لم تخلو صحيفة غربية اليوم الأربعاء من الحديث عن الأزمة التي أشعلها وصول شحنة أسلحة ومركبات إلى اليمن بدون تنسيق مع تحالف دعم الشرعية الذي تقوده السعودية، وقام بقصفها في ميناء المكلا.
فقد قالت صحيفة إندبندنت البريطانية إن التوتر تصاعد بين السعودية والإمارات في اليمن بعد أن شنت الرياض، أمس الثلاثاء، ضربات جوية ردا على تجاوز "الخطوط الحمراء" من قِبل المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا.
وتأتي هذه التطورات -حسب الصحيفة- بعد أن دفع المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يسعى لاستقلال جنوب اليمن، نحو السيطرة على مناطق جديدة، من ضمنها ميناء المكلا الإستراتيجي في حضرموت، وقالت الرياض إن الشحنات الإماراتية التي وصلت إلى الميناء تحتوي على أسلحة ومركبات قتالية تشكّل تهديدا مباشرا للأمن الوطني السعودي.
وقد أعرب المجلس الانتقالي عن قلقه البالغ من الضربات، في حين حذرت وزارة الخارجية السعودية أبو ظبي من أن دعمها للمجلس يمثل تهديدا للأمن والاستقرار الإقليمي، ودعتها إلى الانسحاب من اليمن، وذلك بعد إلغاء رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي الاتفاقية الدفاعية مع الإمارات، وأمرها بسحب قواتها خلال 24 ساعة، وفرض حظر جوي وبحري لمدة 72 ساعة على جميع الموانئ ومنافذ الحدود.
وعلّقت إندبندنت بأن هذا التصعيد يمثل نقطة محورية في الحرب اليمنية المستمرة منذ أكثر من عقد، عندما تدخل التحالف العربي الذي تقوده السعودية والإمارات لمحاربة الحوثيين منذ عام 2015.
ومنذ ذلك الحين، دعمت الإمارات قوات "انفصالية" جنوبية مثل المجلس الانتقالي الجنوبي، في حين ركّزت السعودية على دعم الحكومة المعترف بها دوليا، مما حوّل الصراع اليمني إلى ساحة صراع إقليمي معقّد، وفق الصحيفة.
ومن ناحيتها، ناقشت صحيفة أنسيد أوفر الإيطالية التصعيد الذي وصفته بالعنيف داخل معسكر التحالف المناهض للحوثيين في اليمن، وقال إن الخارجية السعودية وصفت تصرفات الإمارات بأنها تهديد صريح للأمن القومي.
ونبّهت الصحيفة إلى أن هذا الصراع لا علاقة له بالحوثيين مباشرة، بل يكشف عن "انقسام إستراتيجي خطير" بين الرياض وأبو ظبي، حيث ترى السعودية في اليمن ساحة اختبار لتهدئة مع إيران، في حين تسعى الإمارات لإنشاء شبكة نفوذ تمتد من السودان إلى القرن الأفريقي واليمن، عبر السيطرة على الموانئ والممرات البحرية.
وختمت الصحيفة بأن قصف السعودية للمكلا قد يكون "شرارة لانفجار إقليمي"، وفق تعبيرها، وأن ما وصفته "بالانقسام السعودي الإماراتي" يهدد بخلخلة التحالفات في شبه الجزيرة العربية، ويدفع اليمن مجددا نحو هاوية، يستخدم فيها الانفصاليون كورقة جيوسياسية لخدمة طموحات إقليمية متصادمة، حسب تعليق أنسيد أوفر على الأحداث.
ورأت صحيفة لوتان السويسرية أن هذه التطورات الجديدة توضح أن التحالف السعودي الإماراتي لم يعد متماسكا، وأن المصالح المتنافسة بدأت تتصدر المشهد العسكري والسياسي في اليمن.
وفي مقابلة مع رياض النهدي، مؤسس "حركة التغيير والتحرير"، أكد الرجل الذي يقود مقاومة ضد الانفصاليين في صحراء حضرموت وواديها، أن السكان المحليين يرفضون الانفصال ويعيشون في خوف ورعب بسبب الإجراءات العنيفة التي تفرضها "مليشيات" المجلس الانتقالي.
وعبّر النهدي عن رفضه مشروع استقلال جنوب اليمن، معتبرا أنه "مشروع إماراتي بعيد عن إرادة السكان"، يقوم على تقسيم البلاد وإضعاف سيادتها ويمهّد لتدخلات خارجية مستمرة، ووصف القصف السعودي بأنه "رسالة تحذير" تهدف إلى منع تقسيم اليمن، لا إلى التصعيد العسكري.
وعلّقت الصحيفة بأن هذا الموقف يعكس مخاوف واسعة من أن الصراعات الإقليمية تتجاوز الحوثيين لتصبح صراع نفوذ بين قوى خارجية على حساب السيادة اليمنية، مما يزيد تعقيد الأزمة ويجعل الحل السياسي الداخلي أكثر ضرورة من أي وقت مضى.
وفي السياق نفسه، قالت صحيفة ليبيراسيون الفرنسية إن القوات الجنوبية ترفض مغادرة الأراضي التي احتلها في أوائل ديسمبر/كانون الأول الجاري، وقال المتحدث باسمها أنور التميمي إنه "لا مجال للانسحاب. من غير المعقول أن يطلب من مالك الأرض أن يغادرها. الوضع يتطلب البقاء وتعزيز قوتنا".
واكتفت لوموند بخبر يفيد بأن الإمارات العربية المتحدة أعلنت سحب قواتها بعد تصاعد التوترات مع السعودية، وقصف الرياض شحنة أسلحة كانت متجهة إلى مَن وصفتهم بالمتمردين في جنوب اليمن.
أما آسيا نيوز الإيطالية فتساءلت إلى أين يتجه التحالف؟ وقالت إن تقدم "الانفصاليين" يضع العلاقات السعودية الإماراتية على المحك، مشيرة إلى أن المواجهة بين الحليفين السابقين لم تعد خلافا تكتيكيا، بل تعبيرا عن تناقض إستراتيجي متجذر في الرؤى والمصالح الإقليمية، وفق تعبيرها.
وأوضحت الصحيفة أن إعلان حالة الطوارئ وإلغاء اتفاق الدفاع مع الإمارات يعكسان تحولا سعوديا من ضبط النفس إلى تبني سياسة ردع مباشر، بعد أن بدأت تنظر لسلوك أبو ظبي في الجنوب كجزء من "خطر وجودي" يتجاوز مجرد اختلاف تكتيكي، فتتعامل معه وفق منطق "الخطوط الحمراء"، مما قد يُعيد رسم العلاقات الخليجية على أسس أكثر تصادما.
وذكرت الصحيفة أن الطموح الإماراتي يتجاوز اليمن، ليشكّل مشروع نفوذ إقليمي ممتد من القرن الأفريقي حتى مضيق هرمز، ويعتمد على أدوات مركّبة، كدعم المليشيات والتمكين الاقتصادي، وإنشاء ممرات إستراتيجية، وهو توسع تقابله رغبة سعودية في احتكار إدارة الملف اليمني كورقة توازن مع إيران.
وختمت الصحيفة بالتحذير من أن اشتعال التنافس بين هاتين القوتين في ساحة مفتوحة كساحة اليمن سيفضي إلى تفتيت السلطة الشرعية بشكل نهائي، ويمنح الحوثيين وإيران هامشا أكبر للمناورة، مما يحول الجنوب اليمني إلى ساحة صراع جيوسياسي مفتوح، وفقا لرؤيتها.
ومن ناحيتها، رأت صحيفة تلغراف البريطانية أن "الصراع السعودي الإماراتي" في اليمن خبر سيئ للعالم بأسره، لأنه بين دولتين تقعان في قلب إمدادات الطاقة العالمية، وبالتالي لن يظل محصورا في نطاق ضيّق لفترة طويلة.
وعلّقت صحيفة إيكونوميست بأن تقدم "الانفصاليين" أعاد تشكيل الحرب في اليمن، موضحة أن الصراع في اليمن كان ظاهريا بين الحوثيين وتحالف من أعدائهم مدعوما من المملكة العربية السعودية والإمارات، لكن الفصل الأخير من الحرب لا علاقة له بالحوثيين، بل إن التحالف " انقلب على نفسه"، حسب تعبير الصحيفة.
أما غارديان فرأت أن التوتر بين السعوديين والإماراتيين حول مستقبل اليمن وصل ذروته، وقالت إن النزاع قد يؤدي إلى اندلاع حرب أهلية في جنوب اليمن وامتدادها إلى الدول المجاورة.
وعلّقت وول ستريت جورنال الأميركية بأن الحليفين وجدا نفسيهما على طرفي نقيض في الصراعات الدائرة بالمنطقة، من اليمن إلى السودان إلى سوريا، مما يمثل تعقيدا غير مرغوب فيه أميركيا، في الوقت الذي تعمل فيه واشنطن على احتواء إيران وإقناع طهران بالتخلي عن برنامجها النووي.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة