في ظلّ تصاعد التحديات السياسية والاقتصادية، تواجه أوروبا هجومًا مزدوجًا من قِبل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، والملياردير إيلون ماسك، طموحات ترامب الإقليمية ودعم ماسك للأحزاب اليمينية المتطرفة يهدّدان استقرار القارة العجوز؛ مما يضع القادة الأوروبيين أمام معضلات صعبة تتطلّب ردودًا حكيمة وسريعة.
فمنذ فوزه في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، أظهر ترامب طموحات إقليمية مثيرة للجدل، بدءًا من إعادة طرح فكرة ضم جرينلاند إلى الولايات المتحدة. وهذه الفكرة، التي بدت في الماضي كمزحة سيئة الذوق، تحولت الآن إلى قضية جادة يعتزم ترامب حلها بأي وسيلة، حتى لو تطلب الأمر استخدام القوة العسكرية.
ولم تتوقف طموحات ترامب عند جرينلاند، بل امتدت إلى مناطق أخرى مثل كندا وقناة بنما؛ حيث أبدى رغبته في إعادة السيطرة الأمريكية على هذه المناطق. كما هدد بفرض رسوم جمركية جديدة على جيران أمريكا؛ مما يزيد من حدة التوترات الدولية.
ويشعر الأوروبيون بتأثيرات طموحات ترامب بشكل كبير، خاصة مع تهديداته بفرض رسوم جمركية على المنتجات الأوروبية، بالإضافة إلى ذلك يواجه القادة الأوروبيون معضلة في كيفية الردّ على تدخلات ترامب الصارخة، بين الغضب من دعمه للمتطرفين والقلق من أن تصبح أوروبا ساحة لتصفية الحسابات الشخصية؛ وفقًا لصحيفة "الجارديان" البريطانية.
وتأتي التهديدات في وقت حرج؛ حيث تدخل الحرب في أوكرانيا مرحلة جديدة. يعلم القادة الأوروبيون أن قرار ترامب بشأن استمرار دعم أوكرانيا بالأسلحة الأمريكية سيحدد مصير الصراع. ويحاول الأوروبيون التأثير على ترامب لإقناعه بأن أي تنازلات لأوكرانيا باسم السلام ستُظهره كقائد ضعيف.
وواجهت الدنمارك الحليفة في حلف الناتو، أزمة سياسية بسبب نوايا ترامب لشراء جرينلاند. وردت رئيسة الوزراء الدنماركية "ميتي فريدريكسن" بحذر، بعد أن أدى تصريح سابق لها إلى إلغاء ترامب لزيارة مقررة للدنمارك. أكدت "فريدريكسن" أن مصير جرينلاند يقع في يد سكانها، بينما وصفت اهتمام ترامب بالمنطقة بأنه "طبيعي".
وإلى جانب "ترامب" يلعب "إيلون ماسك" الملياردير والمقرب من الرئيس الأمريكي؛ دورًا خطيرًا في تعزيز اليمين المتطرف في أوروبا. باستخدام منصة "إكس" دعم ماسك حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني، مدعيًا أن هذا الحزب هو "المنقذ الوحيد" لألمانيا.
ويُعتبر دعم ماسك لحزب البديل انتهاكًا صارخًا لقانون الخدمات الرقمية للاتحاد الأوروبي، الذي يهدف إلى تنظيم شركات التكنولوجيا. ومع ذلك لم تتّخذ المفوضية الأوروبية أي إجراءات عقابية ضد "إكس" حتى الآن، على الرغم من التحقيقات الجارية منذ ديسمبر 2023.
وفي المملكة المتحدة خارج الاتحاد الأوروبي، كانت الاستجابة لاستفزازات ترامب وماسك متحفظة. ركّز ماسك على مهاجمة رئيس الوزراء "كير ستارمر" ودعم المتطرف اليميني "تومي روبنسون"، بينما نشر دعاية إسلاموفوبية متطرفة.
وفي خضمّ هذه التحدّيات يرى بعض الخبراء أن التهديدات التي يشكلها ترامب قد تدفع أوروبا إلى تعزيز أمنها واستقلاليتها. وكتب خبراء في مجلة "فورين أفيرز" أن انسحاب أمريكا من الساحة الدولية قد يمنح أوروبا فرصة لإثبات نفسها كحليف موثوق.
وتواجه أوروبا تحدّيات غير مسبوقة مع عودة ترامب ودعم ماسك للمتطرَّفين؛ فهل ستتمكّن القارة من الحفاظ على استقرارها في ظلّ هذه العاصفة السياسية، أم أن التهديدات القادمة من واشنطن ستغير وجه أوروبا إلى الأبد؟