في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
لم تنجح فترة ما بعد اتفاق "وقف الأعمال العدائية بين لبنان وإسرائيل" في نوفمبر/تشرين الثاني 2024 في منح الساحة اللبنانية أي قدر من الاستقرار، إذ تتواصل الخروقات الإسرائيلية للاتفاق بحجة ملاحقة عناصر حزب الله ومحاولات إعادة بناء قوته.
ولم تقتصر الخروقات الإسرائيلية لوقف إطلاق النار على الجنوب اللبناني، بل امتدت أيضا إلى شرقي البلاد وضواحي جنوب العاصمة بيروت، وفي مناطق تُعد معاقل رئيسية لحزب الله، وتجلت أمس الثلاثاء بقصف مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين.
وبلغ إجمالي خروقات الجيش الإسرائيلي منذ بدء سريان الاتفاق نحو 4500 خرق، وفق إحصاء للجيش اللبناني في سبتمبر/أيلول الماضي.
رغم المطالبات بتسليم سلاحه ، حافظ حزب الله على سردية المقاومة، وعمل على إعادة ترميم واسعة لموارده العسكرية والتنظيمية، بحسب عدة تقارير صحفية.
وفي بيانه في يوليو/تموز الماضي تحت عنوان "كتاب مفتوح إلى الرؤساء الثلاثة والشعب اللبناني"، أكد الحزب على "الحق المشروع في مقاومة الاحتلال والعدوان".
وشدد على رفض أي طرح يهدف إلى نزع سلاح المقاومة، معتبرا أن الحديث عن هذا الملف في الظرف الراهن "يخدم العدو الإسرائيلي ومشاريعه في المنطقة".
وفي نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي نشرت صحيفة وول ستريت جورنال تقريرا، قالت فيه إن "حزب الله بدأ في إعادة بناء ترسانته العسكرية وإعادة تنظيم صفوفه".
ووفقا للتقرير، تشير تقييمات الاستخبارات إلى أن حزب الله يخزّن الصواريخ والأنظمة المضادة للدبابات والمدفعية الثقيلة، ويُزعم أن بعض الشحنات تصل عبر طرق التهريب السورية والموانئ البحرية اللبنانية.
وأضافت الصحيفة أن الحزب استأنف أيضا إنتاج الأسلحة محليا، مما يُشير إلى جهود إعادة تسليح كبيرة بعد أقل من عام على سريان وقف إطلاق النار.
ونشرت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية تقريرا في أكتوبر/تشرين الأول الماضي قالت فيه إن حزب الله يعمل حاليا بشكل شبه كامل تحت الأرض، مشيرة إلى أن الحزب يعيد بناء هيكله القيادي وقوته العسكرية بشكل سري.
وسبق أن أعلنت قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في لبنان (يونيفيل) عن اكتشاف شبكة واسعة من الأنفاق المحصنة التابعة للحزب في محيط عدد من البلدات جنوبي لبنان ، وتحتوي على أسلحة وصواريخ وعدد من المخابئ وقطع المدفعية وراجمات الصواريخ، إلى جانب مئات القذائف والصواريخ والألغام المضادة للدبابات والعبوات الناسفة الأخرى.
على الجانب الإسرائيلي، تترسخ القناعة بأن حزب الله يواصل التركيز على إعادة بناء قدراته العسكرية، وقال تقرير لمركز معهد دراسات الأمن القومي في إسرائيل إنه "منذ وقف إطلاق النار، يعيد الحزب تنظيم نفسه بشكل واضح، حيث يعمل على تجديد احتياطاته المالية، والبحث عن طرق جديدة لتهريب الأسلحة إلى لبنان، وتجنيد أفراد، وإعادة هيكلة مؤسساته".
ووفقا لتقرير وول ستريت، فقد أفادت مصادر عسكرية إسرائيلية بأن حزب الله هرّب مئات الصواريخ القصيرة المدى من سوريا إلى لبنان في الأشهر الأخيرة، ويعمل على إعادة بناء هيكله القيادي.
وعلى مستوى حجم القوات والذخائر، يقول موقع نقابة الأخبار اليهودية في تقرير بشأن تقديراته المتعلقة بعديد الحزب وعتاده "يبلغ قوام حزب الله في لبنان 40 ألف عنصر، ولديه ما بين 15 ألفا و20 ألف صاروخ وقذيفة تحت تصرفه"، وينقل الموقع عن المبعوث الأميركي الخاص توم براك أن "هذا المخزون يمثل قاعدة مبدئية لعملية التعافي العسكري للحزب، وإن ظل أقل بكثير من قدراته السابقة".
ومع استمرار الغارات الإسرائيلية الهادفة إلى تعطيل عمليات إعادة التسلّح، تؤكد تقديرات إسرائيلية، ومن بينها تصريحات لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ، "أن حزب الله يتعرض لضربات مستمرة لكنه يحاول أيضًا إعادة التسلح والتعافي".
وتشير التقديرات الإسرائيلية إلى أن ترسانة حزب الله تبلغ حوالي 20 ألف وحدة عسكرية، كما وسّع الحزب برنامج طائراته المسيرة، وأعاد بناء مرافق التخزين والتجميع، في إشارة إلى تنوّع أدوات الاستعادة وعدم اقتصارها على الصواريخ التقليدية.
ويشير تقرير لموقع "واي نت" الإسرائيلي إلى أن حزب الله يعيد بناء قدراته بسرعة في ثلاثة محاور "الصواريخ والقذائف، والطائرات المُسيّرة، والبنى التحتية".
وتقدر إسرائيل أن حزب الله يمتلك عشرات الآلاف من هذه الصواريخ وعدة آلاف من الصواريخ المتبقية، بالإضافة إلى إنتاج آلاف الطائرات المسيرة الجديدة والمحمولة جوا منذ نهاية الحرب. ويضيف التقرير أن عناصر قوات الرضوان أعادوا تنظيم صفوفهم في المنطقة الواقعة بين نهر الليطاني والحدود في مدن كبيرة مثل النبطية .
ونشرت صحيفة معاريف أن الجيش الإسرائيلي أدرك الخطوات التي يتخذها حزب الله لإعادة تأهيل نفسه، فهو يعيد بناء قوته من خلال تجنيد مكثف للعناصر، ويحاول تكديس الأسلحة، بل بنى خط دفاعه الجديد شمال نهر الليطاني، وهو جيش وليس تشكيلًا قتاليا، بالإضافة إلى منظومات صاروخية ومدفعية.
وأبلغت إسرائيل الأجهزة الأميركية أن حزب الله نجح في تهريب مئات الصواريخ من سوريا خلال الأسابيع الأخيرة، كما نجح في تشغيل صواريخ ومنصات إطلاق تضررت خلال المعارك، إضافة إلى تجنيد آلاف العناصر الجدد.
وبحسب التقارير الإسرائيلية، يُوفق حزب الله بين الإنتاج الضخم للأسلحة البسيطة كالصواريخ القصيرة المدى والأسلحة الخفيفة وإنتاج الأسلحة الدقيقة والمتطورة، بما في ذلك الصواريخ المضادة للدبابات والوسائل الإلكترونية المتطورة.
وحسب القناعات الإسرائيلية، فإنه بموازاة عمليات التعافي العسكري فوق الأرض، انخرط حزب الله في تعزيز بُناه التحتية السريّة التي تعتبر في نظره صمام أمان يضمن استمرار قدرته على الصمود، ويوفر مسارات بديلة تشمل الإطلاق والتخزين والتنقل.
وقدّم تقرير لمركز "ألما" للأبحاث والتعليم الإسرائيلي توصيفًا لهذه البنية بالقول إن "حزب الله يعمل على تسريع إعادة تأهيله، لا سيما في المنطقة الواقعة شمال الليطاني، في مركز ثقله الجغرافي الجديد -قطاع وحدة بدر- الذي أصبح نقطة محورية لنشر حزب الله في الجبهة الجنوبية من حيث تفعيل النيران والدفاع وتخزين الأسلحة".
ويضيف التقرير أن "جهود إعادة تأهيل حزب الله تُركز على القدرة على البقاء والانتقال إلى عمليات أكثر سريّة، وصيانة الأسلحة وإصلاحها وإنتاجها، والتهريب، والعمليات التنظيمية، وتحديث الخطط العملياتية العسكرية، وإجراء التدريبات والتمارين".
وتقدر المؤسسة أن الحزب "يحتفظ حاليًا بحوالي ثلث القوة النارية التي كان يمتلكها قبل الحرب".
وفي تحليل آخر لموقع إسرائيل ألما، يوضح تال بيري أنّه "فيما يتعلق بالأنفاق التابعة لحزب الله في لبنان بشكل عام، نقدر أنه لا تزال هناك بنية تحتية كبيرة من الأنفاق التكتيكية والإستراتيجية التي لم تتضرر".
ويضيف أن "الوضع غير واضح" بشأن الأنفاق المزروعة بالألغام، موضحًا أن الحزب لم يستخدمها أثناء الحرب، مما يجعل الخريطة الفعلية لهذه المنظومة غامضة.
وتؤكد التقارير الإسرائيلية أن منطقة البقاع تظل العمق الإستراتيجي لحزب الله من الناحيتين العملياتية واللوجستية، وتضم المنطقة البنية التحتية للتدريب وإنتاج الأسلحة وتخزينها، وتضم مواقع لمصفوفات إستراتيجية من الصواريخ والذخائر، بعضها يقع تحت الأرض في منشآت مهمة لم تتضرر.
وفي ظل هذا التصعيد السياسي، عادت إسرائيل لتربط موقفها الأمني بما تعدّه فشلًا لبنانيا في ضبط حزب الله، وحذرت من تكثيف الضربات في حال فشل نزع سلاح الحزب، مما أعاد تسخين المشهد الدبلوماسي، وزاد من حدة المخاوف من انزلاق الوضع إلى مواجهة جديدة إذا تعثرت المسارات السياسية.
وأعلن الاحتلال عقيدة عملياتية جديدة تقوم على مبدأ الضربة الاستباقية، لخصها في عبارة "علينا ألا ننتظر هجوم العدو، بل أن نسبقه بضربة من جانبنا"، مما يعزز استمرار التصعيد ويضع المنطقة أمام احتمالات مفتوحة.
وفي السياق، أكد قائد سلاح الجو الإسرائيلي اللواء تومر بار على تشديد الضغط على وحدة الطائرات المسيّرة التابعة لحزب الله ومنع عودتها إلى العمل، مما يعكس خوفًا متصاعدا من تطوير الحزب برنامجه المسيّر.
ومع اتساع الخشية الإسرائيلية من مساعي حزب الله لإعادة ترميم قدراته، اتجهت المؤسسة العسكرية في تل أبيب إلى إرسال رسائل ردع مباشرة عبر تكثيف النشاط العملياتي.
وأكد تقرير لقوات اليونيفيل حجم الانتهاكات الإسرائيلية للاتفاق، التي تجاوزت "2200 هجوم عسكري وأكثر من 6200 انتهاك للمجال الجوي" منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2024، مما يظهر أن تل أبيب تعتمد تكتيك الاستنزاف والضغط المتواصل بهدف تقويض أي محاولات لإعادة بناء القوة الصاروخية أو القتالية.
كما أكد تقرير لصحيفة لوموند أن سلسلة الانتهاكات الإسرائيلية قتلت ما لا يقل عن "111 مدنيا" في لبنان منذ أواخر نوفمبر/تشرين الثاني 2024، مما يجعل وقف إطلاق النار أقرب إلى هدنة هشة تتعرض للخروق بشكل يومي.
تزايدت الضغوط الدولية على الحكومة اللبنانية في ضوء استمرار حالة عدم الاستقرار على الحدود، واتساع القلق من إعادة تشكيل حزب الله قدراته العسكرية.
فقد ألغت الولايات المتحدة مواعيد كانت مقرّرة لقائد الجيش اللبناني العماد رودولف هيكل في العاصمة الأميركية، وكشف مسؤول أميركي للجزيرة أن وزارة الحرب ألغت جميع لقاءاته التي كانت مقررة في البنتاغون .
وذكرت وسائل إعلام لبنانية أن إلغاء هذه الاجتماعات جاء بسبب "استياء" الإدارة الأميركية ممّا تعتبره "تقصيرا" في أداء الجيش اللبناني في مهمة حصر السلاح بيد الدولة.
وفي السياق ذاته، أورد موقع يورونيوز أن رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام "يتعرض لضغوط متزايدة من الولايات المتحدة لضمان أن تسلم الجماعة المسلحة الموالية لإيران أسلحتها".
وتتقاطع هذه الضغوط مع تصريحات المبعوث الأميركي توم براك خلال مشاركته في "حوار المنامة 2025″، حيث أشار إلى أن لبنان بات في نظر واشنطن "دولة فاشلة"، لكنه أوضح في الوقت ذاته أن القيادات اللبنانية لا تزال قادرة على التحرك، داعيًا إياها إلى تسريع الجهود لحصر السلاح في يد الدولة، في سياق قوله "على القيادة اللبنانية التقدم أسرع لحصر سلاح حزب الله".
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة