آخر الأخبار

ماذا وراء ملاحقة الاحتلال لرؤساء بلديات الضفة؟

شارك





رام الله- في غضون أقل من شهر، اعتقلت سلطات الاحتلال الإسرائيلي 4 رؤساء بلديات في الضفة الغربية ، أُفرج عن 3 منهم بعد اعتقالهم لفترات متفاوتة، بينما حُول رابع للاعتقال الإداري.

لا يمكن النظر لهذه الاعتقالات بمعزل عما تشهده الضفة الغربية من تصعيد إسرائيلي سواء من قبل المستوطنين، أو من قبل المستويات الرسمية للهيمنة على الضفة وضمها وفرض السيادة الإسرائيلية عليها.

ووفق خبير سياسي، فإن تلك الاعتقالات تمهد لما هو قادم من حيث رسم مشهد الضفة بالشكل الذي لا يتعارض مع وجود الاحتلال ويقتصر فيه دور البلديات على تقديم الخدمات، وسلخها عن أي بعد وطني.

مصدر الصورة أبو عليا تعرض للاعتقال والتنكيل والضرب خلال 9 أيام (الجزيرة)

الاعتقالات والتُّهم

لم تكن الاعتقالات في الفترة الأخيرة، هي الأولى في تاريخ الصراع مع الاحتلال، فقد اعتقل وأبعد رؤساء بلديات محسوبين على منظمة التحرير الفلسطينية ، في انتخابات نظمها الاحتلال عام 1967، وخسر فيها مرشحيه.

كما اعتُقل عدد من رؤساء البلديات، إلى جانب نواب المجلس التشريعي المنتخبين عام 2006 وما بعده، وبعضهم عدة مرات.

لكن موجة من اعتقالات بدأت في أغسطس/آب الماضي، باعتقال أمين أبو عليا رئيس المجلس القروي لقرية المغيّر، شمال شرق مدينة رام الله وذلك في 23 أغسطس/آب، ومكث في الاعتقال 9 أيام قاسية.

ووفقا لرئيس البلدية المحرر، فإن الاعتقال رسالة تحذيرية له ولباقي رؤساء البلديات بعدم التطرق للقضايا الوطنية ومعاناة الناس.

وأضاف في حديثه للجزيرة نت "اتهموني بالتحريض، ويريدون منا أن نتحدث بلسانهم، بما في ذلك منعنا من النطق بكلمة "شهيد" وإنما وصف الشهداء بالإرهابيين، يريدون منعنا من ذكر القضية الفلسطينية ونقل معاناة الناس وآلامهم".

وتابع "يريدون منها أن نتحدث وكأننا رؤساء بلديات نتبع الإدارة المدنية (تابعة للجيش)، فهم يعتبرون مجرد ذكر اسم الشهيد أو التطرق للاحتلال وذكر اعتداءات المستوطنين تحريضا".

إعلان

وأشار إلى تعرضه خلال الاعتقال للشتم والإهانة المبالغ فيها والضرب القاسي والشديد والعنيف وبمختلف الأدوات طوال فترة الاعتقال.

تفاصيل مرعبة

روى أبو عليا تفاصيل مرعبة عن تجربته "اعتُقلت يوم السبت الساعة السابعة مساء، وبقيت مقيد اليدين ومعصوب العينين دون طعام أو شراب، وفي حركة تنقل مستمرة بالمركبات العسكرية، لا أعلم مكان وجودي حتى الساعة الثالثة من فجر الاثنين".

وتابع "في هذه الساعة وصلت سجن مجدو (شمالي إسرائيل ) وهناك أنزلني 4 جنود في بداية العشرينيات من العمر من نافذة مركبة الشرطة، وانهالوا علي بالضرب في كل أنحاء جسمي وبكل الطرق والوسائل لفترة ما بين 15 و 20 دقيقة".

وأضاف أنه نُقل فور وصوله إلى غرفة صغيرة بجوار سلة للنفايات "أجبروني على خلع ملابسي بالكامل وألقوا بها في سلة النفايات، بقيت عاريا تماما، ثم عاودوا الضرب لفترة تصل إلى نصف ساعة، بعدها ألقوا بي أرضا على ظهري ثم قام جندي بالدعس على رقبتي وآخر بحلق شاربي، ثم وضعوا رأسي في سلة النفايات وحلقوا شعري".

وقال أبو عليا إن السجانين أعطوه ملابس صغيرة جدا ثم قيدوا يديه مجددا ونقلوه إلى غرف السجن مع نصف فرشة بالية ونتنة "ومن خلال ممر يصل طوله إلى 100 متر، تعرضت فيه للضرب، وجدت أمامي 9 أسرى لا يملكون سوى ملابسهم وينامون على الأرض أو الأبراش (أسِرة) دون فرشات".

أشار أبو عليا إلى تكرار واقعة الضرب خلال مغادرته لحضور جلسات المحاكمة مع آخرين "نحو 14 جنديا اقتحموا علينا غرفة الانتظار بما يحملون من عصي وأسلحة ومتاريس، واعتدوا علينا دون سابق إنذار، فقد خلال الضرب 4 طواحين".

مصدر الصورة رئيس بلدية الخليل تيسير أبو اسنينة حُول للاعتقال الإداري (بلدية الخليل)

اعتقال سبقه تحريض

الاعتقال الثاني لرؤساء البلديات كان في الثاني من سبتمبر/أيلول حيث اعتقلت سلطات الاحتلال تيسير أبو اسنينة (71عاما) رئيس بلدية الخليل ، كبرى مدن الضفة الغربية، وبعد نحو أسبوع أصدرت بحقه أمر اعتقال إداري، وهو اعتقال لعدة أشهر قابلة للتمديد، بموجب ملف سري ودون لائحة اتهام أو سقف زمني.

ووفق بيان مشترك لهيئة شؤون الأسرى ونادي الأسير فإن تحويل أبو اسنينة للاعتقال الإداري "يأتي في إطار سياسة الانتقام الجماعي (…) بحق الشخصيات الوطنية الفاعلة والمؤثرة"

بينما قالت إذاعة الجيش الإسرائيلي في حينه إن أبو اسنينة حُول للاعتقال الإداري "للاشتباه في التحريض على الإرهاب".

وسبق اعتقال أبو اسنينة حملة تحريض واسعة من قبل المستوطنين على شبكات التواصل الاجتماعي، باعتباره أحد المشاركين في "عملية الدبويا" وسط مدينة الخليل عام 1982، والتي أدت حينها إلى مقتل 7 جنود وإصابة عدد آخر، أُبعد على إثرها أبو اسنينة ورفاقه خارج فلسطين قبل أن يعودوا بعد اتفاق أوسلو .

الاعتقال الثالث كان في 10 سبتمبر/أيلول لرئيس بلدية قرية القبيبة، شمال غرب القدس ، نافذ حمودة، وذلك بعد وقت قصير من وقوع عملية في القدس أسفرت عن قتلى وجرحى إسرائيليين، وتم إطلاق سراحه بعد ساعات.

إعلان

وفي 11 من نفس الشهر، اعتقل الاحتلال رئيس بلدية بلدة سيلة الظهر بمحافظة جنين، شمالي الضفة الغربية، عبد الفتاح أبو علي، وأفرج عنه بعد ساعات.

مصدر الصورة نافذ حمودة اعتُقل ضمن حملة اعتقالات واسعة في قرية القبيبة وأفرج عنه في نفس اليوم (الجزيرة)

خطوة مدروسة

في تفسيره لملاحقة واعتقال رؤساء البلديات، يرى المحلل السياسي سليمان بشارات، أنها "خطوة مدروسة وقد تكون متدرجة" غير مستبعد أن تطال رؤساء البلديات ممن لديهم تاريخ وطني ونضالي أو قريبون من مجتمعاهم.

واعتبر في حديثه للجزيرة نت ما يجري "ترويضا مباشرا" لممثلي ورؤساء البلديات على اعتبار أنهم العنوان الأقرب لتقديم الخدمات الأساسية للمواطن الفلسطيني، بحيث يقتصر دورهم على ممارسة أدوارهم الخدماتية دون أي بعد وطني أو هوية وطنية.

وبالتالي -يتابع بشارات- على الأرض تجري عملية تفريغ لمفهوم الهوية الوطنية للمؤسسات حتى الخدماتية منها، مستشهدا بتجربة روابط القرى الفاشلة التي حاولت سلطات الاحتلال تمريرها أوائل الثمانينيات، ثم تنصيب المخاتير ورجال العشائر ليكونوا بمثابة حلقة الوصل والظل للحكم العسكري في المنطقة وتنفيذ سياساته بشكل كامل.



سببان لهندسة الوعي

ضمن خطط جاهزة، يقول المحلل الفلسطيني إن الاحتلال الإسرائيلي يسعى اليوم لإعادة هندسة الوعي الفلسطيني لسببين: الأول قناعة الاحتلال بأن العمر الزمني والافتراضي للسلطة الفلسطينية كمظلة سياسية بدأ بالأفول والزوال، بمعنى أنه لا مظلة ولا عنوان سياسي مستقبلي للفلسطينيين، وإنما إدارات محلية تكون أقرب لتطبيق سياساته.

أما السبب الثاني فهو الدفع لانتخاب أو تعيين شخصيات في البلديات بعيدة كل البعد عن الهم الوطني وهمّها الأساس كيفية تقديم الخدمات الأساسية دون وجود خطوط حمر، وهذا ينطبق على النقابات التي اعتقل أبرز رموزها.

لكن لماذا البلديات والنقابات؟ هنا يوضح بشارات أنهما تشكلان آخر التكتلات الوطنية الموجودة في الضفة الغربية بعد منع الانتخابات التشريعية وحل المجلس التشريعي المنتخب عام 2006، وغياب أي أفق لإجراء أي انتخابات، "وبالتالي البلديات والنقابات هي الدائرة الوطنية الأخيرة التي يحاول الاحتلال تفكيكها".

ويشير المحلل الفلسطيني إلى أن بدايات هذا التفكيك كان في الغرف التجارية وملتقيات رجال الأعمال التي بات يتواصل أغلبها وينسق مع الإدارة المدنية مباشرة، بعد أن كان التواصل عن طريق الارتباط وهو حلقة الوصل بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل.

وفي حال جرت أي انتخابات أو تعيين مجالس بلدية في الضفة مستقبلا، يرجح بشارات أن تكون "على المقاس" وبالتالي وصول شخصيات مقبولة أو مرضيّ عنها من قبل الإدارة المدنية لأداء دور خدماتي بحت، وملاحقة واستبعاد ذوي البعد الوطني والتاريخ النضالي.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا