آخر الأخبار

حذّر من خطرها.. "فريدمان": خطة "ترامب" لامتلاك غزة جزءٌ من موجة فوضى تسود الوسط السياسي الأميركي

شارك

في أفق السياسة العالمية تتقاطع طرق الغرابة والتطرف مع واقعٍ يشوبه القلق، إذ يبرز تصور الرئيس الأميركي دونالد ترامب؛ لغزة كأحد السيناريوهات، التي تعكس تدهور القيم الديمقراطية، وتشكّل تحدياً صادماً للمنطق السياسي الراشد.

وتتناول رؤية الرئيس الأميركي فكرة تبدو للوهلة الأولى غريبة، إذ يقترح إزاحة مليونَي فلسطيني من قطاع غزة، وامتلاك وتحويل الشريط الساحلي إلى ما يشبه منتجع "كلوب ميد"؛ ما يكشف عن تباينٍ صارخٍ بين الوهم السياسي والواقع الإنساني.

وتتجلى في هذه الخطة الصادمة جوانب من "هذيان" السلطة بحسب ما يرى الكاتب توماس فريدمان؛ في مقالٍ له بصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، حمل عنوان "ما هو أكثر ما يُخيف في هذيان ترامب حول غزة؟"؛ حيث يُظهِر ترامب طموحاً متطرفاً يتعدّى حدود السياسة التقليدية، مقدماً تصوراً يُفضي إلى تغييرٍ جذري في شكل الصراع العربي الإسرائيلي. إذ لا يقتصر الأمر على مجرد اقتراحٍ غير عملي، بل يتعداه ليكون رمزاً لخطر التخبط السياسي الذي ينغمس فيه النظام بأسره.

ويرى الكاتب توماس فريدمان؛ أن هذه الخطة تُعدّ من أكثر محاولات "السلام" خطورةً قدّمها رئيس أميركي في تاريخ السياسة الخارجية.

خطر متصاعد

يُشير فريدمان إلى أن المقترح لا يقف منعزلاً عن سياق العلاقات الدولية؛ بل يمثل جزءاً من موجة فوضى داخلية تسود الوسط السياسي الأمريكي. إذ تبرز حالة الخوف التي تعمّ أروقة الإدارة، حيث يتردّد المسؤولون ومساعدو ترامب في التعبير عن آرائهم بحرية؛ بل يظهرون وكأنهم دُمى تهزُّ رؤوسها طاعةً لأوامر الرئيس. هذه الثقافة المؤسسية تُثير تساؤلات حول مدى قدرة الولايات المتحدة على التحكم في تداعيات سياساتها الخارجية المتطرفة.

كما يعكس هذا الوضع الداخلي المقلق انعدام الرقابة والتوازن في صُنع القرار، حيث تُستبدل الخبرة السياسية بنمطٍ من الانصياع والتبعية المطلقة. تتجلى في هذه الظاهرة صورة مؤسسية تتحوّل إلى آلة تنفيذ أوامر، دون اعتبارٍ لمبدأ النقاش الحر أو تحليل العواقب، مما يجعل من إدارة شؤون الدولة عُرضةً للانزلاق نحو مخاطر غير محسوبة.

سياسة متهورة

يتعمّق فريدمان؛ في تحليل الخطاب المتخرب الذي يستخدمه ترامب؛ مشيراً إلى أن تلك التصريحات الفوضوية تُعدّ انعكاساً لحالة ذهنية تتجاهل الحقائق التاريخية والمعايير الأخلاقية. إذ يسخر الرئيس من مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان، ليُظهر نفسه كمَن ينادي بتغييرٍ جذري رغم أن هذا التغيير يعتمد على أسسٍ غير منطقية وتصوراتٍ تهدف إلى تحقيق مكاسب سياسية دون مراعاةٍ للواقع الإنساني والمعاناة اليومية للشعوب. هذه الرؤية لا تقتصر على مجرد تصعيدٍ في الخطاب؛ بل تمتد لتشكل تحدياً مباشراً للمبادئ التي طالما ارتكزت عليها السياسات الأميركية التقليدية.

ويرى أن اقتراح ترامب لا يكشف فقط عن تجاهلٍ صارخٍ للمبادئ الإنسانية؛ بل يُظهر كذلك ضعفاً منهجياً في قدرته على إدارة شؤون دولة عظمى. في ظل هذا المشهد، تتعرّض سمعة الولايات المتحدة للضرر، إذ يُنظر إلى مثل هذه التصريحات على أنها دليلٌ على تراجع المعايير الأخلاقية والحضارية في قمة السلطة.

واقع مقلق

وعلى مستوى الشرق الأوسط، تتجلى تداعيات هذه السياسات المتطرفة في تفاقم حالة التوتر والصراع المستمر بين الأطراف، إذ يسهم التخطيط العبثي الذي يقترحه ترامب في إحداث فراغٍ يملؤه الفوضى؛ ما يفتح الباب أمام استغلال القوى المتطرفة للوصول إلى أهدافها الخاصّة على حساب الشعوب. وفي ظل هذه الظروف، يصبح مستقبل غزة وإسرائيل أكثر هشاشةً من أيّ وقتٍ مضى، حيث تتأزم العلاقات وتنشب صراعاتٌ جديدة؛ قد تمتد تأثيراتها إلى مناطق أخرى في المنطقة.

وفي هذا السياق، يشير فريدمان؛ إلى أن الخطر لا يقتصر على تأثير هذه السياسات على الأراضي المحتلة فحسب؛ بل يمتد ليشمل المجتمع الدولي الذي يشهد تحولات جذرية في نظام العلاقات العالمية. إن التبعية المطلقة لفكرة التخلي عن المبادئ الدبلوماسية، وتفضيل الحلول الأحادية الجانب، قد يؤديان إلى تفكيك التحالفات التقليدية وزعزعة الاستقرار في أروقة السياسة الدولية.

فوضى داخلية

من الناحية الداخلية، تكشف رؤية ترامب عن حالة طوارئ سياسية حقيقية، يتم فيها تهميش النقاش الحر، وتطبيق مبدأ الخوف كأداة للسيطرة على مفاصل الحكم. إذ يبرز المقال تحذيراً صارماً من الانزلاق نحو نمط من الإدارة السلطوية، حيث يصبح الخضوع أمراً مفروضاً على المسؤولين بدلاً من تشجيع الابتكار والحوار البنّاء. هذا المزيج من التخبط الذهني والخوف الجماعي يُعدّ من أكبر التهديدات التي تواجه الديمقراطية الأميركية، إذ تُفقد مؤسسات الدولة قدرتها على أداء دورها الرقابي والتحقيقي في ظل سياسات تتسم بالعشوائية.

وبهذا يتجلى الارتباط الوثيق بين السياسات الخارجية المتطرفة والأزمة الداخلية التي تعصف بالمشهد السياسي في الولايات المتحدة. فمع كل خطوة نحو تطبيق أفكار ترامب، يتراجع النظام الديمقراطي عن مبادئه الأساسية، مما يفتح الباب أمام مستقبلٍ مظلمٍ يحكمه الرعب والتفرد.

وفي ختام هذه الرؤية التحليلية، يتضح أن مقترح ترامب بشأن غزة ليس مجرد فكرة غريبة؛ بل هو مرآةٌ لواقعٍ سياسي متصدّع يتخلله الخوف والعبثية. إذ يجمع بين أفكارٍ متطرفة وإدارة سياسية قائمة على الانصياع المطلق؛ ما يُنذر بعواقب وخيمة؛ ليس فقط على منطقة الشرق الأوسط، بل على الديمقراطية الأميركية ككل.. فهل ستظل الولايات المتحدة قادرةً على استعادة مسارها الديمقراطي وسط هذه الفوضى المتزايدة؟

سبق المصدر: سبق
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا