آخر الأخبار

الابتلاع العظيم: ما الذي يمكن أن يمحو الكون في أي لحظة؟

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

مقدمة الترجمة

تخيل أن كل ما تعرفه عن الكون من نجوم وكواكب ومجرات، يمكن أن يتلاشى في أي لحظة عبر تقلب كمّي صغير وغير مرئي، قادر على محو كل شيء بلا سابق إنذار. ومع ذلك، نحن هنا، نقرأ هذه السطور، نعيش ونتنفس في هذا الكون البديع.

فلماذا لم ينهر الكون بعد؟ ما الذي يحافظ على وجودنا بين مليارات السنوات الضوئية من الفضاء اللامتناهي؟ وما هي الأخطار الخفية التي قد تهدد هذا التوازن الهش في أي لحظة؟ يناقش هذا المقال المترجم من مجلة "نيوساينتست"، جميع هذه الأفكار، بل ويأخذنا في رحلة إلى أعماق فيزياء غامضة، وغريبة تساعد في حفظ هذا الكون من الانهيار، وتُبقي على شرارة الحياة مشتعلة.

مصدر الصورة (الجزيرة)

نص الترجمة

بعد مليارات، وربما تريليونات السنين، حين تكون الشمس قد التهمت الأرض، يتوقع العلماء أن يصل الكون إلى خاتمته التي لا مفرّ منها ويؤول إلى موته البطيء، ويستمر الجدال بينهم حول مصيره الأخير: أينهار على نفسه في انسحاق عظيم؟ أم يواصل تمدده الأبدي حتى يبلغ مرحلة "التجمد العظيم"، حيث لا يبقى سوى الفراغ؟ غير أن هناك من يعتقد أن النهاية لن تكون على هذه الشاكلة، بل سينتهي الكون بتمزق عظيم، تقوده طاقة غامضة تمزّق أوصاله.

إلا أن ثمة كارثة تبدو أشد إلحاحا، تُهرول نحونا بسرعة الضوء، يسمّيها العلماء الابتلاع العظيم. تبدأ حكاية الابتلاع العظيم من شرارة خفية في أعماق العالم الكمي، اضطراب صغير، لكنه كاف ليُطلق فقاعة تجوب أرجاء الكون أشبه بموجة كونية تكتسح كل ما يعترض طريقها.

ويحذّر جون إليس من كلية كينجز في لندن من أن هذا الاحتمال ليس خيالا عابرا، بل مصير ينبغي أن نأخذه على محمل الجدّ. فالمسألة، كما يقول، لا تدور حول ما إذا كانت هذه الكارثة ستقع، بل حول موعد وقوعها، ويضيف قائلا: "قد يحدث ذلك ونحن نتهامس بهذه الجمل العابرة الآن".

يتملك العلماء، ومنهم إليس، بعض الدهشة من أن مثل هذه الكارثة لم تقع بعد في الكون المرئي، ومع ذلك لم يتعاملوا مع بقاء الواكب والنجوم والمجؤات بوصفه صدفة عابرة أو أمرا مفروغا منه، بل دليلا ثمينا. فربما ثمة فيزياء غامضة، وغريبة تساعد في حفظ هذا الكون من الانهيار، وتُبقي على شرارة الحياة مشتعلة.

إعلان

يساعد هذا النوع من علم الكونيات الوجودي الفيزيائيين على تصفية نماذجهم المتعددة للكون وإعادة تحليلها، وقد يفتح لنا نافذة لفهم كيف بدأ الكون منذ لحظاته الأولى. وعن ذلك، يقول أرتو راجانتي من كلية إمبريال في لندن: "قد يلزمنا عامل يحفظ للكون اتزانه واستمراريته، وربما يظهر هذا العامل في شكل فيزياء جديدة لم نكتشفها بعد".

من المهم إدراك أن الحقول الكمية تمثل النسيج الأعمق الذي نُسج منه الكون، فهي الأصل الذي تتولد منه الجسيمات والقوى الأكثر شيوعا في النموذج القياسي لفيزياء الجسيمات. وفي قلب هذا النسيج ينبض مجال هيغز، المرتبط بجسيمه الشهير بوزون هيغز، الذي يملأ أرجاء الكون، ويمنح الجسيمات الأولية كتلتها.

ظل جسيم هيغز لعقود طويلة فكرة تحوم على غير هدى في أذهان العلماء باعتبارها مجرد افتراض، حتى انكشفت حقيقته أخيرا عام 2012 في مصادم الهادرونات الكبير (أكبر وأقوى مسرّع جسيمات في العالم، ويقع في سيرن بالقرب من جنيف بسويسرا*). ساور العلماء شعور بالدهشة كلما فحصوا النتائج التي أشارت إلى أن حقل هيغز الذي ينساب في الكون ليس ثابتا كما ظننا، بل يعيش في حالة طاقة أعلى من سكونه الطبيعي.

وكما تميل الذرات والجسيمات إلى بلوغ أدنى طاقتها، فقد يحدث يوما أن يهبط هذا الحقل إلى حالته الدنيا من الطاقة، في عملية تُعرف بـ"المرحلة الانتقالية" أو "الانتقال الطوري".

الأمر أشبه بما يحدث عندما يبدأ الماء الغليان، تلك اللحظة التي يتهيأ فيها السكون للتحول. فما إن تنظر إلى قدر يحتوي على ماء يوشك على الغليان، حتى تجد فقاعات صغيرة تبدأ في التشكل في قاع القدر. وكذلك، إذا تبدل حال حقل هيغز فجأة، فستتولد في نسيج الكون فقاعات من طاقته الدنيا.

ستنطوي تلك الفقاعات الكونية على قوانين مختلفة جذريا. فما إن تتشكّل، حتى تهتز الحقول الكمية في أعماقها، وهو ما سيتمخض عنه فعليا إعادة كتابة قوانين الفيزياء، وخلق حالة من التقلّب. والأدهى أن هذه الفقاعات لن تزحف ببطء، بل ستنفجر متمددة بسرعة الضوء، لتبتلع كل ما يحيط بها.

مصدر الصورة نحن فقط لا نعلم متى سيحدث هذا "الابتلاع العظيم" (ناسا)

حين يلتهم الكون نفسه

يعتمد ظهور هذه الفقاعة الكارثية على الاحتمال. ولتقريب الصورة أكثر، تخيل أن حقل هيغز كرة تتربع على قمة تل، وأسفلها تمتد وديان متعددة متفاوتة العمق. قد تتدحرج الكرة إلى أحد الوديان المرتفعة قليلا وتستقر هناك راضية بموضعها، وإن لم تبلغ القاع الحقيقي بعد. تلك هي الحالة التي يوجد عليها حقل هيغز اليوم، وتُعرف باسم الحالة شبه المستقرة.

وعلى الرغم من عدم قدرة الكرة على مغادرة هذا الوادي دون دفعة خارجية، فإن فيزياء الكم تمنحها طريقا آخر أشبه بنفق خفي، يتيح لها أن تعبر الجدار إلى واد أدنى، كما لو أن شبحا ينساب عبر جدار. صحيح أن بإمكاننا حساب احتمال حدوث هذا الانتقال خلال فترة زمنية معينة، لكن لا يمكننا التنبؤ بموعد وقوعه بدقة.

يعتمد ثبات حقل هيغز (أو شكل الوديان في تشبيهنا السابق) على الكيفية المعقدة التي تتفاعل بها الجسيمات الأولية الأخرى معه. فالجسيمات المعروفة باسم البوزونات، وهي التي تنقل القوى الأساسية في الطبيعة، تميل إلى تهدئة الحقل وإرساء توازنه.

إعلان

وعلى النقيض من ذلك، فإن الجسيمات المعروفة باسم الفرميونات، وهي المكونات الأساسية للمادة مثل الكواركات، تقلقل سكونه وتُربك توازنه، وهو ما يزيد من احتمال حدوث انتقال طوري. (والكواركات هي جسيمات أولية تُعد من اللبنات الأساسية للمادة في الكون.*)

من ناحية أخرى، سنجد أن القياسات الحديثة في مصادم الهادرونات الكبير لا تحمل بشرى مطمئنة. فإلى جانب هيغز نفسه، يقف "الكوارك القمّي"، أثقل الجسيمات التي عرفها العلم، بوصفه عنصرا حاسما في مجال استقرار حقل هيغز. فكلما زادت كتلته، أصبح الحقل أقل استقرارا.

ومع تحسن أدوات القياس وزيادة دقتها في الأعوام الأخيرة، بدأت الصورة تتضح شيئا فشيئا: أدركنا أن الكون الذي نعيش فيه ليس مستقرا تماما، بل عالقا في حالة من التوازن الهش، وكما يقول راجانتي: "بلغنا من الدقة حتى الآن ما يجعلنا واثقين تقريبا من أننا نعيش بالفعل ضمن نطاق تلك الحالة شبه المستقرة".

إن افترضنا عدم وجود خطأ في الحسابات، فهذا يعني أن الكون محكوم عليه بالفناء، نحن فقط لا نعلم متى سيحدث هذا "الابتلاع العظيم". واستنادا إلى شكل تلك "الوديان" التي تحدثنا عنها سابقا، يُرجّح أن ذلك سيحدث بعد مليارات السنين، أو ربما يحدث غدا.

لكن ما نعرفه على وجه اليقين أننا ما زلنا موجودين. ومن جانبه، يعلّق راجانتي بقوله إن هذا البقاء يشكّل بصيرة ثمينة للفيزيائيين الذين يبحرون بين نماذج الكون المتعددة التي تتنامى يوما بعد يوم. فبعض هذه النماذج تفترض وجود كيانات غامضة قد تشعل انتقالا طوريا كارثيا، في حين تخبرنا نماذج أخرى أن حياتنا على المحك.

يمكن لمجالات الجاذبية القوية أن تشكّل نقطة انطلاق لحقل هيغز، فتسرّع انتقاله الطوري في وقت أقرب بدل الانتظار لمليارات السنين. وعن ذلك، يقول راجانتي: "عندما يغلي الماء، تبدأ الفقاعات الظهور عند أماكن وجود الشوائب". وكذلك، قد تكون الأوتار الكونية وعيوب أخرى في نسيج الزمكان مثل هذه الشوائب، تحفّز ظهور الفقاعات الكونية.

كما أن الثقوب السوداء العملاقة التي تتميز بقوة جذب هائلة لدرجة أنه لا شيء -حتى الضوء- يمكنه التملص من قبضتها، تُعد من أفضل المرشحين لتكوين حقل هيغز، ودفع الكون إلى مرحلة "الابتلاع العظيم".

إثارة الكارثة

بعض الثقوب السوداء أكثر قدرة على إثارة حقل هيغز من غيرها. في عام 2014، توصل علماء مثل روث غريغوري من كلية كينجز في لندن، وإيان موس من جامعة نيوكاسل بالمملكة المتحدة، إلى أن الثقوب السوداء الصغيرة تمتلك انحناء أكبر للزمكان عند حافتها الخارجية، مما يجعلها أكثر ميلا لإحداث انتقال طوري.

وهذا يحدث لأن حقول جاذبية الثقوب السوداء الصغيرة مركّزة في نقطة دقيقة، بعكس الثقوب السوداء العملاقة التي تنتشر قوتها على نطاق واسع. ويضيف موس: "تشير النماذج الحالية إلى أن الثقوب السوداء الصغيرة تُعدّ أكثر احتمالا في التسبب في نهاية الكون".

في الحقيقة، ما ينبغي أن نخشى سطوته حقا ليس تلك العمالقة الكونية، بل أصغر الثقوب السوداء، تلك التي نسميها الثقوب السوداء البدائية. ورغم أننا لم نرصدها بأعيننا قط، فإنها تتسلل إلى نماذج الكون، لتفسّر على سبيل المثال المادة المظلمة أو أصل الثقوب السوداء العملاقة. ويُعتقد أن ولادتها كانت من سحب بلازما مُكثفة للغاية انهارت في لحظات الكون الأولى.

وكغيرها من الثقوب السوداء، تمضي البدائية منها نحو فنائها ببطء، متبخرة عبر انبعاث الإشعاع. غير أن ضآلتها تجعلها تتشظّى بالحرارة أسرع، فتخلق نقاطا ساخنة، أو بقعا ملتهبة في الفضاء، تتأجج بحرارة تفوق برودة الكون الهادئ من حولها.

ومن هذه النقاط الحارقة قد تولد الكارثة: فقاعة انتقال طوري تهز حقل هيغز، وتمنحه دفعة حرارية تجعله ينزلق من أحد الوديان إلى آخر أدنى وأكثر استقرارا، وذلك وفقا لدراسة نُشرت في سبتمبر/أيلول الماضي، أعدّها فريق بقيادة لوسيان هورتييه من كلية كينجز في لندن.

إعلان

ولأن الثقوب السوداء الصغيرة تملك قبضة جاذبية أشد على حوافها، فإن الثقوب البدائية تصبح أخطر كلما مضت في تبخرها البطيء. وتأكيدا على ذلك، يقول هورتييه: "مع مرور الوقت، يتعاظم احتمال أن يهتز حقل هيغز ويبدأ انتقاله الطوري، فمجرد بقائنا على قيد الحياة هو برهان على أن الثقوب السوداء البدائية لم تولد قط، وأن النماذج الكونية التي تُبنى عليها فرضياتها ربما ينبغي التخلي عنها".

ومع ذلك، ثمة احتمال آخر يلوح في الأفق لتفسير سبب صمود حقل هيغز حتى الآن. فعلى الرغم من القياسات الدقيقة لكل من الكوارك القمي وبوزون هيغز، لا يمكننا الجزم بعد بأن الحقل يقف على حافة هاوية اللااستقرار.

لعل هناك قوى خفية أو جسيمات مجهولة تمسك بتلابيب الحقل، تُبقيه على توازنه الهش، وتحول دون الوصول إلى مرحلة "الابتلاع العظيم". ومن جانبها، تقول كاتي كلوف من جامعة كوين ماري في لندن: "إذا رصدنا جسيما آخر يظهر عند طاقة أعلى، فقد يغيّر ذلك الحكاية تماما. لكننا لا نعرف بعد ما إذا كان موجودا حقا".

ومن بين الفرضيات المطروحة، تبرز "نظرية التناظر الفائق" التي تفترض أن لكل جسيم في الكون توأما خفيا أثقل منه بكثير. وإذا كان هذا التوأم موجودا فعلا، فإنه يمنح حقل هيغز توازنا يحميه من الانهيار. ومع ذلك، لم يتمكن مصادم الهدرونات الكبير حتى الآن من العثور على أي دليل يثبت وجود هذه الجسيمات الفائقة.

وعن ذلك، يقول جون إليس: "التناظر الفائق هو وسيلتنا للهروب من هذا المأزق. فعدم استقرار حقل هيغز الجزئي يُعدّ في الواقع دليلا مؤيدا للتناظر الفائق. صحيح أنه ما زال في قلبي شغف بهذه النظرية، إلا أنني أشعر ببعض الأسى لأن حبي لها يبدو من طرف واحد، ولم يُقابَل بالمثل بعد".

أما الاحتمال الآخر، كما يقول، فهو أن نلجأ إلى ما يشبه التماسا خاصا، يمكن أن يساعدنا في تفسير سبب استمرارنا على قيد الحياة إلى الآن. فربما كان معظم الكون قد غاص بالفعل إلى أدنى حالاته الطاقية، بينما تُركت بقاع قليلة، ومن بينها عالمنا، في حالة توازن هشة تقف على حافة الانهيار. وفقا لهذا التصور، تبدو الهشاشة (أو الحالة شبه المستقرة هذه) شرطا للحياة نفسها، ولهذا نجد أنفسنا نعيش في إحدى هذه البقع الهشة من الكون.

في ظل غياب أي دليل صريح على وجود جسيمات جديدة، يرى راجانتي أن علينا أن نواجه المجهول بما في أيدينا، وأن نتساءل: ماذا يخبرنا الكون إن سلّمنا بأن حقل هيغز يعيش على حافة اللااستقرار؟ يستند راجانتي إلى هذا الافتراض ليختبر من خلاله نماذج الجاذبية الكمية، تلك التي تحاول مد الجسر بين فيزياء الكم والنسبية العامة، وهما الركيزتان الأساسيتان في الفيزياء الحديثة.

فعلى سبيل المثال، لا يزال الغموض يلف العلاقة بين حقل هيغز والجاذبية. يفترض العلماء أن هناك رابطة خاصة بين الحقلين لا يمكن اعتبارها بسيطة أو مباشرة، بل هي في الحقيقة معقدة وتجعل تفاعلهما عصيا على التنبؤ. كما أن قياس هذا التفاعل أمر شبه مستحيل، إذ إن الطبيعة المتناقضة لهذين الحقلين تجعل التفاهم بينهما عسيرا. وفوق ذلك، فإن ضعف الجاذبية في كوننا الحالي يجعلنا عاجزين عن التقاط أثر هذا التفاعل.

لكن راجانتي استغل أزمتنا الوجودية الكونية ليكشف لنا عن سر قوة الترابط بين حقل هيغز والجاذبية، مستبعدا ما هو مستحيل. نعلم أن هذه القوة لا يمكن أن تكون سالبة، فلو كانت كذلك، لاهتز حقل هيغز، وانهار في انتقال طوري خلال فترة التضخم الكوني، ذلك التوسع الهائل السريع الذي شهد ولادة الكون، وهو ما لم يحدث قط.

ولو تجاوزت هذه القوة الرقم 10، لكان الانهيار قد حدث في ختام التضخم. وكما يقول راجانتي: "يمكننا أن نؤكد أن قوة الترابط يجب أن تكون بين 0 و10، فلو لم يكن كذلك، لما صمد الكون بعد التضخم". ويضيف أن العديد من نماذج الجاذبية الكمية يتماشى مع هذا النطاق، مما يوحي بأنها تمضي على الطريق الصحيح، وأن أي نموذج جديد لا بد أن يحافظ على هذا التوازن الدقيق.

مصدر الصورة مصادم الهارونات الكبير (الفرنسية)

في انحدار نحو واد أعمق

يبدو أن علينا أن نستمد بعض الطمأنينة من حقيقة أن "الابتلاع العظيم" لم يقع في فجر الكون. ففي تلك الأزمنة الأولى، كانت الطاقة التي تتأجج في كل ذرة، قادرة على دفع حقل هيغز إلى واد أعمق، مسببة انتقالا طوريا. ومع ذلك، نجح كوننا في شق طريقه عبر العصور حتى بلغ 13.8 مليار سنة، وهو ما يُعد إنجازا يستحق التأمل. وعن ذلك، يقول راجانتي: "في وقتنا الحالي، أصبح من العسير أن يحدث هذا التحول بسبب انخفاض مستويات الطاقة نسبيا".

إعلان

لكن وللسبب ذاته، يعتقد راجانتي أن فقاعة من هذا النوع ربما تشكّلت بالفعل في مكان ما من هذا الكون، لكن خارج نطاق الجزء المرصود، إذ يقول: "من المرجح بدرجة كبيرة أنها حدثت بالفعل في المراحل الأولى من عمر الكون، لكنها لم تصل إلينا بعد". وفي ذلك الاتساع الغامض من الكون الذي لا تصل إليه أبصارنا، لا أحد يدري أين وُلدت تلك الفقاعة، أو متى سيكون موعد نهايتنا، إذ تظل الإجابات عن أسئلة كهذه في علم الغيب.

في مواجهة مثل هذه الشكوك، ينتظر علماء الكون بترقب نتائج تجربة في جامعة كامبريدج، يشارك فيها كل من إيان موس وروث غريغوري، تسعى إلى إنشاء نموذج تجريبي في المختبر يشبه ما يحدث عند حدوث انتقال طوري في الكون، وهو ما قد يساعد الباحثين على تطوير فهم أدق للعوامل التي قد تُفضي إلى حدوث "الابتلاع العظيم".

يعود السبب في ذلك إلى أن المعادلات التي تصف الانتقال الطوري الكمّي في الكون يمكن في بعض الحالات أن تكون مكافئة لتلك التي تصف انتقالا طوريا في نوع من المادة الغريبة يُعرف باسم تكاثف بوز–آينشتاين، وهو مؤلَف من ذرات عند درجات حرارة منخفضة للغاية. يمكن لهذا النوع من المادة أيضا إنتاج فقاعات، مما يجعله محاكاة فعالة لانتقال طوري كوني.

قد تتمكن التجربة حتى من محاكاة انتقال طوري مُحفَّز، بحيث يكون "المحفِّز" هنا خللا مصمَّما عن قصد داخل النظام التجريبي، بدلا من جسم حقيقي مثل ثقب أسود بدائي. وسيسمح ذلك للباحثين بدراسة الفرق بين معدلات تكوين الفقاعات أثناء وجود هذا المحفِّز وفي غيابه، مما قد يمنحنا تصورا أوضح عن حجم الخطر الذي قد نواجهه فعليا.

في عام 2019، استطاع موس وغريغوري حساب كيف يمكن لتصادمات الجسيمات -سواء القادمة من الأشعة الكونية أو من تجارب مثل مصادم الهدرونات الكبير- إنتاج ثقوب سوداء صغيرة تُحفّز انتقالا طوريا. وأثناء عملهما، استبعدا احتمال أن تتسبب التجارب على الأرض في إطلاق شرارة النهاية، فمثل هذه التصادمات كانت تحدث بكثرة في فجر الكون، ومع ذلك لم تؤدِّ حسب علمنا إلى نهايته.

ومع ذلك، يقول موس إن هناك حاجة إلى مزيد من البحث للتأكد من النتائج. فعلى سبيل المثال، عند دراسة الانتقالات الطورية، من المهم أخذ مساحة الجسيمات المتصادمة بالإضافة إلى طاقتها في الاعتبار. ويضيف: "لا بأس بتصادم البروتونات كما نفعل في مصادم الهدرونات الكبير، ومع ذلك لا نزال نفتقر إلى فهم دقيق لتأثيرات تصادم النوى الضخمة".

في العام الماضي، نشرت كلوج وزملاؤها دراسة تشير إلى أن تأثيرات النفق الكمي قد تمنع الكون المتقلّص من التوصل إلى مرحلة "الانسحاق العظيم". وفقا لنموذجهم، يتسبب الانكماش في ضغط حقل شبيه بحقل هيغز إلى درجة تجعل أدنى طاقته سالبا، فيرتد الكون من الداخل نحو الخارج، مولّدا كونا جديدا يستمر في التوسع، وقد يكون مشابها لكوننا الحالي".

____________
* إضافة المترجم

هذه المادة مترجمة عن نيوساينتست  ولا تعبر بالضرورة عن الجزيرة نت

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا