شهدت سوريا خلال العام الأول الذي أعقب سقوط نظام بشار الأسد تحولات اقتصادية متباينة بين مؤشرات إيجابية أولية وتحديات بنيوية عميقة.
ونقلت وكالة الأنباء السورية (سانا) عن بيان اتحاد غرف التجارة السورية بمناسبة ذكرى يوم التحرير أن السوق المحلية أصبحت تتمتع بآفاق واسعة للاستثمار والتنمية.
وأشارت إلى أن رجال الأعمال الذين غادروا البلاد خلال سنوات الحرب سيعودون بخبراتهم للمشاركة في جهود الإعمار وتحريك عجلة الاقتصاد.
عملت الحكومة خلال تلك الفترة على تنفيذ حزمة من الإجراءات الهادفة إلى رفع العقوبات الدولية وإعادة بناء البيئة التشريعية والاستثمارية، وذلك بهدف جذب رؤوس الأموال، وتحسين حركة التجارة، وتمكين القطاع الخاص من استئناف نشاطه.
وتمكنت دمشق من رفع جانب كبير من العقوبات التي كانت مفروضة عليها واستأنفت علاقاتها بالمؤسسات المالية الدولية وعلى رأسها صندوق النقد الدولي و البنك الدولي ، كما نجحت الشهر الماضي في العودة إلى نظام "سويفت" (SWIFT) الذي سيربطها ماليا ببنوك العالم ومختلف الدول.
وتعهّد الرئيس الأميركي دونالد ترامب الشهر الماضي ببذل كل ما في وسعه لإنجاح سوريا وذلك عقب محادثات مع الرئيس السوري أحمد الشرع في واشنطن.
وتحتاج سوريا إلى إجراء تحويلات مع المؤسسات المالية الدولية من أجل إدخال مبالغ ضخمة لإعادة الإعمار وتحريك عجلة الاقتصاد الذي دمرته الحرب.
يواجه إصلاح القطاع المصرفي تحديات كبيرة أبرزها غياب البيانات الرسمية الدقيقة المتعلقة بالناتج المحلي الإجمالي ، و التضخم ، وميزان المدفوعات.
وهو ما يشكل عقبة أساسية أمام وضع خطط اقتصادية ومالية فعّالة، ويحدّ من قدرة المصارف على تقييم المخاطر وإدارة عملياتها.
ورغم هذه التحديات، يتوقع اقتصاديون أن يسهم رفع القيود الغربية والأميركية تدريجيا في:
وبحسب خبراء اقتصاد، فإن العام الأول بعد سقوط النظام شهد استمرار عجز الميزان التجاري نتيجة ضعف القدرة الإنتاجية، ومحدودية الصادرات، واعتماد البلاد بشكل كبير على السلع والمنتجات المستوردة.
وقبل أيام أكد حاكم مصرف سوريا المركزي عبد القادر حصرية أن اقتصاد بلاده ينمو بوتيرة تفوق بكثير تقديرات البنك الدولي البالغة 1% لعام 2025، وذلك بفضل عودة نحو 1.5 مليون لاجئ خلال الفترة الأخيرة، جاء ذلك وفق تصريحات أدلى بها عبر رابط فيديو إلى مؤتمر "رويترز نكست" في نيويورك .
وقال حصرية إن الحكومة تسعى لإعادة بناء الثقة بعُملتها ونظامها المالي، من خلال طرح عُملة جديدة من 8 فئات مع حذف صفرين من الليرة السورية التي سجّلت نحو 11.057 ليرة مقابل الدولار مؤخرا على منصة "وورك سبيس" التابعة لمجموعة بورصات لندن . وأوضح "ستكون العملة الجديدة إشارة ورمزا لهذا التحرر المالي".
البنية التحتية
على صعيد آخر، سُجل تحسن تدريجي في البنية التحتية للنقل من خلال فتح طرق رئيسية كانت مغلقة وتأهيل شبكات متضررة، وتعزيز الربط بين المحافظات.
وتُعد هذه الخطوات أساسية لإعادة تنشيط الحركة التجارية وتسهيل تنقل البضائع والأفراد.
كما برز خلال هذا العام تطور كبير في مرفأي طرطوس واللاذقية ، حيث بدأت أعمال إصلاح وتأهيل واسعة أتاحت رفع قدرة المرفأين على استقبال آلاف البواخر القادمة إلى سوريا، في خطوة وصفها مسؤولون بأنها حيوية لعودة النشاط التجاري وتدفق السلع.
وفي موازاة ذلك، تتواصل أعمال تحسين البنية التحتية داخل المدن من شبكات المياه، والصرف الصحي، والكهرباء، وذلك لتسهيل حياة المواطنين، وتمكين المستثمرين من استئناف نشاطهم في بيئة أقل كلفة وأكثر كفاءة.
قطاع الكهرباء شهد بدوره تحسنا ملحوظا، إذ ارتفع متوسط تزويد المواطنين بالكهرباء من 4 ساعات يوميا إلى 10 ساعات.
أما المدن الصناعية فقد أصبحت تحصل على تغذية كهربائية كاملة على مدار 24 ساعة، ما أعاد للمصانع القدرة على العمل بنظام ورديات كاملة وبشكل متواصل، وهو ما يعد عنصرا أساسيا في تحريك عجلة الإنتاج.
إن أهم ما يشغل الشارع السوري اليوم، هو تسهيل ظروف الحياة والتخفيف عنه في ظل ارتفاع الأسعار وقلة الدخل، وتشير البيانات الرسمية إلى اتخاذ عدد من الخطوات، أبرزها:
ومن شأن هذه الإجراءات أن تسهم في:
بحسب الأرقام الرسمية، فقد بلغت الاستثمارات الأجنبية خلال عام من سقوط الأسد نحو 28 مليار دولار، ورغم أن المبلغ يُعد متواضعا مقارنة بحجم الاحتياجات الضخمة للبلاد التي تعرضت لتدمير كبير، ولكنه الأكبر منذ سنوات طويلة ويمثل عودة تدريجية لثقة المستثمرين بالسوق السورية.
وفي سياق الحديث عن اتجاهات الاستثمار المستقبلية ومع الإعلان عن حزمة واسعة من التسهيلات، توقع خبراء اقتصاديون أن يتضاعف حجم الاستثمارات الأجنبية والعربية خلال الفترة المقبلة، مدفوعا بتحسّن البيئة التشريعية وتخفيف القيود المالية.
ويُنظر إلى عودة الاستثمارات المحتملة على أنها عامل رئيسي في دعم عجلة الإنتاج وتسريع وتيرة التعافي الاقتصادي، خاصة أن المستثمر المحلي يمتلك خبرة طويلة في طبيعة الأنشطة الصناعية والزراعية داخل البلاد.
المصدر:
الجزيرة