آخر الأخبار

صحفي في غزة: أتمنى لو أنقل لأبنائي ذكريات تركها لي والداي

شارك

كتب رامي أبو جاموس في مذكراته لموقع "أوريان 21″، أنه يريد مشاركة ذكرياته التي كان يتمنى نقلها إلى أبنائه، مع قراء الموقع حتى تبقى في ذاكرتهم بعد تدميرها المادي.

في يوم الخميس 11 سبتمبر/أيلول 2025، قال رامي أبو جاموس إنه قد مرّ أسبوع تقريبا منذ أن أمرهم جيش الاحتلال بمغادرة مدينة غزة ، مشيرا إلى أنه بدأ بالفعل يحاصرها، وأن إستراتيجيته الجديدة هي التهجير بالقصف، لأن السكان لم يستجيبوا لأوامر الإخلاء المتكررة.

اقرأ أيضا

list of 2 items
* list 1 of 2 أوريان 21: هكذا غطّت أوروبا عمليات اغتيال الفلسطينيين على أراضيها
* list 2 of 2 محللون إسرائيليون: قصف قطر قرصنة وحشية ونتنياهو جعل العالم كله ضدنا end of list

ويمنح الجيش الإسرائيلي 15 دقيقة إلى 30 في أحسن الأحوال لمغادرة المنازل، ثم يدمر المبنى، وقد دمر بالفعل الأبراج واحدا تلو الآخر في شمال المدينة، في حي الشيخ رضوان ، وفي شرقها في الشجاعية و حي الزيتون ، وفي حي الصبرة جنوبها.

مصدر الصورة تدمير جيش الاحتلال لبناية الرؤية في غزة (الجزيرة)

ولأننا نسمي كل بناء زاد على 9 طوابق برجا، أدرك سكان المباني المتعددة الطوابق أنهم على موعد مع المجهول.

وبدأوا بالتحرك دون انتظار الأوامر، حتى لا يخسروا كل شيء، وبذلك نجحت إستراتيجية الاحتلال، وفر السكان غربا، لكن الدمار بدأ هناك أيضا، علما أن تدمير برج واحد يعني تشريد 40 أو 50 عائلة، أي ما بين 300 و400 شخص.

كل شيء دفعة واحدة

أخبرت صباح- وهي زوجته- أننا سنحزم بعض الحقائب بمستلزمات الأطفال، كما يقول رامي أبو جاموس، فقالت لم لا نفعل ما تنصح به الجميع؟ لم لا تنقل أثاث غرفة النوم إلى مستودع في الجنوب، وبهذه الطريقة يمكننا استعادته بعد الحرب؟".

أخبرت صباح أن نجاح إسرائيل في إخراجنا من المدينة، يعني أننا في النهاية سوف نرحل إلى بلد أجنبي، لذا لا جدوى من نقل الأثاث، وأنا أُفضل أن أخسر كل شيء دفعة واحدة".

الإسرائيليون يعرفون كل هذا. يعرفون تعلقنا بالأرض، لهذا السبب يهاجمون المنازل وأشجار الزيتون

ولتبرير هذا القرار، قال رامي أبو جاموس إن سببه صعوبة الاختيار بين ما نأخذ وما نترك، لأن البيت ليس مجرد خرسانة وأثاث، بل هو تاريخنا وذاكرتنا وعائلتنا، وبالتالي فهدم هذه البيوت جزء من إستراتيجية إسرائيل لاقتلاعنا من جذورنا، ولذلك بمجرد اتهام أي فلسطيني يهدم منزله على الفور.

إعلان

الأمر يشبه تدمير أشجار الزيتون -حسب أبو جاموس- فهي بالنسبة لنا كالأطفال، تكبر معنا جيلا بعد جيل، وبعضها أكبر من دولة إسرائيل، والإسرائيليون يعرفون كل هذا، يعرفون تعلقنا بالأرض، لهذا السبب يهاجمون المنازل وأشجار الزيتون.

لن تكون هناك عودة

لن آخذ معي تذكاراتي أيضا -يقول أبو جاموس- حتى الآن كنت أحتفظ بنصفها في الشقة، والنصف الآخر في محل العطور الذي افتتحته مع والدتي عام 2017، عندما تركت وظيفتي كمنسق صحفي بسبب بعض المشاكل.

في كل الحروب كان عليك دائما أن تكون مستعدا للمغادرة بسرعة، ولكن مع فكرة العودة، وبتقسيم الأشياء إلى موقعين مختلفين، كنت متأكدا تماما من أنني سأحتفظ بنصفها على الأقل، لكن هذه المرة لن تكون هناك عودة، أعلم أن كل شيء سيدمر.

ويسرد أبو جاموس ذكريات طفولته التي بدأ يرويها لزوجته: صور الوالدين وصور أعياد ميلاده وإخوته، وصورهم عندما كانوا أطفالا في المدرسة، ثم ذكريات حياتهم في تونس، وذكريات دراسته في فرنسا.

لا أستطيع الاختيار، كل شيء عزيز علي، إما أن آخذ كل شيء أو أترك كل شيء. وأخذ كل شيء مستحيل، وقت الهروب يجب ألا نثقل كاهلنا.

فتح تذكارات والده، وهو أحد مؤسسي وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا"، ثم الساعة التي أهداه إياها رئيس اليمن وآثارا تاريخية، كمسجل الكاسيت الصغير الخاص بالوالد مع تسجيلات لخطابات الزعيم الراحل ياسر عرفات ، وجهاز الفاكس الخاص بالوكالة.

أريت كل هذا لصباح والدموع تملأ عيني -كما يقول أبو جاموس- كانت المرة الأولى والأخيرة، لأنني لا أستطيع الاختيار، كل شيء عزيز علي، إما أن آخذ كل شيء أو أترك كل شيء، وأخذ كل شيء مستحيل، وقت الهروب يجب ألا نثقل كاهلنا.

مصدر الصورة تصاعد سحب الدخان والغبار الكثيف لحظة انهيار برج مشتهى وسط غزة (الجزيرة)

كنت سأري الأولاد صوري

أعلم أنه بمحو كل هذه الذكريات، سيقطع الإسرائيليون تواصل الأجيال -كما يقول الكاتب- كان والدنا يرينا الصور ويعلق عليها، وحلمت أن أفعل ذلك مع أطفالي عندما يكبرون قليلا، كنت سأريهم صوري في لبنان، ثم في تونس وفرنسا و غزة ، وصور أجدادهم.

هناك أيضا مجوهرات أمي، الخاتم والقلادة اللذان أهداها والدي لها في حفل زفافهما، سآخذهما معي، فكل هذا يشكل قصتنا، وهو جزء من تاريخ الشتات الفلسطيني، منذ أن طرد والداي عام 1948 ثم عام 1967.

كان جدي لأمي تاجرا من يافا، وحصل على الجنسية اللبنانية قبل عام 1948، وعندما طرد عام النكبة استقر هناك.

ولدت أمي هناك، وفي لبنان التقت بأبي الذي كان أصله من نابلس، وطرد مع عائلته عام 1967 إلى الأردن قبل أن يذهب للدراسة في بيروت.

قررت البقاء هنا في برجنا حتى اللحظة الأخيرة، إنها طريقتي في المقاومة وتأكيد انتمائي لهذه الأرض، لهذه الرابطة الثقافية والعائلية، لهذه الذاكرة المتواصلة، ما دام هناك فلسطينيون ستبقى فلسطين

استطاع والدي أن يحمل معه كل شيء خلال منفاه، حين رافق منظمة التحرير الفلسطينية وياسر عرفات من بيروت إلى تونس، ثم من تونس إلى غزة عام 1994، عندما استقر عرفات هناك بعد اتفاقيات أوسلو، وبذلك ضمن والدي استمرارية تاريخ العائلة.

ولكن الأمر سينتهي الآن، لا أستطيع الاختيار، كل هذا سيدمر، أعرف جيدا مدينة غزة، فهي الجدار الأخير قبل الترحيل، إذا سقط هذا الجدار، ستدمر المدينة بالكامل ولن نتمكن من أخذ أي شيء معنا، وسنرحل جميعا.

لهذا السبب -يقول الكاتب- قررت البقاء هنا في برجنا حتى اللحظة الأخيرة، إنها طريقتي في المقاومة، وتأكيد انتمائي لهذه الأرض، لهذه الرابطة الثقافية والعائلية، لهذه الذاكرة المتواصلة، ما دام هناك فلسطينيون، ستبقى فلسطين.

إعلان
الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا