في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
واشنطن- مثّل تغيير عدد متزايد من الدول الحليفة ل لولايات المتحدة موقفها من إقامة دولة فلسطينية، واعترافها بها بعد عقود من التردد، ضربة دبلوماسية لإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب .
وضاعف من صدمة الضربة صدور بيانات الاعتراف المتتالية من دول بعضها شديدة القرب من واشنطن ، إذ تجمعها -إضافة للعلاقات الجيو إستراتيجية العميقة- رابطة ثقافية قوية تتمثل في اللغة الإنجليزية، والتقارب الفكري والثقافي والديني.
وأعلنت أستراليا و كندا و المملكة المتحدة و البرتغال -أمس الأحد- الاعتراف رسميا بالدولة الفلسطينية، ويتوقع أن تنضم فرنسا وعدة دول أخرى لإعلانات مماثلة.
ومنذ اتفاق أوسلو عام 1993، أعرب كل رئيس أميركي، باستثناء ترامب، عن دعمه لعملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، ومنذ عام 2002 دعمت واشنطن ما بات يُعرف بـ" حل الدولتين " بعد إعلان الرئيس جورج بوش الإبن رؤيته القائمة على "دولتين تعيشان جنبا إلى جنب بسلام".
ودعم الرؤساء الديمقراطيون باراك أوباما وجو بايدن ، والرئيس الجمهوري جورج بوش ، فكرة حل الدولتين ، ومع ذلك، لم يلتزم أي رئيس بالاعتراف الأميركي من جانب واحد بدولة فلسطينية مستقلة قبل اتفاق سلام تفاوضي مع إسرائيل.
وبعد 7 أكتوبر /تشرين الأول 2023، لم يتخذ الرئيسان بايدن وترامب موقفا قاطعا بشأن دعم إقامة دولة فلسطينية. في المقابل، أظهر استطلاع أجرته وكالة رويترز في أغسطس/آب الماضي أن ما يقارب 60% من الأميركيين يعتقدون أن جميع أعضاء الأمم المتحدة يجب أن يعترفوا بدولة فلسطينية.
ويأتي الاعتراف الغربي من حلفاء أميركا في أعقاب اجتماع رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر مع الرئيس ترامب الأسبوع الماضي.
وبعد اجتماعهما، قال ترامب إنه يريد إنهاء الحرب في غزة ، لكنه لم يوافق على خطط الاعتراف بفلسطين كدولة، وأضاف خلال مؤتمر صحفي "لدي خلاف مع رئيس الوزراء حول هذه القضية".
وحتى أمس الأول، كانت أغلبية الدول الأعضاء الخمسة -باستثناء روسيا و الصين – في مجلس الأمن الدولي ترفض الاعتراف بالدولة الفلسطينية، مقابل رفض أميركا وبريطانيا وفرنسا للدولة الفلسطينية، وباعتراف الدولتين الأخيرتين تكون كفة الأغلبية قد انتقلت لصالح الدولة الفلسطينية، ولم يتبقَ غير أميركا لم تعترف بعد ب فلسطين .
وفي الجمعية العامة للأمم المتحدة ، سيقترب عدد الدول المعترفة بفلسطين إلى 160 دولة من إجمالي 193 عضوا بالمنظمة، وهو ما يزيد من الضغط والحرج على الدول غير المعترفة بفلسطين.
وهاجم الخبير بمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، المعروفة بقربها من تبني مواقف من الحكومة الإسرائيلية، ديفيد ماي، موقف الدول المعترفة بفلسطين.
وقال "لقد كافأت المملكة المتحدة وأستراليا وكندا إستراتيجية حركة المقاومة الاسلامية ( حماس ) لتعظيم معاناة الفلسطينيين من أجل تحقيق مكاسب سياسية، وقد يروق هذا للجماهير المحلية، لكنه لن يجعل السلام أكثر احتمالا، لا يمكن للمكاسب الورقية أن تتجاهل ترويج السلطة الفلسطينية للعنف والفساد وعدم شعبيتها وانعدام شرعيتها".
كما عبر السيناتور الجمهوري من ولاية كارولينا الجنوبية ليندسي غراهام، عن غضبه من إعلان دول حليفة اعترافها بفلسطين، وغرَّد على منصة إكس يقول "بعد 80 عاما من نهاية الحرب العالمية الثانية ، حيث قتل أكثر من 6 ملايين يهودي على يد النازيين لمجرد كونهم يهودا، يكافئ ما يُسمى بالعالم المتحضر النازيين المتدينين في العصر الحديث باعتراف تعسفي بالدولة الفلسطينية".
وفي حين يشير معلقون إلى أن تدهور الوضع في غزة سبب هذا التحول في موقف الدول الغربية، أرجع خبراء أميركيون خطوة الاعتراف إلى السياسات الداخلية لكل دولة.
وترجع بعض الدوائر البحثية في واشنطن سلسة الاعترافات بالدولة الفلسطينية إلى ما يرونه "ضغوطا داخلية شديدة يتعرض لها قادة هذه الدول من شعوبهم، وكل من هذه الدول لديها ناخبون ينتقدون إسرائيل إلى حد كبير، كما أن الوضع في غزة سيئ حقا".
ويقول الخبير بمجلس العلاقات الخارجية ستيفن كوك "أعتقد أن القادة يشعرون أنهم بحاجة إلى القيام بشيء ما، لذلك قرروا الاعتراف بدولة فلسطينية".
في حين ذكر المسؤول السابق والخبير بمجلس العلاقات الخارجية، إليوت أبرامز، في مشاركة له على موقع المجلس، أن "الاعتراف بفلسطين لا يأتي من فراغ. في الغالب هو قضية سياسة خارجية في دول مثل أستراليا أو المملكة المتحدة أو فرنسا، حيث يفوق عدد المسلمين عدد اليهود بنسبة 10 إلى 1 أو أكثر. من هنا هي خطوة سياسية محلية تهدف إلى جذب كتلة التصويت المسلمة".
ترامب: علينا تذكر 7 أكتوبر وأختلف مع رئيس الوزراء البريطاني بشأن الاعتراف بدولة فلسطينية#الجزيرة_مباشر pic.twitter.com/6aQwwEnYzt
— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) September 18, 2025
ووبّخت إدارة دونالد ترامب الاعترافات الأخيرة بالدولة الفلسطينية، ووصفتها بأنها "صفعة على وجه ضحايا هجمات 7 أكتوبر ومكافأة للإرهاب"، مؤكدة أنها "لن تشارك في هذه الإهانة، بل ستستمر في قيادة جهود العالم الحقيقي لإنهاء القتال".
وتماشيا مع هذا الموقف، أوقفت إدارة ترامب إصدار معظم أنواع تأشيرات الزيارة لحاملي جوازات السفر الفلسطينية اعتبارا من أغسطس/آب الماضي.
ومنع القرار الفلسطينيين، بمن فيهم الرئيس محمود عباس وكبار المسؤولين فعليا من حضور الجمعية العامة للأمم المتحدة. وقال متحدث باسم وزارة الخارجية إن هذه الخطوة تتماشى مع مصالح الأمن القومي الأميركي.
وفي حديث للجزيرة نت، قال نائب وزير الخارجية السابق لشؤون الشرق الأوسط، والخبير حاليا بالمجلس الأطلسي السفير ديفيد ماك، إن "اعتراف حلفاء واشنطن بدولة فلسطينية بالرغم من معارضة أميركا شيء جيد. وإلى جانب خدمة مصالحهم الخاصة، فإن الاعتراف بالدولة الفلسطينية يستجيب لآراء الغالبية العظمى من شعوبهم".
ولم يستبعد المسؤول السابق ب مجلس الأمن القومي ، والخبير حاليا بالمركز العربي بواشنطن، تشارلز دان، أن "يتجه ترامب إلى تبني إجراءات عقابية على هذه الدول، بما في ذلك فرض تعريفات جمركية أعلى".
كما استبعد تشارلز في حديث للجزيرة نت "أن يغير ترامب موقفه نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية بعدما فعل كل ما في وسعه لجعل ذلك مستحيلا خلال فترة حكمه الأولى، وخلال الأشهر الـ8 من حكمه الثاني".
من جهته، ندَّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو -المطلوب ل لمحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة- بالاعترافات الدولية بالدولة الفلسطينية، وقال نتنياهو "لدي رسالة واضحة لأولئك القادة الذين يعترفون بدولة فلسطينية بعد مذبحة 7 أكتوبر الرهيبة: أنتم تعطون مكافأة كبيرة للإرهاب".
وأضاف "الرد على المحاولة الأخيرة لفرض دولة إرهابية علينا في قلب بلدنا سيتم إعلانه بعد عودتي من الولايات المتحدة، سننتظر".
ودون دعم ترامب، ليس أمام نتنياهو سوى خيارات قليلة لكيفية رد إسرائيل. ولكن مع هذا الدعم -الذي يشير نتنياهو بوضوح إلى أنه سيحصل عليه- يشعر الأخير أنه قادر على فعل أي شيء تقريبا، تحت غطاء ودعم ومباركة من الرئيس ترامب.
وفي الوقت الذي تُظهر فيه مسألة الاعتراف بالدولة الفلسطينية مدى الدعم الأميركي لإسرائيل، أظهرت أيضا حدود نفوذ واشنطن حول العالم.
وخلال زيارته إلى إسرائيل الأسبوع الماضي، قال وزير الخارجية ماركو روبيو إنه تحدث مع الدول التي من المقرر أن تعترف بفلسطين لمحاولة إقناعها بأن هذه الخطوة تأتي بنتائج عكسية، مضيفا "لقد عبّرت عن ذلك لهم في مناسبات متعددة". لكن أيا من الدول التي قالت إنها ستعترف بدولة فلسطين لم تغير سياستها.