- التحدي الأكبر للجهات الأمنية الجرائم السيبرانية.. ولا بد من سَنّ تشريعات وتطوير الأنظمة
- بعض الأفلام والمسلسلات تبالغ في تمجيد المجرم وتجعله بطلاً يتعاطف معه الجمهور والمراهقون
- رغم الجدل المستمر فإن تشديد العقوبات على المجرمين أجدى من إعادة تأهيلهم
- احذروا الجرائم المستحدثة فهي سهلة وتخلو من العنف ويصعب إثباتها ولا تحتاج لتفاعُل بين الجاني والضحية
- نعم.. الجريمة تختلف حسب ثقافة المجتمع وخصائص الناس الاجتماعية وأوضاعهم الاقتصادية
- التصيُّد الاحتيالي الإلكتروني ضرره كبير على الأفراد والمؤسسات والدول
- الإعلام يزيد الوعي لكنه يسهم في الجريمة بعرضه أساليب الجناة والتضليل والعنف والجنس
- التكنولوجيا ستُشكِّل مستقبل الجريمة.. ومن المهم التركيز على معالجة تعقيدات الجريمة
حوار/ شقران الرشيدي-سبق-الرياض: يقول أستاذ علم الجريمة المشارك في جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية ومؤلف كتاب "التنمر الإلكتروني"، الدكتور مناور بن عبيد العنزي: "لقد أحدثت التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي تحولاً كبيرًا في أنماط الجريمة؛ ما أدى إلى ظهور تحديات جديدة في المشهد الإجرامي".
وأشار في حواره مع "سبق" إلى ظهور مفهوم الجرائم المستحدثة، التي تختلف عن الجرائم التقليدية بخصائص عدة. وأوضح أن التطور التقني يتطلب من علماء الجريمة تكييف نظرياتهم، وأساليبهم، ومجالات تركيزهم؛ لمعالجة تعقيدات الجريمة في عالم مترابط بشكل متزايد.
ويتناول الحوار عددًا من المحاور المهمة، فإلى التفاصيل:
يمكن أن نُعرِّف علم الجريمة بأنه أحد العلوم الاجتماعية التي تهتم بدراسة كل أشكال الجريمة كظاهرة فردية واجتماعية، ودراسة المجرم لتحديد العوامل التي دفعته لارتكاب الجريمة، وطرق مكافحتها.
ويُعد علم الجريمة من العلوم المهمة نظرًا لما يؤديه من دور في وقاية المجتمع من الجريمة، وفي علاج آثارها إن فشلت التدابير الوقائية في منع حدوثها.
اتفق المختصون على تقسيم العوامل الأكثر تأثيرًا في حدوث الجريمة إلى قسمين: الأول العوامل الداخلية (التي ترتبط بشخص المجرم)، والعوامل الداخلية قد تكون عوامل أصلية، ومن أهمها الوراثة، السلالة، التكوين الشخصي، المرض والجنس.
وقد تكون عوامل مكتسبة، من أهمها السن، المرض، إدمان المسكرات والمخدرات.
ومعيار التفرقة بين هذين النوعين من العوامل الداخلية ذو طابع زمني. فمثلاً: نرى أن العوامل الأصلية هي التي تلازم الشخص منذ ميلاده، في حين العوامل الداخلية المكتسبة هي التي يتعرض لها الشخص بعد ميلاده. أما القسم الآخر فهو العوامل الخارجية التي ترتبط ببيئة الشخص المجرم، ومنها العوامل الاجتماعية (الأسرة، الأصدقاء، الجيرة والمدرسة)، والعوامل الاقتصادية (السكن، الفقر، البطالة والثراء)، والعوامل الثقافية (الدين، التعليم وسائل الإعلام). وبالتأكيد، يختلف تأثير هذه العوامل على معدل الجريمة واختلاف أنماطها باختلاف ثقافة أفراد المجتمعات وخصائصهم الاجتماعية وأوضاعهم الاقتصادية.
لقد أحدثت التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي تحولاً كبيرًا في أنماط الجريمة؛ ما أدى إلى ظهور تحديات وفرص جديدة في المشهد الإجرامي.
وقد أثر هذا التطور على جوانب مختلفة من الأنشطة الإجرامية، وإنفاذ القانون، والوقاية من الجريمة.. وظهر مفهوم الجرائم المستحدثة، التي تختلف عن الجرائم التقليدية بخصائص عدة، من أهمها: سهولة ارتكابها، جريمة ناعمة تخلو من العنف، صعوبة إثباتها وسهولة إفلات الجاني؛ فلا تحتاج إلى تفاعل مباشر بين الجاني والضحية.
علاوة على تنامي الجرائم السيبرانية؛ إذ مكنت الأدوات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي من أتمتة حملات التصيد الاحتيالي؛ ما أدى إلى إنشاء رسائل مقنعة للغاية على نطاق واسع.
ويمكن للبرامج الضارة الآن التكيف ديناميكيًّا للتهرب من الكشف في الوقت الفعلي، وما يترتب عليها من ضرر إجرامي على الأفراد والمؤسسات والدول.
من أبرز التحديات التي تواجه الجهات الأمنية في التعامل مع الجرائم السيبرانية ما يأتي:
ـــ سَن التشريعات القانونية لمكافحة الجرائم السيبرانية.
ــ ضرورة التعاون على المستوى الدولي لمكافحة الجرائم السيبرانية.
ــ تطوير أنظمة وبرامج الحماية للمواقع الإلكترونية.
ــ التطور التقني السريع والمتلاحق.
ــ صعوبة الحصول على الأدلة الجنائية لإثبات الجريمة.
من وجهة نظري، إن تشديد العقوبة أكثر فاعلية في الحد من وقوع الجريمة؛ إذ إن المجرم يوازن بين المنفعة التي سيحصل عليها من ارتكابه الفعل الإجرامي والعقوبة، فإن كانت المنفعة أعلى أقدم على ارتكاب الفعل الإجرامي، وإذا كان العكس أحجم عن ذلك.
وترتبط عملية الإصلاح والتأهيل بالحد من العودة للجريمة أكثر من ارتباطها بالحد من منع حدوثها.
هناك اتجاهان في تأثير وسائل الإعلام على الظاهرة الإجرامية، هما وفق الآتي:
أولاً: الرأي الأول يرى أن وسائل الإعلام لها أثر سلبي على الظاهرة الإجرامية، وذلك من حيث:
- عرض الأساليب التي يستعملها الجناة في ارتكاب جرائمهم، سواء فيما يتعلق بطريقة تنفيذ هذه الجرائم، أو بكيفية تضليل السلطات القائمة على مكافحة الجريمة.
- كثرة ترديد أخبار الجريمة قد تخلق نوعًا من اللامبالاة لدى الأفراد.
- انتشار أفلام العنف والجنس يثير الغرائز المكبوتة، خاصة لدى المراهقين.
- قيام وسائل الإعلام بنشر الأخبار مع بعض التحريف لتحقيق الإثارة، وتزويد الجمهور بمعلومات مسبقة؛ ما قد يعوق عمل الشرطة والقضاء، بما يساعد على إفلات المجرمين.
- المبالغة في تمجيد الجريمة والمجرم في الأفلام والمسلسلات تجعله بطلاً؛ يتعاطف معه الجمهور.
ثانيًا: الرأي الثاني يرى أن وسائل الإعلام لها أثر مفيد على الظاهرة الإجرامية، وذلك من حيث:
- نشر أخبار الجريمة قد يساعد رجال الأمن في تقصي الحقائق وجمع الأدلة، وتيسير القبض على مرتكبي الجرائم.
- نشر أخبار الجريمة يمنع وقوع ضحايا للجريمة من خلال التوعية والتحذير.
- نشر أخبار الجريمة يدعم مبدأ علانية المحاكمة الجنائية، الذي يهدف إلى تحقق الجمهور من حسن إدارة العدالة الجنائية.
- نشر أخبار الجريمة يحقق نوعًا من الردع العام من خلال تخويف الأفراد من عواقب الإجرام.
- انتشار أخبار الجريمة يقضي على الشائعات التي يثيرها البعض وعن مدى سوئها.
والخلاصة من ذلك هو الأخذ بالاثنين معًا، ومحاولة التوفيق بينهما بوضع ضوابط تمنع ضرر وسائل الإعلام، وتُعزز من دورها الإيجابي.
من المتوقع أن يشهد علم الجريمة تطورات كبيرة في السنوات القادمة مدفوعة بالتقدم التكنولوجي والاحتياجات المجتمعية المتطورة.
وفيما يأتي أهم الاتجاهات الرئيسية التي تُشكل مستقبل علم الجريمة:
• الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي: من المتوقع أن يلعب الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي دورًا حاسمًا في علم الجريمة؛ إذ ستصبح عمليات الشرطة التنبؤية المدعومة بالذكاء الاصطناعي أكثر تطورًا باستخدام بيانات الجريمة التاريخية للتنبؤ بالأنشطة الإجرامية المحتملة والنقاط الساخنة. وستعمل هذه التكنولوجيا على تعزيز قدرة إنفاذ القانون على تخصيص الموارد بشكل فعال، ومنع الجرائم قبل وقوعها.
• الواقع الافتراضي وإعادة التأهيل: تبرز تقنية الواقع الافتراضي كأداة واعدة لإعادة تأهيل المجرمين. ومن المتوقع أن تعمل تجارب الواقع الافتراضي الغامرة على تحسين الفهم، واتخاذ القرار وكفاءة التدريب في جميع أنحاء نظام العدالة الجنائية.
• ممارسات العدالة التصالحية: من المتوقع أن يضع نظام العدالة الجنائية تركيزًا أكبر على العدالة التصالحية، مع التركيز على إعادة التأهيل والمصالحة بين الجناة والضحايا بدلاً من التدابير العقابية البحتة.
وفي الختام، إن مجال علم الجريمة على استعداد لإحراز تقدُّم كبير؛ إذ تؤدي التكنولوجيا دورًا مركزيًّا في تشكيل مستقبله.
ومع ذلك، يجب موازنة هذه التطورات بالاعتبارات الأخلاقية، والتركيز المستمر على العدالة الاجتماعية، والنهج الموجه نحو المجتمع.