ربما تتعجب من اسم حارس المرمى البولندي المخضرم فويتشيك تشيزني، أو بالأحرى فويتشيخ شتنسني إذا نطقناها بلغة بلاده، لكنك ستشعر حتما بالعجب والإعجاب إزاء مسيرة هذا اللاعب، خصوصا ذلك الجزء الذي بدأ بعدما بدا أن المسيرة أشرفت على الانتهاء، بل إنها كانت قد انتهت فعلا.
في أغسطس/آب 2024 أعلن تشيزني اعتزال كرة القدم بشكل نهائي بعدما شارك مع منتخب بلاده في كأس أوروبا، وبعد أسابيع من إعلان فسخ تعاقده بالتراضي مع نادي يوفنتوس الإيطالي الذي أكمل معه 252 مباراة خرج في 100 منها بشباك نظيفة.
كان تشيزني قد وصل في ذلك الوقت إلى عامه الـ34، بعد مسيرة حافلة لعب خلالها أيضا مع روما الإيطالي وأرسنال وبرينتفورد الإنجليزيين، فضلا عن 15 عاما مع منتخب بولندا شارك خلالها في 84 مباراة دولية.
لكن بعد عدة أسابيع حدث تطور لم يكن في الحسبان، فقد تعرض الحارس الألماني مارك أندري تير شتيغن لإصابة كبيرة، مما دفع فريقه برشلونة الإسباني للبحث عن بديل متميز، ولأن فترة الانتقالات كانت قد أغلقت فلم يكن متاحا إلا التعاقد مع لاعب معتزل.
وجد برشلونة ضالته في تشيزني، فهو غير مرتبط بأي تعاقد، كما أنه معتزل حديثا وبالتالي لم يبتعد طويلا عن الملاعب ولن يكون من الصعب أن يعود مجددا، خصوصا أنه ظل لسنوات طويلة بين حراس النخبة على مستوى العالم.
بعد تفكير ليس بالطويل، قبل تشيزني التحدي وعاد إلى الملاعب لا ليشارك في المباريات فقط، بل ليسهم مع برشلونة بفاعلية في جمع كل الألقاب المحلية، وهي بطولتا الدوري وكأس الملك إضافة إلى السوبر الإسباني.
نجاح تشيزني مع برشلونة لم يكن فقط فيما يخص الأداء الجيد والحصول على الألقاب الثمينة، ولكن كان أيضا في تكيفه مع طريقة أداء لم يعتدها وتتطلب أن يجيد الحارس اللعب بقدمه كي تبدأ الهجمات من عنده، وكذلك مشاركته في فريق يغلب عليه عنصر الشباب لدرجة أن نجم الفريق لامين جمال يكاد يكون في نصف عمر تشيزني.
كان المتوقع أن يكتفي تشيزني بذلك الموسم الاضطراري، لكن برشلونة تمسك به وجدد تعاقده مؤخرا رغم أنه تمكن من ضم حارس متميز هو خوان غارسيا ليكون حارسا أساسيا للحاضر والمستقبل.
هنا نصل إلى ما نعتبره زاوية نجاح نادرة، فالصورة واضحة في برشلونة وهي أن الشاب غارسيا القادم من فريق إسبانيول سيكون الحارس الأساسي للفريق الكتالوني، والمعتاد في مثل هذه الحالات أن يثير ذلك حفيظة الحارس المخضرم أو يدفعه إلى الابتعاد والاعتزال.
ما فعله تشيزني كان نادرا، حيث أكد علنا أنه مدّد تعاقده مع برشلونة ليكون داعما للحارس الجديد معربا عن سعادته بهذا الدور، ومبديا الكثير من علامات التواضع والروح الطيبة وإنكار الذات.
في حوار مطول مع تشيزني نشر أمس الخميس في صحيفة موندو ديبورتيفو الإسبانية، أظهر الحارس البولندي مجددا الكثير من التواضع والدعم لزملائه خصوصا من يفترض أنه منافسه المباشر، وهو ما يلقي الضوء على أحد أهم عواجل نجاحه كنجم كروي صاحب مسيرة متميزة.
"أعلم ما هو دوري هذا الموسم، وبالنسبة لي فإن أعظم نجاح سأحققه هو أن يخوض غارسيا موسما ناجحا مع الفريق الكتالوني"، هذا بالضبط ما قاله الحارس المخضرم الذي ظل لسنوات طويلة بين حراس النخبة في العالم، عن زميله الجديد الذي لم يلعب حتى الآن مباراة دولية واحدة على مستوى الفريق الأول.
أضاف تشيزني عن زميله الذي يغيب حاليا لإصابة تبعده نحو الشهر عن الملاعب: "لا توجد بيننا منافسة أو عداوة، فقط أحاول دعمه ومساندته بأفضل طريقة ممكنة، أستطيع اللعب، لكن أتمنى أن يعود في أسرع وقت ممكن، وهذا لا يعني أنني كسول أو لا أرغب في اللعب، ولكن أمنيتي هي أن يتعافى في أقرب وقت".
واستطرد الحارس البولندي قائلا: "أنا سعيد بما أنجزته في مسيرتي، ولذلك أستطيع بسهولة أن أكون عونًا لحارس شاب في بداية مشواره. وفي الوقت نفسه، أحاول أن أثبت عامًا آخر أنني ما زلت في أعلى مستوى. عندما أحصل على فرصة أو عند الطوارئ كما هو الحال الآن، حيث الجميع مصاب، ألعب وأنا سعيد بذلك وأبذل أقصى ما لديّ".
ولم يفت تشيزني وهو يشير إلى ذلك، أن يذكر أنه سبق أن تعلم وتلقى دعما من حراس كبار حيث قال: "أحاول الآن أن أكون لغارسيا كما كان الحارس الإيطالى الكبير جيانلويغي بوفون لي، بعد تلك التجربة أشعر أن عليّ رد الجميل، ربما لن يتعلم مني كما تعلمت أنا من بوفون، لكن الفكرة واحدة".
تشيزني لم يتوقف عن تقديم دروس للنجاح خلال حواره مع موندو ديبورتيفو، حيث أوضح أنه يحرس على الاستمتاع بتجربته الجديدة مع برشلونة، سواء أكان أساسيا أم احتياطيا، قائلا إن اللعب مع فريق شاب جدا يمنحه طاقة جديدة، ولذلك مدد عقده.
وعندما سألته الصحيفة عن وصفة النجاح التي يقدمها للنجوم الشبان وفي مقدمتهم لامين جمال قال: "مع موهبته، إذا لم يفقد شغفه وبقي محترفًا، فسيحقق نجاحًا كبيرًا، فقط عليه الحفاظ على التركيز والهدوء والشغف باللعب، ولا بأس إن ارتكب أخطاء في هذا السن فكلنا كنا في الـ18 وارتكبنا أخطاء وتعلمنا منها".
وفيما يتعلق بغارسيا قال إنه حارس رائع وذكي وهادئ لكن "لا يزال أمامه عمل كبير وعليه أن يكون حاضرًا ذهنيًا في كل مباراة، كل ثلاثة أيام، وهذه تجربة جديدة له. من السهل اللعب كل أسبوع، لكن في نادٍ كبير تلعب كل ثلاثة أيام ولا يوجد وقت للتدريب، فقط للتعافي".
وأضاف تشيزني: "لا أستطيع تعليمه الكثير من الناحية البدنية، فهو أفضل مني في هذا الجانب (يضحك)، أستطيع أن أنصحه ببعض التفاصيل الصغيرة، مثل التمركز، ولكن ما أملكه هو الخبرة، وهذا ما أريد أن أنقله له. إذا قرر النادي تجديد عقدي رغم قدومه، فذلك لأنهم يعتقدون أن بإمكاني مساعدته على أن يصبح أفضل، وسأفعل ذلك".
تشيزني قدم درسا آخر عندما سألته الصحيفة عما إذا كان يفضل اللعب خلف بعض زملائه في خط الدفاع، فاختار ألا يفضل أحدا على الآخر وقال إنه يحاول كحارس مرمى التواصل مع كل المدافعين أيا كانوا، مضيفا أنه يعتقد أن وجود مدافعين بخصائص مختلفة هو ميزة للفريق، "ففي بعض المباريات تحتاج لاعبين أكثر مهارة بالكرة، وأحيانا تحتاج لاعبين أكثر قوة بدنية أو أسرع".
وعندما سئل عن تعثر برشلونة البطل في بعض المباريات الأخيرة، قال إن الفوز بـ3 ألقاب في الموسم الماضي لا يعني أن هذا الموسم سيكون سهلا، "سيكون أصعب بكثير، لا يكفي أن تقدم موسما رائعا ثم تسترخي، الغرور لا قيمة له، يجب أن تبقى متواضعا وتعمل بجد، فهذه هي الطريقة الوحيدة للتحسن وتحقيق النتائج، فالتحدي سيكون أكبر وعلينا إثبات أنفسنا مرة بعد مرة. فهكذا يفعل الأبطال الكبار".
في الحوار أظهر تشيزني أيضا جانبا للنجاح يتمثل في الشخصية المرحة التي تخفف الضغوط عن كاهلها، فعندما تحدث عن الفيلم الوثائقي الذي يروي مسيرته الكروية قال إنه يظهر الجانب الإنساني الذي لا يراه الناس، "نحن بشر قبل أن نكون لاعبين أثرياء. الفيلم يُظهر أيضا جانبي السيئ، فأنا لست مثاليا، وأعترف بذلك بصراحة".
ويضيف تشيزني عن خططه للمستقبل: "الآن لا أخطط لشيء، لأني حتى إن خططت أن أعتزل فقد أعود بعد 3 أشهر، فلا تصدقوا خططي".
المثير أن الحارس البولندي كشف عن أنه جدد عقده الأخير وهو يدرك أنه سيلعب دور الحارس البديل ولم يجد في ذلك بأسا، مؤكدا أنه لا يشعر بأي إحباط بل يشعر فقط بمشاعر إيجابية، "أريد أن أعرف كيف سأكون كحارس بديل، فلم أجرب ذلك في حياتي".
من دروس النجاح التي قدمها تشيزني في حواره، هو الاستفادة من الخبرات المحيطة، حيث أكد أنه تعلم من حراس كبار مثل بوفون والتشيكي بيتر تشيك، قبل أن يضيف قائلا: "إذا كنت ذكيا وتدربت مع الأفضل فستتعلم تفاصيل صغيرة من كل واحد. ربما تحب شيئا في أسلوب أحدهم فتنقله، وترى شيئا آخر لا يناسبك فتتركه. يجب أن تجد توازنك وأسلوبك الخاص، لا يمكنك أن تكون نسخة من بوفون أو تشيك، لكن يمكنك أن تتعلم شيئًا من كل واحد وتبني طريقك".