عرضت قناة الإخبارية السورية أمس الأحد فيلما وثائقيا بعنوان "معركة ردع العدوان "، التي أطلقها الثوار يوم 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وانتهت بسقوط نظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024.
الوثائقي الذي بثته القناة تناول التحضيرات الميدانية والسياسية التي سبقت المعركة، وصولا إلى دخول الرئيس السوري أحمد الشرع إلى العاصمة دمشق.
غير أن أكثر ما لفت انتباه رواد منصات التواصل الاجتماعي كان ظهور سبورة بيضاء كتب عليها الرئيس الشرع ووزير الخارجية السوري أسعد الشيباني نقاطا إستراتيجية تحدد ملامح المرحلة المقبلة في سوريا بعد سقوط نظام الأسد.
هذا المشهد أثار فضول الجمهور، ودفع الكثيرين إلى السؤال عن مضمون تلك النقاط. ولم يمض وقت طويل حتى بادر بعض المتابعين إلى تفريغ ما كتب على الألواح، ليكشفوا أنها تمثل رؤية سياسية وخطابا موجها إلى الداخل السوري وإلى دول العالم، إضافة إلى خطوط عامة للمعركة.
خطاب موجّه إلى روسيا: الدعوة إلى تحييد الموقف الروسي. التأكيد على أن العلاقة التاريخية بين موسكو ودمشق ليست مرتبطة بشخص النظام. الالتزام بألا تُستخدم سوريا للإضرار بالمصالح الإستراتيجية لروسيا أو للعالم. دعوة لوقف مساندة النظام والوقوف إلى جانب خيار الشعب.
أما بالنسبة للخطاب للعالم فورد فيه: التأكيد على أن نظام الأسد خدع الدول المتحالفة معه. وصفه بأنه مصدر للفوضى في المنطقة عبر أنشطة مثل تهريب الكبتاغون والتنسيق مع إيران وحزب الله. والتأكيد على فقدان أهليته السياسية وتحوله إلى مجموعة مليشيات تتحكم في القرار، مما أفشل أي تحالف إستراتيجي معه.
والإشارة إلى أنه مصدر قلق لدول الجوار: تدمير لبنان، وإثارة القلق في الأردن، ودعم المليشيات في العراق، وتهديد الأمن القومي التركي عبر الفشل في إدارة الملف الكردي والتسبب في موجات هجرة، والإضرار بأمن أوروبا بأكملها.
أما النقاط التي تهم جميع الطوائف في سوريا فتتضمن: التأكيد على استحالة إلغاء أو القضاء على الطوائف التي عاشت مئات السنين، والدعوة إلى حلول مستدامة تضمن العيش الآمن للجميع.
الإقرار بأن الثورة، بعد 14 عاما، مرت بعثرات وأخطاء وإنجازات، وخرجت بخبرات ودروس كبرى.
في حين كان الخطاب الموجه إلى فئات المجتمع يتحدث إلى تجّار سوريا وعشائرها ومشايخها، وإلى الأكراد واللاجئين. دعوة للابتعاد عن الأجندات الخارجية، والجلوس كسوريين لبناء وطن موحد يضمن الأمن والعيش الكريم للجميع، والتأكيد على دخول مرحلة نضج جديدة، لا تحتمل الخلافات وتقوم على الوعي والانضباط والوحدة، واعتماد منطق الدولة، لا منطق الفوضى.
وكانت هناك دعوة عامة وهي مناشدة أبناء الثورة اللحاق بالركب، واستثمار اللحظة التاريخية المصيرية في تاريخ سوريا والمنطقة. وضع الخلافات جانبا، والتركيز على أهداف نبيلة عليا. وبدء تاريخ جديد عنوانه: الوحدة، الرحمة، البناء، العدل، الكرامة، الانضباط.
ويرى بعض المراقبين أن هذا الخطاب السياسي الاستباقي يعكس بوضوح توجهات القيادة السورية الجديدة، وأن ما يلفت النظر فيه أنه لم يتطرق إطلاقا إلى ملف إسرائيل. ويُفسر ذلك بأن القيادة تنطلق من قناعة بأن هذا الكيان لا يمكن الوصول معه إلى أي تفاهم، وبالتالي تم إغلاق الملف بشكل كامل.
كما أشار محللون إلى أن هذه السياسة تنسجم مع توجه القيادة بعد التحرير نحو دعم التواصل المباشر مع الولايات المتحدة على اعتبارها "السيّد" لهذا الكيان، وأن طمأنة واشنطن بعدم تشكيل تهديد لمصالحها الاستراتيجية -ومنها الحفاظ على أمن إسرائيل- كفيل بضمان عدم تحرك الكيان ضد سوريا، مما يعكس فهما عميقا لطبيعة العلاقة بين واشنطن وتل أبيب.
المصدر:
الجزيرة