لم تتوانَ السعودية خلال تاريخها الطويل في دعم فلسطين وقضيتها العادلة ضد كيان الاحتلال الإسرائيلي الغاصب لحقوق الشعب الفلسطيني التاريخية والمشروعة في أراضيه.
فقد أكدت الرياض مرارًا وتكرارًا موقفها التاريخي تجاه القضية الفلسطينية، وضرورة حصول الشعب الفلسطيني الشقيق على حقوقه المشروعة. كما أن السعودية أوضحت بشكل لا يقبل التأويل موقفها الثابت من عدم إقامة أي علاقات دبلوماسية مع كيان الاحتلال الإسرائيلي ما لم يتم الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة على حدود عام 1967م وعاصمتها القدس الشرقية.
وقد ورث ملوك وأمراء السعودية ذلك الموقف والمبدأ الثابت منذ عهد الملك عبدالعزيز آل سعود – طيب الله ثراه- حتى الوقت الراهن في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله-، بالتزامهما بذلك الموقف الراسخ الذي لا يتزعزع تحت أي ظروف.
ويُذكّرنا التاريخ بموقفَين خالدَين للملك عبدالعزيز آل سعود بشأن القضية الفلسطينية، وموقفه منهما، ورؤيته لهما، أُوردا في كتب موثقة لتلك الفترة من عهد الدولة السعودية.
يذكر الكاتب الدكتور أحمد حطيط في كتابه "الملك عبدالعزيز بن سعود" ماذا كانت تعني فلسطين للمؤسس، ورفضه المغريات التي عُرضت عليه لغض الطرف عنها.
ويورد "حطيط" موقفًا للملك عبدالعزيز مع الرحالة البريطاني هاري سانت جون فيلبي، الذي قدم له عرضًا من الحكومة البريطانية، يقضي بدفع مبلغ 250 مليون ريال إلى المؤسس، إضافة إلى موافقتها على استقلال جميع الإمارات العربية، باستثناء عدن، وذلك مقابل التخلي عن فلسطين، إلا أن الملك قابل العرض برفض قاطع وحازم، مؤكدًا أن الإمارات العربية ستستقل مهما طال الزمن، أما فلسطين فالتخلي عنها مسألة لا تعوض ولا تغتفر.
وعلى الرغم من العلاقة الوطيدة التي جمعت المؤسس بـ"فيلبي"، واستعانة الملك عبدالعزيز بالرحالة البريطاني في بعض أسفاره، واستشارته له في بعض الأمور الخارجية، إلا أنه كان من الحنكة والذكاء أن يستميله أحد حتى لو كان من مستشاريه إلى شيء لا يرضاه للعرب والمسلمين.
ونصح الملك الرحالة البريطاني بألا يتطرق إلى هذا الموضوع من جديد، بالرغم مما بذله الأخير من محاولات لاستمالة المؤسس.
ويشير الدكتور عبدالله بن عبدالمحسن التركي، عضو هيئة كبار العلماء، في كتابه الملك "عبدالعزيز آل سعود: أمة في رجل" إلى أن الملك كان حاسمًا بشدة حينما التقى رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل والرئيس الأمريكي فرانلكين روزفلت في عام 1945 فيما يخص القضية الفلسطينية؛ فقد كان المؤسس مقتنعًا بشدة بالظلم الذي وقع على الشعب الفلسطيني من جراء استيلاء اليهود على أرضهم، وهو ما يتضح من رسائله المتبادلة مع الرئيس الأمريكي.
وجاءت تلك المواقف القوية للمؤسس في الوقت الذي كانت الدولة السعودية الفتية بعد توحيدها في مقتبل المشوار نحو بناء الدولة، وتطويرها، وتثبيت الخطى، إلا أنه لم يتوقف عند ذلك كثيرًا، ويتخذه ذريعة للمداهنة، ولم يذعن، أو يتماهَ مع المزاج العالمي وقتها، بل صمد أمام الضغوطات متشبثًا بفكرته بشأن عروبة فلسطين، وهو الموقف ذاته للمملكة حتى وقتنا هذا في جميع المحافل الدولية والإقليمية.
وكرر الملك مواقفه الثابتة والواضحة أثناء زيارة أول بعثة إعلامية غربية للمملكة عام 1943؛ فقد قال المؤسس خلال حديثه إلى نويل بوش، مراسل مجلة "لايف" الأمريكية (أشهر مجلة آنذاك)، في معرض حديثه عن القضية الفلسطينية: "أولاً إنني لا أعلم أن لليهود أمرًا يبرر مطالبهم في فلسطين؛ لأن فلسطين كانت من قبل البعثة المحمدية بقرون لبني إسرائيل، وقد تسلط عليهم الرومان في ذلك الوقت وقتلوهم، وشتتوا شملهم، ولم يبق أثر لحكمهم فيها".
وأضاف: "العرب استولوا عليها من الرومان منذ 1300 سنة، ومنذ ذلك الوقت هي بيد المسلمين، وهذا يظهر أنه ليس لليهود حق في دعواهم؛ لأن جميع بلدان العالم تقلبت عليها شعوب تمتلكها، وصارت الآن وطنًا لهم لا منازع فيه".
وأكمل: "فلو أردنا تعقيب نظرية اليهود لوجب على الكثير من شعوب العالم أن يرحلوا من بلادهم، وفلسطين من ضمن هذه البلاد".