فرضت إدارة الرئيس ترامب عقوبات على "المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان"، و"مركز الميزان لحقوق الإنسان"، و"مؤسسة الحق".
هذه العقوبات تتبع إجراءت مماثلة ضد قضاة ومدّعين عامين في "المحكمة الجنائية الدولية"، وخبيرة حقوقية في "الأمم المتحدة".
على الدول الأعضاء في "المحكمة الجنائية… pic.twitter.com/0lcXYh06RC
— هيومن رايتس ووتش (@hrw_ar) September 5, 2025
غزة- رام الله- منذ بداية حرب الإبادة في غزة قبل عامين، تعمل مؤسسات حقوق الإنسان في القطاع على رصد وتوثيق مظاهر الإبادة الجماعية التي تمارسها سلطات الاحتلال الإسرائيلي، تمهيدا إلى تحويلها إلى أساس لمرافعات ودعاوى أمام المحافل الدولية، وبالتوازي تعمل المنظمات ذاتها والسلطة الفلسطينية على تجهيز ملفات بالجرائم المرتكبة في الضفة الغربية .
يتحدث حقوقي فلسطيني وخبير في القانون الدولي للجزيرة نت عن كيفية إعداد الملفات المتعلقة بجرائم الحرب ورفعها إلى المؤسسات والمحاكم الدولية، تمهيدا لمعاقبة ومحاسبة المسؤولين عنها.
وأودت جرائم الاحتلال بحياة أكثر من 67 ألف فلسطيني في قطاع غزة، إضافة إلى نحو 170 ألف جريح معظمهم أطفال ونساء.
وفي الخامس من فبراير/شباط 2021، أكدت المحكمة الجنائية الدولية ولايتها القضائية على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، بما فيها الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة .
يشرح مدير مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان في قطاع غزة، علاء السكافي، آليات الرصد، بقوله إن الباحثين الميدانيين لمؤسسته، وأيضا للمؤسسات الحقوقية الأخرى، يجمعون الشهادات المشفوعة بالقسم من الضحايا وشهود العيان، حول جريمة الإبادة الجماعية، ويتم توثيقها.
ويلفت إلى أن طواقم المؤسسات الحقوقية الميدانية تحصل على الشهادات والإفادات، وكذلك فيديوهات تم توثيقها من صحفيين ومواطنين، ويتم تحديد أماكن هذه الاعتداءات عبر نظام التموضع العالمي المعروف اختصارا بـ"جي بي إس" (GPS) وجمع كافة المعلومات الشخصية وتحديد الجهات التي اعتدت، والحصول على كافة أدوات الجريمة كأنواع الأسلحة المستخدمة، ويتم الطلب من الجهات المختصة الحكومية كافة الوثائق التي تدعم إثبات قتل الأفراد أو التسبب بأذى جسدي أو عقلي للأفراد.
وذكر السكافي أن الطواقم أيضا تعمل على الحصول على شهادات تثبت عمليات القتل أو التدمير من الجهات المختصة كوزارة الصحة والجهات الحكومية الأخرى.
وبعد جمع الإفادات والمعلومات -يضيف الحقوقي الفلسطيني- يتم تجهيز ملف قانوني يشرح بشكل مسهب المسببات والدوافع مع البيانات والأدلة التي تثبت أن الاحتلال مارس هذه الجريمة بشكل مقصود ومتعمد، ومن ثم نقل هذه المعلومات والإفادات والوثائق إلى الجهات الدولية ذات العلاقة، ولا سيما المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية، والجهات ووكالات الأمم المتحدة المعنية كالمقررين الخواص ومجلس حقوق الإنسان.
حول كيفية تحويل السجلات والوثائق إلى أساس للمرافعات والدعاوى أمام المحافل الدولية، يوضح السكافي أن هذا الأمر يتم عبر أشكال عدة:
وعلى سبيل المثال، يضيف السكافي "في حادث قتل الصحفيين في مستشفى ناصر بخان يونس (بتاريخ 25 أغسطس/آب 2025) أرسلنا كافة المعلومات حول الجريمة عبر الرابط، وحددنا موقعها بواسطة نظام جي بي إس وطلبنا من المدعي العام للجنائية الدولية فتح تحقيق في هذه الحادثة وننتظر الرد".
ومثالا على ذلك، فإن مؤسسة الضمير أعدت ملفا حول القتلى وضحايا التعذيب داخل مراكز الاحتجاز والمعتقلات الإسرائيلية خلال الحرب، وضم الملف إقرارا رسميا من قبل جيش الاحتلال باحتجاز القتلى وأنهم قضوا خلال احتجازهم، فقد "طلب مفوض المكتب السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة منا هذه المعلومات، ونحن أرسلناها له".
من جهته، يقول مدير دائرة القانون الدولي بهيئة مقاومة الجدار والاستيطان حسن بريجية إن انتهاكات الاحتلال في الضفة الغربية بما فيها القدس أغلبها ملفات يمكن التوجه بها للمحاكم الدولية، وفق إجراءات وبروتوكول متعارف عليه.
فعلى سبيل المثال، يوضح للجزيرة نت أنه في حالة تهجير التجمعات الفلسطينية، يقوم الضحايا أو أحدهم بفتح ملف توثيقي خاص لدى مؤسسة حقوقية مختصة ومعترف بها محليا ودوليا، تقوم بدورها بالتأكد من صحة الملف وسلامته القانونية، وعند تجهيز ملف أي جريمة لا بد من توافر 3 أركان:
وأشار بريجية إلى أن توثيقات المواطنين والناشطين الميدانيين وأحيانا المواد الإعلامية كإثباتات مهمة في تجهيز الملفات.
ويقول الخبير في القانون الدولي إن الخطوة التالية بعد تجهيز الملف تكون بتقديمه للمنظمات والمحاكم الدولية إما بشكل مباشر أو عبر البريد الإلكتروني.
وأشار إلى أن النظام الهيكلي للمحكمة الجنائية الدولية -مثلا- يتكون من 3 مستويات: سكرتير المحكمة، النائب العام والمجلس الاستشاري، موضحا أن السكرتير العام يستقبل الملفات التي تصله، وإذا كانت الأركان مطابقة ومكتملة وترقى لمستوى جريمة حرب يحوّلها للنائب العام ليتخذ بدوره إجراءاته.
وذكر بريجية أن الملفات التي ترد السكرتير العام بتوصية من مجلس الأمن أو من دولة عضو بالأمم المتحدة وتتعلق بجرائم الحرب، كما في جريمة الإبادة في غزة وإصدار أوامر اعتقال لمسؤولين إسرائيليين والتي قدمتها جنوب أفريقيا ، ترفع مباشرة من السكرتير إلى النائب العام.
وأشار إلى عدة عوامل تحدد إن كانت الجريمة المركبة مثلا إبادة جماعية أم لا، ومنها مبدأ النسبة والتناسب في القوة، التمييز بين العسكري والمدني، والتمكين، بمعنى هل مكنت الدول نفسها وطورت أدواتها بما يمكنها من استهداف العسكريين دون المس بالمدنيين؟
وعن تأثير قرار واشنطن معاقبة منظمات فلسطينية لدورها في تجهيز ورفع ملفات للمحاكم الدولية بجرائم الاحتلال، قال إنه يؤثر بالطبع على أداء تلك المنظمات وتحرك مسؤوليها، لكن إمكانية الملاحقة تبقى مفتوحة وتتحسن في حال غادر دونالد ترامب البيت الأبيض وألغي القرار.
وفي الخامس من سبتمبر/أيلول الماضي، فرضت الإدارة الأميركية عقوبات على 3 مؤسسات حقوقية فلسطينية هي: مؤسسة الحق ومركز الميزان، والمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان بذريعة "الانخراط المباشر في جهود المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق أو الاعتقال أو الاحتجاز أو محاكمة إسرائيليين دون موافقة إسرائيل ".