آخر الأخبار

الاستثمارات الخليجية في مصر: طوق نجاة أم خطأ استراتيجي؟

شارك
مصدر الصورة

بعد موجة من الاستثمارات الخليجية في مصر خلال الفترة الماضية بعشرات المليارات من الدولارات، استضافت العاصمة المصرية القاهرة منتدى التجارة والاستثمار المصري الخليجي، الذي عقدت فعالياته على مدار يومي 10 و11 من نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، في توقيت حساس يعكس حاجة مصر الماسة إلى تعزيز التمويل الخارجي، ودعم السيولة الدولارية، في ظل ضغوط كبيرة على الموازنة واحتياطات النقد الأجنبي.

الحكومة المصرية تشير بوضوح إلى أن هذا المنتدى ليس مجرد حدث رمزي، بل مؤشّر على تحوّل في استراتيجية تعزيز العلاقات الاستثمارية مع دول الخليج. وقد سلّط الإعلام الضوء على كميات ضخمة من الاستثمارات الخليجية في مصر خلال السنوات الأخيرة، وعلى الصفقات الكبرى التي تُعد جزءًا من تلك العلاقات.

لماذا تستضيف القاهرة هذا المنتدى الآن؟

تواجه مصر أزمة نقد أجنبي واسعة، وتعرض احتياطي العملات الأجنبية لضغوط خلال الأشهر والسنوات الأخيرة. ومن بين سبل التعامل مع هذه الضغوط هو دفع تدفقات الاستثمار الأجنبي، وجذب ودائع أو استثمارات من دول الخليج. وكما أوردت الحكومة، تُعد دول الخليج أحد المصادر الرئيسة لدعم السيولة.

من جهة أخرى، يعد المنتدى في حد ذاته منصة للحوار وتعزيز الثقة بين القطاع الخاص الخليجي والمصري، ولعرض فرص استثمارية في مصر، خصوصاً في قطاعات العقارات والسياحة والطاقة والبنية التحتية.

كذلك، استثمارات الخليج تأتي في وقت تريد فيه مصر إظهار قدرة على استقطاب رؤوس الأموال الخارجية، لطمأنة الأسواق والمستثمرين الدوليين.

مصدر الصورة

حجم الاستثمارات الخليجية في مصر

وفق تقديرات رسمية وتحليلات إعلامية، تشير التقارير إلى أن الاستثمارات الخليجية في مصر منذ عام 2021 تجاوزت 60 مليار دولار تقريباً، وتتوزّع على مشروعات ضخمة في العقارات والطاقة والبنية التحتية.

وتعد أحدث هذه الاستثمارات، صفقة "علم الروم" القطرية على الساحل الشمالي، إذ وقّعت الحكومة المصرية الخميس الماضي، صفقة بقيمة 29.7 مليار دولار مع شركة "الديار العقارية" التابعة لصندوق الثروة السيادي القطري، لتطوير مدينة سياحية وسكنية متكاملة بمنطقة "علم الروم" على الساحل الشمالي المصري.

وبحسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، ستدفع الدوحة في ديسمبر/كانون الأول المقبل دفعة نقدية تبلغ 3.5 مليار دولار مقابل الأرض، بينما يأتي الجزء الأخر بقيمة 26.2 مليار دولار فيما بعد على شكل استثمارات عينية في البنية التحتية والتطوير العقاري داخل المشروع.

ويمتد المشروع على حوالي 4,900 فدان أو مساحة تقدر بـ 20 مليون متر مربع تقريباً، على طول 7.2 كيلومتراً من الشاطئ في محافظة مطروح، يتم تطويعه كنموذج وجهة سياحية وسكنية متكاملة تضم مساكن فاخرة، فنادق، مارينا، ملاعب جولف، مدارس وجامعات، بنية تحتية كاملة.

هذه الصفقة تُعد واحدة من أكبر الصفقات الاستثمارية الأجنبية في مصر حتى الآن، وتحمل رمزية كبيرة من حيث جذب رؤوس الأموال الخليجية.

وفي فبراير/شباط 2024 وقعت الحكومة المصرية أكبر صفقة استثمار مباشر في تاريخها، بقيمة 35 مليار دولار مع الإمارات لتطوير مدينة رأس الحكمة على الساحل الشمالي المصري.

المشروع الذي يمتد على مساحة تُقدَّر بحوالي 170 مليون متر مربع، ويُخطَّط أن يشمل مناطق سكنية وسياحية، ومنطقة استثمارية حرة، ومطاراً ومارينا، ومناطق صناعية وخدمية، مع أن الحكومة المصرية ستحافظ على حصة تٌقدَّر بـ 35 ٪ من الأرباح.

أما بالنسبة للاستثمارات السعودية، فتُقدَّر بنحو 9 مليارات دولار تقريباً على مدار العقدين الماضيين بحسب التقديرات الرسمية، والتي تتركز في مجالات الطاقة والبنية التحتية.

بينما تستعد الكويت لاستثمارات جديدة تتجاوز 6 مليارات دولار في مصر في الفترة القريبة المقبلة، ستُوجه إلى قطاعات أبرزها صناعة السيارات، والسياحة، والتطوير العقاري، والبنية التحتية والنقل والطرق والموانئ، بحسب تقارير إعلامية محلية ودولية.

مصدر الصورة

فرصة كبيرة لدول الخليج

يقول الكاتب والمحلل السعودي مبارك آل عاتي، إن الاستثمارات الخليجية في مصر لها العديد من الأهداف، أهمها دعم الاقتصاد المصري، واستثمار الموقع الجيوسياسي الهام لمصر، وتحقيق أرباح للاقتصادات الخليجية، وأيضاً تحقيق التعاون العربي القائم على تبادل المصالح وتعميقها.

ويضيف المحلل السعودي أن تعاون الدول الخليجية مع مصر اقتصادياً يمثل أمراً مهماً جداً لا يقل أهمية عن العمل السياسي المشترك، ما يزيد التقارب العربي/ العربي ويحدث توازناً هاماً في العالم، وذلك للأهمية والتأثير الكبير للاقتصاد المصري في الاقتصادات العربية، بالإضافة إلى قوة اقتصاد دول الخليج خاصة السعودية والإمارات وقطر، إذ تملك هذه الدول صناديق استثمارية كبيرة عابرة للقارات.

وبالنسبة لتركز الاستثمارات الخليجية في القطاع السياحي الفندقي في مصر، يوضح آل عاتي أن هذا يرجع لقواعد الاستثمار، مشيراً إلى أن المستثمر دائماً يبحث عن المناطق "البكر" في مصر التي لا يستطيع الاقتصاد المصري الاستثمار فيها، بحكم تركزه على بعض الاستثمارات الأساسية في الداخل، كذلك فإن الاستثمار السياحي وخاصة في مناطق الساحل الشمالي وسواحل البحر الأحمر، يعد فرصة واعدة كبيرة بالنسبة لأي مستثمر، لما تتمتع به هذه المناطق من مواقع حيوية مهمة جداً، وهذا يمكن أن يدر أرباحاً كثيرة للمستثمرين الخليجيين، وكذلك يخدم الاقتصاد المصري الذي يعتمد بشكل كبير على السياحة، بحسبه.

انتقادات ومخاوف

تنظر الحكومة إلى استثمارات الخليج وودائعها كدعم مباشر للاقتصاد ومدخل لزيادة السيولة الأجنبية وتحسين مناخ الاستثمار.

في المقابل، هناك منتقدون يرون أن النسبة الأكبر من هذه التدفقات يتم توجيهها نحو العقارات والمشروعات الساحلية الفاخرة، وليس نحو الإنتاج أو الصناعة أو القطاعات التي تؤمّن وظائف واسعة ومستدامة.

بعض التحليلات تشير إلى أن التركيز على «وجهات سياحية فاخرة» قد لا يخدم الأجندة التنموية الكاملة، بل يُخشى أن يكرّس اعتماداً على الإنشاءات والمشاريع الكبرى بدلاً من نمو اقتصادي منتج ومستدام.

يرى الخبير الاقتصادي رشاد عبده، رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية، في حديث ل بي بي سي، أن "الاستثمارات القطرية والإماراتية والسعودية لم تتجه في معظمها إلى قطاعات إنتاجية صناعية مثلاً، بل تركزت في قطاعات كالعقارات والمنتجعات، كما هو الحال في صفقتي "علم الروم" و "رأس الحكمة"".

ورغم هذه الملاحظات، يعترف عبده بوجود فوائد غير مباشرة لهذه الاستثمارات، فهي، من وجهة نظره، "تسهم في خلق فرص عمل داخل السوق المصري، وتساعد على تخفيف الضغط على النقد الأجنبي، ما يمنح البنك المركزي مرونة أكبر في تلبية احتياجات المستثمرين والعملاء المحليين".

ويشير عبده إلى أن "تحول الدعم الخليجي لمصر من ودائع مصرفية إلى استثمارات وشراء ودخول في شراكات، له فائدة مزدوجة على مصر والمستثمرين، حتى وإن ذهب الربح الأكبر للمستثمر الذي يتميز بالاستعداد الإداري الجيد".

وإضافة لكلام عبده، وجه عدد من المحلّلين والمنظمات الحقوقية انتقادات لافتة لهذه التدفقات، يتلخّص أبرزها في النقاط التالية:

- ضعف الشفافية في الصفقات: تُشير تقارير إلى أن بعض الاتفاقات الضخمة مثل مشروع رأس الحكمة المُموّل من الإمارات نُفّذت دون إفصاح كافٍ عن تفاصيلها أو عن آليات تخصيص الأراضي والمنافع المالية.

- مخاوف بشأن السيادة الاقتصادية والتحكّم في الأصول الاستراتيجية: بعض المحلّلين يرون أن منح حصص كبيرة للمستثمرين الأجانب – أو بيع أصول مهمة – قد يضعف قدرة الدولة المصرية على إدارة تلك الأصول مستقبلاً، أو على تحقيق دخل حقيقي للدولة، ويعزّز تبعية أكبر، بحسب صحيفة لوموند الفرنسية.

- إعفاءات ضريبية ومعاملة تفضيلية: تشير بعض التقارير إلى المخاوف من منح الحكومة المصرية إعفاءات ضريبية كبيرة أو معاملة مفضّلة لبعض المستثمرين الخليجيين، ما أثار استياء بعض الأطراف التي ترى أنها تقلّل الإيرادات الضريبية للدولة في وقت تحتاج فيه كل قرش لدعم الميزانية.

تأثيرات إيجابية

ضخ رؤوس أموال كبيرة من الخليج يُعد دفعة قوية لمصر، لمنحها موطأ قدم في ظل نقص السيولة الدولارية وصعوبات خدمة الدين الخارجي، وبعد ضخ عشرات المليارات من الدولارات في الفترة الماضية، ساعد ذلك مصر على توفير الاحتياطي النقدي الذي كانت تعاني مشكلة كبيرة فيه على مدار سنوات، وتجاوز للمرة الأولى حاجز 50 مليار دولار، وفقاً لما أعلنه البنك المركزي المصري في بيان رسمي، مساء الأحد الماضي، كما تشكل هذه الاستثمارات "شبكة أمان" نسبيّة لتقلبات سعر الصرف.

المشاريع الكبرى مثل "علم الروم" و"رأس الحكمة" تعكس قدرة مصر على التعامل مع مستثمرين خليجيين واستقطاب تمويلات كبيرة، الأمر الذي يمكن أن يسهم في تشجيع المستثمرين الأجانب من دول أخرى على الاستثمار في مصر في الفترة المقبلة.

رغم هذا التحسّن، لا تزال مصر تواجه معدلات تضخم مرتفعة، إذ ارتفع معدل التضخم السنوي في المدن إلى 12.5% في أكتوبر/تشرين الأول 2025، بعد أربعة أشهر من التراجع، فهل تكون الاستثمارات الخليجية طوق نجاة للاقتصاد المصري في ظل الأزمات المتلاحقة؟

بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا