داخل ثلاجة الموتى بمستشفى ناصر جنوب قطاع غزة ، سُجيت جثامين 4 أجنة و3 أطفال خدج فقدوا حياتهم الاثنين، في مشهد يعكس مأساة الفلسطينيين جراء التجويع الإسرائيلي الممنهج والحصار المشدد الذي حرم هؤلاء وأمهاتهم من الوصول للغذاء والدواء والرعاية المناسبة.
هذا المشهد، عده مسؤول طبي فلسطيني مؤشرا خطيرا على تزايد وفيات سوء التغذية وارتفاع الإجهاض بين الحوامل بفعل التجويع الإسرائيلي رغم الرفض الدولي.
ووفق وزارة الصحة بغزة، يعاني آلاف الفلسطينيين، بينهم أطفال، من سوء تغذية حاد منذ أن شددت إسرائيل حصارها في مارس/آذار الماضي وأغلقت المعابر مانعة دخول الغذاء والدواء والمساعدات.
وفي آخر الإحصاءات -وفق بيان صحة غزة اليوم الجمعة- فقد ارتفع عدد وفيات سياسة التجويع الإسرائيلية إلى 440 بينهم 147 طفلا منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 بعد وفاة 4 منهم خلال 24 ساعة.
وحتى الذين يبحثون عن المساعدات، لم يسلموا من نيران الاحتلال، فقد أعلنت وزارة الصحة ارتفاع حصيلة الضحايا الفلسطينيين من منتظري المساعدات منذ 27 مايو/أيار الماضي إلى 2512 شهيدا، وأكثر من 18 الفا و431 مصابا، جراء الهجمات الإسرائيلية.
ومنذ 20 يوليو/تموز الماضي، حين بدأت وزارة الصحة تسجيل الوفيات وحتى الاثنين، ارتفعت حصيلة ضحايا سوء التغذية منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 من 86 حالة، إلى 440 حالة بينهم 147 طفلا.
وبذلك، يكون معدل زيادة وفيات سوء التغذية ارتفع بنسبة 394% منذ 20 يوليو/تموز الماضي، في حين قفز معدل زيادة وفيات الأطفال عن حاجز 90%.
وتسمح إسرائيل أحيانا بدخول كميات شحيحة جدا من المساعدات لا تلبي الحد الأدنى من احتياجات المجوعين ولا تنهي المجاعة، لا سيما مع تعرض معظم الشاحنات للسطو من عصابات تقول حكومة غزة إن إسرائيل تحميها.
ويقول فلسطينيون إن المساعدات المسروقة تباع بأسعار مرتفعة تفوق قدرتهم الشرائية، بعدما حولتهم الإبادة إلى فقراء.
وقد أسهمت سياسة التجويع بارتفاع حالات الإجهاض وموت الأجنة، حيث قال أحمد الفرا مدير مبنى الأطفال في مستشفى ناصر للأناضول، إن معظم الأمهات اللواتي أجهضن كن مصابات بفقر دم بسبب سوء التغذية، مشيرا إلى أن 70% من أصل 55 ألف حامل في غزة يعانين منه.
وأضاف أن سوء التغذية يقترن أيضا بـالوضع النفسي السيئ للحوامل الناتج عن استمرار الإبادة والظروف القاسية للنزوح المتكرر، مما يزيد من مخاطر الإجهاض.
ولفت إلى أن المستشفى استقبل الجمعة الماضي سيدة أجهضت في شهرها السابع، بعد نزوحها من مدينة غزة في ظروف مأساوية وتعرضها للإرهاق الشديد.
وأشار إلى أن الحوامل يعانين من نقص المكملات الغذائية والفيتامينات بسبب إغلاق إسرائيل المعابر وصعوبة الوصول إلى المستشفيات، وهو ما يزيد من مخاطر الإجهاض.
وحذر الفرا من ارتفاع وفيات سوء التغذية في سبتمبر/أيلول الجاري بسبب استمرار الحصار الإسرائيلي المشدد أمام المساعدات الإغاثية.
وأضاف أن وفيات سوء التغذية تضاعفت في أغسطس/آب، ومن المتوقع استمرارها في سبتمبر/أيلول الجاري، موضحا أن المساعدات لا تلبي سوى 10%من الاحتياج وتفتقر للبروتينات والألبان.
وأشار المسؤول الفلسطيني إلى أن عيادة المستشفى كانت تستقبل يوميا 20-30 حالة سوء تغذية قبل إغلاق المعابر، وارتفع العدد حاليا إلى 120-140 بينها عشرات بالحالة الحادة.
وحذر من أوضاع كارثية في مستشفى ناصر بسبب الاكتظاظ، ما اضطره لوضع المرضى في الممرات.
الطفل قاسم زنون، أحد الأطفال المصابين بسوء تغذية حاد، يرقد على فرشة أرضية في مستشفى ناصر، حيث تبرز أضلاعه وعموده الفقري.
والدة قاسم (لم تذكر اسمها) تقول إن سوء التغذية تسبب بإصابة طفلها بـنقص في البروتين الذي تسبب بفقدانه للكتلة العضلية وضعف بالنمو واضطرابات في وظائف عدة أعضاء حيوية، في ظل منع إسرائيل إدخال أدوية.
واكتشف الأطباء إصابة الطفل بحساسية القمح التي فاقمها سوء التغذية ونقص الأدوية، بحسب والدته.
في القسم نفسه، ترقد الطفلة أرجوان الدهيني (4 سنوات) بجسد نحيل لا يزيد وزنه عن 5 كيلوغرامات، مصابة بسوء تغذية حاد.
حنين أبو عدوان، والدة أرجوان تقول إن سوء التغذية تسبب بإصابة طفلتها بنقص في البروتين والبوتاسيوم وحموضة في الدم إضافة لخلل في قنوات الكلى.
وأوضحت الأم أنها منذ عام ونصف تقضي أوقاتا طويلة في المستشفى على أمل تحسن الحالة الصحية لطفلتها لكن دون جدوى.
ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ترتكب إسرائيل بدعم أميركي إبادة جماعية بغزة تشمل قتلا وتجويعا وتدميرا وتهجيرا، متجاهلة النداءات الدولية وأوامر لمحكمة العدل الدولية بوقفها.
وقد خلفت الإبادة الجماعية 65 ألفا و141 شهيدا، و165 ألفا و925 جريحا من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، ومئات آلاف النازحين، ومجاعة أزهقت أرواح 435 فلسطينيا بينهم 147 طفلا.