شهدت 3 مديريات في إقليم عَفَر شمال شرقي إثيوبيا انفجارات بركانية متتالية، أثارت هلع السكان حتى خُيّل لبعضهم أنّ يوم القيامة قد اقترب.
فقد دوّت أصوات الانفجارات على مسافات بعيدة، وهرع كثيرون إلى المساجد طلبا للنجاة من أهوالٍ بدت لهم كأنها نهاية العالم.
على بُعد 200 كيلومتر من العاصمة أديس أبابا، بدأ فريق الجزيرة، وهو أول فريق إعلامي يصل المنطقة، رحلته عبر أراضي قومية الأرومو ذات الأغلبية السكانية، في طريقه إلى إقليم عفر.
ومع تهادي المركبة على الطريق، بدت أمامنا فوهات يتصاعد منها دخان كثيف، كان ذلك بركان فنتا علي الذي يكتم أنفاس المدن القريبة بسبب الزلازل الناتجة عن حركته، إذ يقع على امتداد مجرى الوادي المتصدّع.
الوصول إلى "فنتا علي" لا يعني مجرد بلوغ جبلٍ بركاني، بل هو بمثابة الدخول إلى بداية الخريطة الجغرافية لإقليم عَفَر، إذ يتموضع هذا الجبل في المنطقة الفاصلة بين قوميتي الأرومو والعفر، وهو ما يمنحه دلالة رمزية وجغرافية في آن واحد.
وربما لهذا السبب جاءت تسميته، إذ تُترجم عبارة "فنتا علي" في اللغة المحلية على أنها الجبل الفاصل، بما يعكس موقعه الحدّي الذي يشكّل علامة بارزة بين الإقليمين ويجعل منه نقطة انتقال طبيعية من أراضي الأرومو إلى عمق إقليم عفر.
دخلنا الإقليم، فبدت الطبيعة الجبلية والصحراوية منعكسة على أجساد الناس وملامحهم. أبناء عفر معروفون بصلابتهم وسرعة عدوهم، ومن طريف عاداتهم أنّ الشاب يُعدّ بندقيته قبل الزواج، في إشارة إلى مسؤوليته في حماية أسرته.
بعد مسافة 600 كيلومتر وصلنا إلى سمرا عاصمة الإقليم، التي تغيّرت ملامحها بشكل لافت، إذ أضحت أكثر حضارة وجمالا، بشوارع مضاءة وممرات حديثة لا تقل عن العاصمة أديس أبابا، في مشهد يوحي بتحولات قد تغيّر حتى أسلوب التفكير لدى الإنسان العفري.
يعتقد العفريون أنّ من يقصد الجبال البركانية قد لا يعود، إمّا لأن الجن أصابه أو لأن البركان ابتلعه. أساطير تتوارثها الأجيال وتزيد من رهبة المكان.
قبل الفجر، اتجهنا نحو الحدود مع تيغراي، وبعد 4 ساعات من السير ظهرت الفوهات البركانية. صعدنا بحذر وسط رسوبيات حادة تشبه الشعب المرجانية، في حين كنا نكابد الدخان والغازات مستخدمين الكمامات لـ40 دقيقة، كأننا نصعد إلى السماء.
وعند القمة، بدت الحمم تغلي في آبار عميقة، تنفجر أصواتها كقذائف مدفعية، بينما تحيط بها شقوق أخدودية خطرة دفعت السلطات إلى منع الاقتراب منها.
أطلق بركان هايلي غولي أعمدة كثيفة من الرماد والدخان ارتفعت إلى 14 كيلومترا، وانتشرت عبر البحر الأحمر نحو اليمن مسببة اضطرابات جوية محدودة.
وفي محيط بركان عرتا علي غطّت طبقات الرماد مساحات واسعة، لكن السلطات أكدت عدم وقوع خسائر بشرية، في حين تواصل فرق المراقبة متابعة الوضع وسط مؤشرات على انحسار النشاط.
وأكد خبراء الجيولوجيا أنّ هذه الظواهر تعود إلى موقع الإقليم على خط الصدع في الأخدود الأفريقي الشرقي، حيث التحركات التكتونية المستمرة تجعل المنطقة من أكثر البؤر النشطة بركانيا في القارة.
أعلنت السلطات وقوع 3 انفجارات متتالية بين جبال هايلي غوبا وعرتا علي، مؤكدة أنّ دويّها سُمع في محافظات بعيدة.
وقال علي إبراهيم، مدير مديرية عرتا علي، للجزيرة نت: "غطّت السحب السماء وأظلم النهار، فهرع السكان إلى المساجد وسط حالة من الذعر، وظنّ كثيرون أنّ الساعة قد حانت".
وأضاف أنّ حالات اختناق وضيق تنفس سُجّلت لأول مرة بهذا المستوى، مما دفع السلطات إلى إجلاء السكان نحو مناطق آمنة، مشيرا إلى أنّ الأمر يتجاوز قدراتهم، داعيا إلى دراسات عاجلة لتحديد اتجاهات النشاط البركاني والبحث عن مناطق بديلة للعيش.
تُعدّ قومية العفر من أقدم المكوّنات السكانية في القرن الأفريقي، وقد استقرت عبر قرون في مناطق تمتد بين إثيوبيا وجيبوتي وإريتريا. ويُعدّ اكتشاف "لوسي"، أقدم إنسان يعود إلى نحو 3.2 ملايين سنة في إقليم عفر، رمزا علميا بارزا يعكس أهمية المنطقة في دراسة نشأة الإنسان.
مدينة سمرا عاصمة إقليم عفر الإثيوبي (الجزيرة)تاريخيا، لعب العفر دورا محوريا في الممالك القديمة، واعتمدوا على الرعي والتنقل في بيئة قاسية، كما أسهموا في التجارة عبر البحر الأحمر.
ومع بروز الدول الحديثة وتشكّل كياناتها السياسية، تمسّك العفر بلغتهم الكوشية وهويتهم الثقافية، محافظين على إرثهم التاريخي رغم ما يواجهونه من قسوة الطبيعة من جفاف وتصحر، وما يعصف بهم من حروب وصراعات على المعادن في أرضٍ شديدة الاضطراب.
وقد رسم الاستعمار الغربي حدود هذه المنطقة بين 3 دول هي إثيوبيا وجيبوتي وإريتريا، بينما بقيت روابط الدم أقوى من الحدود.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة