آخر الأخبار

السالم: الدرعية.. التاريخ والجذور ومنبع الوحدة والتوحيد

شارك

قال الدكتور أحمد بن محمد السالم؛ نائب وزير الداخلية السابق وأمين عام مجلس وزراء الداخلية العرب، الدرعية موطن للأسرة المالكة الكريمة، ومنطلق الوحدة والتوحيد لقرون عديدة، استوطنت عشيرة بني درع من قبيلة بني حنيفة إقليم اليمامة فيما يُسمى اليوم بمنطقة الرياض قبل سبعة قرون، وتمَّت تسمية وادي حنيفة تيمناً بالقبيلة التي ينتمي اليها آل سعود. فحكام وأمراء المملكة نبعوا من هذا التراب الطيب وتلاحمت مع أبنائها منذ القدم، وبالرجوع إلى نسب الملك عبدالعزيز: عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل بن تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود بن محمد بن مقرن بن مرخان بن إبراهيم بن موسى بن ربيعة بن مانع المريدي. ومانع المريدي هو الجد الثاني عشر للملك عبدالعزيز، والذي أسس بلدة الدرعية في عام 1446م، وتعاقب على إمارتها أبناؤه وأحفاده، فتولى الإمام محمد بن سعود في عام 1727م إمارة الدرعية الكبرى، وبدأت مرحلة التأسيس لدولة عصرية في شبه الجزيرة العربية. فأصبحت الدرعية العاصمة، وشرع الإمام محمد بن سعود في وضع النظم المالية والإدارية والتشريعية للدولة، فاستقر الأمن في محيطها، وازدهرت وأصبحت منارة للعلم والثقافة ومرجعية للعلماء والمشايخ، واتسعت رقعتها الجغرافية وبلغت ذروتها في عهد الإمام سعود بن عبدالعزيز بن محمد بن سعود، لتشمل الحجاز غرباً وساحل الخليج وساحل عُمان شرقاً وأجزاءً من العراق شمالاً ومناطق في اليمن جنوباً. وما كان للإمام سعود، أن يبسط نفوذه على كامل شبه الجزيرة العربية، وأن يوحّد القبائل المتناحرة تحت راية "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، لولا توفيق المولى -عزّ وجلّ- ولما عُرف عن أمراء وأئمة آل سعود في نجد من مناصرة العدالة، ومقاومة قوى الظلم والشر والفساد. وما هناك من عائلة من عائلات الدرعية الذين تقاسموا مع تلك الأسرة المالكة الكريمة حلو الحياة وقسوتها عبر الأزمنة والقرون إلا ويحكي رواية أو قصة عن أمراء وأئمة الدرعية، تعبّر عن مدى إنصافهم للمظلومين ومؤازرتهم للمحتاجين ومواساتهم للمنكوبين، كيف لا وقد ضحوا بدمائهم الزكية في الذود عن الدرعية وحماية أهاليها. فما كان بمقدور أي قبيلة أو عشيرة أن تتحلى بما تحلت به الأسرة المالكة الكريمة من قيم إسلامية وأخلاقيات عالية وخصال حميدة، غرست في نفوس رعاياها المحبة والولاء المتوارث أباً عن جد. وما انتهت الدولة السعودية الأولى إلا وقامت الدولة السعودية الثانية التي جاءت امتداداً للأولى.

ولم يمض على انتهاء الدولة السعودية الثانية عقدٌ من الزمن، حتى استعاد الملك عبدالعزيز -رحمه الله- أملاك آبائه وأجداده في شبه الجزيرة العربية ابتداءً بافتتاح الرياض عام 1902م في برهة من الزمن وبقليل من الرجال والعدة والعتاد. استبشرت القبائل والعشائر في إقليم اليمامة بعودة آل سعود إلى سدة الحكم، فمازال عالقاً بالذهن ما عاشته شبه الجزيرة العربية في دولتَي السعودية الأولى والثانية، تحت حكم الأئمة من آل سعود، من حياة معيشية كريمة وأمن وأمان وعدالة وإنصاف. وهذا ما حدث بالفعل في الدولة السعودية الثالثة في عهد الملك عبدالعزيز وأبنائه، حيث حل الأمن محل الخوف، والخير والنماء محل الجوع والفقر، والوحدة والتلاحم بدلاً من الشتات والصراع. فلا غرابة أن تجد تلاحماً وتضامناً وتكاتفاً في هذا البلد المعطاء بين الراعي والرعية يندر وجوده، وكاد يكون الانتماء للوطن مرهوناً بالولاء والوفاء لولاة الأمر الذين جعلوا الذود عن حمى الموطن مبتغاهم. استطاعت القيادة بحكمتها المعهودة وانتمائها العميق للأرض والأهل مواصلة مسيرة النماء والازدهار والعبور بالوطن إلى بر الأمان، في وقتٍ تعصف الصراعات والنزاعات بالدول المجاورة، وتتفاقم الأزمات المالية والاقتصادية في بعض دول الشرق والغرب. وأكثر من ذلك نجد ان المستوى المعيشي وجودة الحياة في بلادنا في تطورٍ وتحسنٍ، بينما شعوب عدة تئن تحت وطأة الفقر والجوع والخوف والرعب.

ففي هذا العهد الميمون، انتقلت المملكة إلى مرحلة الكيف والجودة ولبست حُلية جديدة في إطار رؤية واضحة (رؤية المملكة 2030) عرابها ومهندسها سيدي صاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء -حفظه الله-، فهي بمنزلة خريطة طريق لمستقبلٍ واعدٍ ينقل المملكة إلى مصاف الدول المتقدمة ويجعل منها دولة عظمى، لكيلا تكون لقمة سائغة للأعداء والدول الكبرى ولا تنحني إلا للمولى -عزّ وجلّ، وكي يبقى شعبها شعباً عريقاً مكرماً يعانق هامة السحب. ولغة الأرقام لهي أصدق دليل على أن هذه القيادة المتوارثة للحكم أباً عن جدٍ ولقرونٍ تقود البلاد نحو الازدهار والبناء لخير وصلاح مواطن اليوم والغد. ولعل أهم معايير قوة الدول والشعوب حالة الأمن والاستقرار السياسي الذي تعيشه المملكة. فالمملكة تحتل المرتبة الأولى من بين دول مجموعة العشرين في الأمن بأشكاله وأنواعه كافة. فعلى سبيل المثال، المعتمرون الذين تضاعفت أعدادهم في السنوات الأخيرة وتجاوز عددهم (26) مليوناً في عام 2023م وقَدِموا من مختلف دول العالم أدّوا مناسكهم في بلاد الحرمين الشريفين في هدوءٍ وسكينةٍ واطمئنانٍ دون أيّ حوادث. وواكبت خلو البلاد من أعمال العنف والإرهاب والتخريب، نهضة اقتصادية وتنموية لم تشهد لها البلاد مثيلاً.. تطور وتقدم ولقاءات إقليمية ودولية على مختلف المستويات والصعد وفعاليات ومنتديات فنية وثقافية وفكرية ومشاريع سياحية وترفيهية تكاد لا تنقطع.

حكومة قوية وفاعلة حقّقت المرتبة السادسة على مستوى دول العالم في مؤشر الأمم المتحدة في الحكومة الإلكترونية، والمرتبة الأولى في مؤشر الأمن السيبراني لعام 2024م. وحقّقت رؤية المملكة في غضون بضع سنوات ما لم تحققه تسع خطط خمسية متتالية على مدار (45) عاماً، وذلك بتقليص الاعتماد على النفط، وتنوّع القاعدة الإنتاجية ومصادر الدخل. شكّلت الأنشطة غير النفطية خلال عام 2024م نسبة 52% من إجمالي الناتج المحلي الحقيقي، أعلى مستوى تاريخي تصل إليه على الإطلاق. ومن مؤشرات النجاح في هذا المجال، ارتفاع الأنشطة غير النفطية عام 2024م بمعدل 4.3% لتعوّض الانخفاض الذي طرأ على الأنشطة النفطية. فلم تعد العلاقة بين القطاع النفطي وغير النفطي في اتجاهٍ واحدٍ، وليس بالضرورة انخفاض أسعار النفط ومعدلات إنتاجه وتصديره سوف يتبعه انكماشٌ في الاقتصاد الوطني، مما يجعل الاقتصاد السعودي أكثر قوة ومتانة واستدامة. وبالنسبة للإيرادات غير النفطية، فقد قفزت من (166) مليار ريال عام 2015م الى (502.5) مليار عام 2024م، أي ما يعادل 40% من إجمالي الإيرادات. وقبل أشهر، تم افتتاح مترو الرياض وهو أطول مترو في العالم دون سائق، وخدم المترو في الأسبوع الأول (1.9) مليون راكب. ولم تعد تكتفي الدولة بتقديم الخدمات فحسب؛ بل تسعى إلى الكيف والنوع، وتحسين جودة الحياة، مما أدى الى زيادة المحميات واتساع الرقعة الخضراء بالمملكة، وتعدُّد مصادر الطاقة النظيفة والمتجدّدة، ومكافحة التصحر والجفاف.

ولا يتسع المقام الى ذكر الإصلاحات والإنجازات التي تحقّقت في فترة زمنية قياسية، والتي جعلت من المملكة قوة عظمى في منطقة الشرق الأوسط، حيث احتلت مكانة مرموقة في الأوساط الدولية، وباتت مركزاً للأمن والسلم العالميين، ومقصداً للسياح الوافدين والمحليين الذين تجاوز عددهم 60 مليوناً في منتصف عام 2024م.

فلله الحمد والمنة، أن بلادنا اليوم أصبحت واحة أمن وأمان ومنبع خير وعطاء وملتقى للتآلف والتقارب بين الدول والشعوب، ولم يأت ذلك من فراغ؛ بل كان وراء ذلك قيادة حكيمة وموفقة نذرت نفسها لخدمة الوطن والمواطن، وضحت بالغالي والنفيس، وذلك من واقع جذورها الراسخة في عمق هذا الوطن، وتلاحم أمرائها وأئمتها وملوكها مع القبائل والعشائر في شبه الجزيرة العربية على مدار القرون والعقود. وقد آن الأوان أن نسأل أنفسنا: ماذا قدّمنا للوطن الذي قدّم لنا الكثير؟ وماذا عملنا لهذا الكيان الذي كان صمام الأمان في مواجهة قوى الظلم والعدوان وخير ملاذ وملجأ للمواطن في الشدة الرخاء؟

علينا تعزيز اللحمة الوطنية، ولاسيما في عصر الحروب والنزاعات التي تحيط بنا من كل حدب وصوب، ليبقى هذا الوطن عزيزاً شامخاً. ولنا كل العبر والدروس في الدول التي دبّت فيها الصراعات والاقتتال الداخلي، والتي تمخض عنها انفلاتٌ أمني لا يأمن فيه المواطن على الضرورات الخمس، ولا يجد قوت يومه، بل أصبح المواطن الذي كتب الله له البقاء على قيد الحياة دون هوية ولا وطن. ويحتم علينا واجب الوفاء والعرفان بالتضحيات الجسام لأسرة آل سعود، في بناء هذا الكيان الذي نستظل بظله، ونعيش تحت أمنه وأمانه، الالتفاف حول ولاة الأمر والإخلاص لهم بالقول والفعل، فهم طوق النجاة، وبقاؤهم هو بقاء للوطن وسر تماسكه ونموه وتطوره، فالنسيج المجتمعي واحدٌ والارتباط بهم وثيقٌ ومتينٌ والمصير مشترك.

وإحياءً لذكرى أمجاد الدولة السعودية الأولى ورموزها، نجدّد عهد السمع والطاعة لولاة الأمر في المنشط والمكره، وفي العسر واليسر، وفي السلم والحرب، حفظ الله مولاي خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده الأمين، والأسرة المالكة الكريمة، والشعب السعودي الأبي.

سبق المصدر: سبق
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا