كشفت وكالة رويترز، في تقرير نشرته الجمعة أن "شخصيات بارزة من الدائرة المقربة للرئيس السوري المخلوع بشار الأسد تعمل من منفاها في روسيا على تمويل محاولات لزعزعة استقرار الحكومة السورية الجديدة عبر التحضير لانتفاضات مسلحة".
وأشار التقرير إلى أن "هؤلاء الموالين السابقين للأسد، ومن بينهم رئيس جهاز المخابرات السابق وأحد أقاربه الأثرياء، يقومون بتحويل ملايين الدولارات إلى عشرات الآلاف من المقاتلين المحتملين داخل سوريا، بهدف إشعال اضطرابات ضد الحكومة الوليدة".
وذكر أيضاً أن "المؤامرة تم الكشف عنها من خلال مقابلات مع 48 شخصاً إضافة إلى مراجعة وثائق مالية حصلت عليها وكالة رويترز، ما يعكس حجم الجهود التي يبذلها الموالون السابقون للأسد لإعادة نفوذهم في الداخل السوري".
كما أوضح التقرير أن هذه التحركات تمثل "تحدياً كبيراً" للحكومة الجديدة، التي تسعى إلى تثبيت الاستقرار السياسي والأمني بعد سنوات طويلة من الحرب والانقسامات.
بدأت السلطات السورية أول محاكمة تتعلق بأعمال العنف التي شهدتها المناطق الساحلية عقب سقوط الرئيس بشار الأسد في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، وذلك في خطوة اعتبرها مراقبون مؤشراً على محاولة الحكومة الجديدة فرض النظام القضائي في مرحلة ما بعد سقوط النظام السابق.
وتناولت المحاكمة التي جرت في مدينة اللاذقية الثلاثاء الماضي الأحداث الدامية التي وقعت في أعقاب انهيار حكم الأسد، إذ اندلعت اشتباكات بين جماعات في منطقة الساحل، وأسفرت عن سقوط عشرات القتلى والجرحى.
وتعد هذه القضية هي الأولى التي تصل إلى المحاكم منذ التغيير السياسي الكبير الذي شهدته البلاد.
وبحسب تقرير وكالة رويترز، فإن المحكمة استمعت إلى شهادات عدد من الضحايا وأهاليهم، إضافة إلى عرض أدلة تتعلق بالهجمات التي وقعت في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.
وأكدت مصادر قضائية لرويترز أن هذه المحاكمة ستشكل "اختباراً مهماً" لمدى "قدرة النظام القضائي الجديد على التعامل مع إرث العنف والانقسامات الطائفية التي خلفتها سنوات الحرب".
كما أوضح مسؤولون أن هذه الخطوة تأتي في إطار جهود الحكومة الجديدة لإعادة بناء الثقة بين المواطنين والمؤسسات، خاصة في المناطق التي كانت تُعتبر معاقل للنظام السابق.
وأشاروا إلى أن المحاكمات المقبلة قد تشمل قضايا أخرى مرتبطة بالانتهاكات التي حدثت خلال فترة الانتقال السياسي.
وكشف تقرير رويترز أن "اثنين كانا من أقرب رجال الأسد، وهما اللواء كمال حسن وابن خاله الملياردير رامي مخلوف، يحاولان تشكيل ميليشيات في الساحل السوري ولبنان تضم أفراداً من الطائفة العلوية التي تنتمي لها عائلة الأسد".
وذكر أن هذان الرجلان، وفصائل أخرى تتنافس على النفوذ، يمولان أكثر من 50 ألف مقاتل أملاً في كسب ولائهم.
وقال الأشخاص الأربعة الذين تحدثوا لرويترز إن "ماهر شقيق الأسد، المقيم أيضاً في موسكو والذي لا يزال يحتفظ بولاء آلاف الجنود السابقين، لم يقدم بعد أموالاً أو يوجه أي أوامر"، وفقاً للتقرير.
وأشارت رويترز إلى أن حسن ومخلوف "يسعيان للسيطرة على شبكة من 14 غرفة قيادة تحت الأرض شُيدت عند الساحل السوري قرب نهاية حكم الأسد".
وأشارت إلى أن هناك أيضاً مخابئ أسلحة، وأن ضابطان ومحافظ إحدى المحافظات السورية أكدوا لها وجود غرف للقيادة السرية.
يواصل مخلوف، رئيس المخابرات العسكرية في عهد بشار الأسد، بلا كلل إجراء مكالمات هاتفية وإرسال رسائل صوتية إلى قيادات ومستشارين يعبر فيها بغضب شديد عن فقدان نفوذه ويرسم رؤى طموحة للطريقة التي سيحكم بها الساحل السوري حيث غالبية السكان من العلويين وقاعدة نفوذ الأسد السابق، وفقاً للتقرير الصادر عن رويترز.
واستغل مخلوف، ابن خال الأسد، إمبراطوريته التجارية في تمويل النظام السابق خلال الحرب الأهلية قبل أن يصطدم بأقاربه الأكثر نفوذاً وينتهي به الأمر تحت الإقامة الجبرية لسنوات.
ويصور مخلوف نفسه في أحاديثه ورسائله لأتباعه على أنه "المُخلص" الذي سيعود إلى السلطة بعد أن يقود "المعركة الكبرى" ويستند في ذلك إلى خطاب ديني ويربط الأحداث بنبوءات نهاية الزمان عند الشيعة، بحسب رويترز.
وأكد التقرير أن الرجلين يرسمان من منفاهما في موسكو صورة لسوريا مقسمة ويريد كل منهما السيطرة على المناطق ذات الأغلبية العلوية. وتوصلت رويترز إلى أن كليهما ينفق ملايين الدولارات لتشكيل قوات موالية له، وهناك ممثلون لهما في روسيا ولبنان والإمارات.
وتستند تفاصيل المخطط إلى مقابلات أجرتها وكالة الأنباء مع 48 شخصاً على دراية مباشرة به اشترطوا جميعاً عدم نشر أسمائهم، كما راجعت رويترز أيضاً السجلات المالية والوثائق العملياتية والرسائل الصوتية والنصية المتبادلة.
وقال أحمد الشامي، محافظ طرطوس الواقعة على الساحل السوري، لرويترز إن السلطات السورية على دراية بالخطوط العريضة لهذه المخططات ومستعدة للتصدي لها. وأكد وجود شبكة غرف القيادة أيضاً، لكنه قال إنها "ضعفت بشكل كبير".
وأضاف الشامي، رداً على أسئلة مفصلة حول المخطط: "نحن على يقين بأنهم غير قادرين على تنفيذ أي شيء فعال، نظراً لعدم امتلاكهم أدوات قوية على الأرض وضعف إمكانياتهم".
يأتي هذا التقرير قبل أيام قليلة من الذكرى الأولى لسقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد الذي فر إلى روسيا في ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
وفي حين تستعد فيه عدة محافظات سورية لإحياء الذكرى، دعا رجل الدين السوري العلوي البارز غزال غزال السبت، أبناء طائفته إلى مقاطعة الاحتفالات بمرور عام على سقوط الحكم السابق، رفضاً لما قال إنه "ظلم" جديد يلحق بالأقلية العلوية.
كما أعلنت الإدارة الكردية في سوريا السبت، منع أي مظاهر للاحتفال بسقوط الأسد.
كما أعلنت قوات سوريا الديمقراطية قد أعلنت هي الأخرى، حظر الاحتفالات بسقوط الأسد ومنع أي مظاهر لها بما في ذلك إطلاق أعيرة نارية في الهواء على سبيل التعبير عن الفرحة.
وأصدرت هيئة الداخلية في إقليم شمال وشرق سوريا التابعة لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) تعميماً يقضي بمنع إقامة أي تجمعات أو فعاليات جماهيرية أو اجتماعية في عموم مناطق الإقليم يومي 7 و8 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، وذلك تزامناً مع مرور عام على سقوط نظام الأسد.
وأوضح التعميم أن القرار يأتي في ظل "الظروف الأمنية الراهنة وازدياد نشاط الخلايا الإرهابية الساعية لخلق الفتنة"، مؤكداً أن الخطوة تهدف إلى الحفاظ على سلامة المواطنين والأمن والسلم الأهلي، ومعبراً عن "تطلع الهيئة إلى مرحلة تزدهر فيها سوريا بالديمقراطية والتعددية والتشاركية ضمن دولة لا مركزية".
وتتزامن هذه التطورات، مع إعلان كندا الجمعة، رفع اسم سوريا من قائمة الدول التي تدعم الإرهاب، كما ألغت تصنيف هيئة تحرير الشام (HTS) "كياناً إرهابياً"، لتنضم بذلك إلى مجموعة من الدول التي بدأت تخفيف العقوبات المفروضة على دمشق.
وقالت وزارة الخارجية الكندية في بيان، إنها "لم تتخذ هذه القرارات باستخفاف"، مضيفةً أن هذه الإجراءات "تتماشى مع القرارات الأخيرة التي اتخذها حلفاؤنا، بما في ذلك المملكة المتحدة والولايات المتحدة، وتأتي في سياق جهود الحكومة الانتقالية السورية لتعزيز استقرار البلاد."
وكانت كندا قد أدرجت سوريا في عام 2012 تحت تصنيف "دولة داعمة للإرهاب"، بعد أن أدى قمع الأسد للاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية إلى اندلاع الحرب الأهلية، أما هيئة تحرير الشام، فقد تعرضت لعقوبات واسعة بسبب ارتباطها بتنظيم القاعدة.
ويهدف شطب سوريا من قوائم الإرهاب في عدة دول غربية إلى تسهيل التعاون مع الحكومة السورية الجديدة ورئيسها أحمد الشرع>.
وأوضحت وزارة الخارجية الكندية أنها ستواصل فرض عقوبات على 56 شخصية سورية، من بينهم مسؤولون سابقون في نظام الأسد وأفراد من عائلته.
المصدر:
بي بي سي
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة