس على التزامهم داخل المدرسة، وعلى مستوى الطلاب ففي حالة النجاح يوفر بيئة تعليمية منظمة تُشجع الطلاب على الالتزام بالقوانين المدرسية، مما ينعكس إيجابًا على أدائهم وسلوكهم. إلا أنه في حالة الفشل يؤدي إلى ضعف الانضباط المدرسي الناتج عن إخفاق التمكين وإلى انتشار السلوكيات السلبية بين الطلاب، مثل الغياب المتكرر وضعف الالتزام بالقواعد وضعف الرقابة.

وأقترح أن الفترة الزمنية المطلوبة لتطبيق نموذج تمكين المدرسة بشكل كامل يتطلب فترة زمنية تراوح بين 5 و10 سنوات، حيث يجب أن يتم: إعداد إستراتيجيات واضحة وتطوير خطط شاملة تتضمن الأهداف وآليات التنفيذ، وتطبيق تدريجي بالبدء بمجموعة صغيرة من المدارس لتقييم النتائج قبل التوسع، ومراحل التقييم والتطوير وإجراء تقييم دوري وتعديلات مستمرة لضمان معالجة التحديات.

ولخص الموارد المطلوبة لتطبيق النموذج؛ وهي الموارد بشرية، بحيث يتم تدريب القيادات المدرسية والمعلمين على اتخاذ القرارات والإدارة الفعّالة، وتخصيص مشرفين تربويين لتقديم الدعم والإرشاد خلال مراحل التطبيق.

وكذلك موارد مادية تتلخص في تحسين البنية التحتية للمدارس في المناطق الأقل نموًا، وتوفير التكنولوجيا اللازمة لدعم التعليم الإلكتروني والابتكار التربوي، وتخصيص ميزانيات مرنة لتلبية احتياجات كل مدرسة.

وحول العلاقة بين التمكين والإشراف التربوي؛ أكد "العمري" أن الإشراف كداعم لا يمكن فصل التمكين عن الإشراف التربوي؛ إذ إن الإشراف يشكل عنصرًا حيويًا لدعم المدارس وتوجيهها، حيث التوازن بين الاستقلالية والتوجيه حيث يجب أن يتحول دور الإشراف من الرقابة الصارمة إلى التوجيه البنّاء الذي يُساعد المدارس على تحقيق الأهداف، وضمان المساءلة فالإشراف يضمن أن القرارات المتخذة على مستوى المدرسة تتماشى مع الأهداف الوطنية.

واستعرض نماذج عالمية بين نجاحات وتحديات، بينها) نموذج التعليم في فنلندا بفضل التدريب المكثف والإشراف المرن، أصبحت فنلندا نموذجًا للابتكار التعليمي، لذا لابد من ضرورة تدريب القيادات على الإدارة الذاتية، ونموذج التعليم في سنغافورة حيث حققت توازنًا بين الاستقلالية والدعم الحكومي مع نظام حوافز قوي.

فمن الضروري تقديم حوافز وتشجيع الابتكار داخل المدارس، ونموذج التعليم في الهند أدى ضعف الموارد إلى فجوات بين المناطق الحضرية والريفية. لذا لابد من ضمان التوزيع العادل للموارد بين المناطق، ونموذج التعليم في الولايات المتحدة فمن التحديات غياب السياسات الموحدة أدى إلى تفاوت الأداء بين الولايات. لذا لابد من وضع سياسات مركزية مع ترك حرية التنفيذ.

واقترح حلولاً لمواجهة للتحديات تكمن في: تطبيق تدريجي بحيث يكون البدء بمراحل تجريبية لتقييم النتائج وتطوير السياسات، وتأهيل القيادات المدرسية بإنشاء برامج تدريبية شاملة للمعلمين والقادة على الإدارة الذاتية، وتوزيع عادل للموارد لذا لا بد من توجيه الموارد للمناطق الأقل دعمًا لضمان تحقيق العدالة في الفرص التعليمية، وتعزيز الإشراف المرن ليتم دعم المدارس من خلال إشراف يساعدها في تجاوز التحديات دون المساس باستقلاليتها، وإطلاق نظام حوافز لتقديم مكافآت تشجيعية للمدارس والإدارات المتميزة، مما يحفز الالتزام بالنجاح.

تمكين المدرسة ليس مجرد إستراتيجية إدارية بل هو خطوة شجاعة لإعادة تشكيل النظام التعليمي ليصبح أكثر استجابة ومرونة وابتكارًا. في ظل رؤية السعودية 2030، يُمثل التمكين أساسًا لبناء جيلٍ واعٍ قادرٍ على الابتكار والتعامل مع تحديات المستقبل. لكن تحقيق هذا الطموح يعتمد بشكل كبير على التخطيط الحكيم، التطبيق التدريجي، وضمان توازن دقيق بين الاستقلالية والدعم.

وختم "العمري" حديثه بقوله: إن نجاح النموذج يرتبط بمدى قدرتنا على تأهيل القيادات التربوية، تخصيص الموارد بشكل عادل، وتعزيز الإشراف التربوي ليكون شريكًا داعمًا للمدارس. من خلال التعلم من التجارب العالمية، يمكننا تسخير التمكين ليكون أداة لإطلاق العنان للإبداع وتحقيق التفوق التعليمي. فعندما ندمج بين التنفيذ المدروس والابتكار المستدام، نصنع مدارس سعودية لا تكتفي بالتميز محليًا، بل تُصبح نموذجًا عالميًا يُحتذى به في التعليم، ملتزمة بتحقيق طموحات وطن يضع الاستثمار في الإنسان على رأس أولوياته، ورؤية 2030 ليست مجرد هدف، إنها وعدٌ بمستقبل أكثر إشراقًا، والتعليم المُمكَّن هو المفتاح لتحقيق هذا الوعد.

سبق المصدر: سبق
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا