في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
"لقد رحل العظيم، بل الأسطوري، تشارلي كيرك. لم يفهم أحد أو يمتلك قلب الشباب في الولايات المتحدة أكثر منه.. كان محبوبا من الجميع".
قبل حادثة مقتله الصادمة أثناء حضوره فعالية جامعية في ولاية تويا (غربي الولايات المتحدة)، ربما لم يسمع الكثيرون خارج الولايات المتحدة، وبالأخص في عالمنا العربي، عن تشارلي كيرك، لذلك فإن إجراءات على شاكلة خروج رئيس الولايات المتحدة بنفسه لإعلان إصابته ثم مقتله، والمبادرة إلى نعيه وإعلان الحداد العام وتنكيس الأعلام في البيت الأبيض وسائر المؤسسات الأميركية ربما تبدو مفاجئة.
لكن في الولايات المتحدة نفسها، كان كيرك وجها صاعدا معروفا في صفوف اليمين الأميركي، معروفا لدرجة أن صحيفة ذي أتلانتيك وصفته في تقرير لها في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بأنه "صانع الملوك الجديد في اليمين الأميركي".
خلال السنوات القليلة الماضية، كانت كلمات كيرك ومقاطعه تنتشر بين الشباب الأميركي كانتشار النار في الهشيم. ففي بعض المقاطع، يمكنك أن تشاهده وهو يجادل الشباب الليبرالي في الجامعات الأميركية حول قضية الإجهاض الذي يرى أنها "جريمة قتل" في حق طفل، أو وهو يعارض فكرة التحول الجنسي، أو يدافع عن حق الأميركيين البيض في حمل السلاح وينافح عن القيم المحافظة اجتماعيا، أو حتى وهو يروج ويدافع عن سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
ويجادل كيرك بأن دعم دولة الاحتلال الإسرائيلي هو واجب ديني على المسيحيين، ومؤخرا وهو ينكر الإبادة والمجاعة الإسرائيلية في غزة ويصفها بأنها "حملة دعائية" منظمة ضد إسرائيل.
ومهما كانت أفكاره وآراؤه المثيرة للجدل فقد كانت تلقى انتشارا هائلا، وتوظف بفعالية ضمن موجة الاستقطاب السياسي بين اليمين واليسار في الأوساط الشبابية والطلابية الأميركية تحت عناوين رنانة على شاكلة: "تشارلي كيرك يواجه/ يدمر طالبة نسوية" أو "تشارلي كيرك يفحم طالبا يسأله عن حق فلسطين في الوجود".
هذه المقاطع غالبا ما تقتطع من حواراته ومناظراته خلال جولاته المتعددة في الجامعات، والتي دفعت الكثيرين لوصفه بأنه يلعب دورا "تحويليا" غير مسبوق وسط صفوف اليمين الأميركي.
لكن الحقيقة -الواضحة للجميع الآن- هي أن كيرك كان أكبر بكثير من مؤثر تقليدي محافظ يتمتع بشهرة على مواقع التواصل ويكرس جهده لإفحام الطلاب المخالفين ودحض حججهم.
فتشارلي الذي ولد عام 1993 (32 عاما) ولم يدرس في الجامعة، كان واحدا من ثلة قليلة في اليمين الأميركي القادرين على مخاطبة جميع فصائل الحزب الجمهوري، إذ استطاع بحسب -ذي أتلانتيك- أن يقنع النخبة اليمينية المحافظة بأن مشروعه السياسي هو "خطة إلهية أعدها الرب".
كما أنه يمتلك حاليا -بحسب الصحيفة ذاتها- إمبراطورية سياسية وإعلامية يستخدمها بنجاح شديد في الترويج لأفكاره، وهو بحسب ماثيو بويدي، وهو أستاذ جامعة شمال جورجيا كان يعد كتابا حول تأثير كيرك، يصنف بعد دونالد ترامب نفسه، كأهم شخصية في الحركة اليمينية المحافظة في الولايات المتحدة.
وبحسب صحيفة نيويورك تايمز، فإن تشارلي كيرك قد استطاع أن يقترب من دونالد ترامب وفريقه في فترة رئاسته الأولى إلى درجة أنه زار البيت الأبيض خلالها أكثر من 100 مرة، أما في فترة رئاسته الثانية فقد لعب كيرك دورا إعلاميا وتعبويا بارزا للغاية وسط صفوف الشباب لصالح الرئيس الأميركي الحالي وهو دور اعترف ترامب بأنه كان الإنجاز الأكبر لحملته الانتخابية بعد أصوات ذوي الأصول الإسبانية.
وأكثر من ذلك كان كيرك واحدا من الحاضرين مع الرئيس الأميركي أثناء اختيار وزرائه ومستشاريه وخلال جميع وقائع تنصيبه بما في ذلك الحفل الخاص الذي أقامه ترامب في نادي الغولف الخاص به في فرجينيا قبل يومين من التنصيب.
كما استضافت المنظمة التي يقودها كيرك، "تيرننغ بوينت" (Turning point)، حفل عشاء فاخرا قبل ساعات من تنصيب ترامب حضرته شخصيات بارزة من حملة ترامب، بما في ذلك جيه دي فانس نائب الرئيس، ومرشح ترامب لمنصب مدير مكتب التحقيقات الفدرالي (ومدير المكتب حاليا) كاش باتيل، ونجل ترامب "دونالد ترامب جونيور" الذي بات صديقا مقربا للغاية لكيرك.
وبحسب ما أوردته مجلة تايم الأميركية في نهاية عام 2024، فقد بنى كيرك قاعدة جماهيرية كبيرة للغاية من خلال برنامج البودكاست خاصته، إذ ضم البرنامج حتى هذا الوقت أكثر من 750 حلقة، واحتل بنهاية 2024 المرتبة السابعة بين البرامج الصوتية على منصة "آبل بودكاست" والمرتبة العاشرة على "سبوتيفاي".
كل هذا قد أدى إلى أن يحظى تشارلي كيرك بمقعد أفضل من جميع أعضاء الكونغرس بحسب مراسل صحيفة ديلي بيست في فاعلية أداء ترامب اليمين الدستورية في قاعة الكابيتول، وهو الأمر الذي برره جيم بانكس السيناتور الجمهوري من ولاية إنديانا بأن ما بذله كيرك من أجل وصول ترامب لسدة الحكم يفوق ما بذله معظم أعضاء الكونغرس.
وجدير بالذكر أن المفكر اليميني الأشهر في العالم الغربي الآن، عالم النفس الكندي جوردان بيترسون كان قد استضاف كيرك مؤخرا في حلقة ليتحدث فيها عن قصة حياته وتكوين شخصيته، في خطوة سلطت الضوء على أهمية كيرك المتزايدة في صفوف في التيار اليميني الغربي. في تلك الحلقة، قال بيترسون إن كيرك قد جاء من "اللا مكان" قبل 10 سنوات ليصبح الآن قائدا لأكثر المنظمات اليمينية الشبابية تأثيرا على الإطلاق.
كانت المنظمة التي تحمل اسم "نقطة تحول الولايات المتحدة الأميركية" (Turning point USA) هي الجسر الذي عبر من خلاله كيرك إلى عوالم التأثير ومنها إلى أروقة السياسة. أسس كيرك منظمته في سن 18 عاما فور تخرجه من المدرسة الثانوية، وسرعان ما تحولت إلى أخطبوط إعلامي وثقافي متشعب يمتلك وجودا في أكثر من 850 جامعة ويعمل على تنظيم عدد هائل من الفعاليات في جميع أنحاء البلاد، وتدير شبكات طلابية ضخمة تنتمي إلى اليمين.
خلال رئاسة ترامب الأولى وما بعدها، نمت إمبراطورية كيرك من إجمالي إيرادات قدرها 4.3 ملايين دولار في عام 2016 إلى 92.4 مليون دولار في عام 2023، وجاءت الغالبية العظمى منها من التبرعات.
ومن خلال برامج البودكاست وظهوره المتكرر في العديد من الخطابات والكتب التي كتبها، مثل كتاب "عقيدة ماغا" الأكثر مبيعا لعام 2020، أصبح كيرك مليونيرا وقطبا إعلاميا، إلى درجة أن مجلة "كومون دريمز" رشحت كيرك لملأ فراغ الإعلام اليميني في أعقاب إعلان روبرت مردوخ تنحيه عن منصبه في رئاسة مجلس إدارة شركتي نيوز كورب وفوكس نيوز، ورحيل باقي "الآباء المؤسسين" للإعلام اليميني تاركين إياه بدون مركز ثقل حقيقي.
في جوهر خطابه، ينادي كيرك بإعادة الولايات المتحدة إلى التعاليم المسيحية، وهو يناهض بشدة الحزب الديمقراطي ويرى أنه يدعو إلى كل ما يناهض تعاليم الرب لذلك فإنه يوصف على نطاق واسع بكونه "قوميا مسيحيا".
وقد نادى أيضا في بداية العقد الحالي ومع بداية تبلور شهرته بأن على الكنيسة أن تنهض وتقوم بدورها الصحيح وإلا فإن الولايات المتحدة الأميركية بشكلها الذي نعرفه سوف تؤول إلى زوال.
لم يكن هذا هو حال كيرك دائما، فبحسب الإذاعة الوطنية العامة "إن بي آر" (NPR) بدأ كيرك مسيرته في الدعوة للأفكار المحافظة من خلال استخدام خطاب وحجج علمانية بحتة وكان يؤكد قبل سنوات على أهمية الفصل بين الكنيسة والدولة.
ولكن بحلول عام 2018، ومع اقتراب كيرك من الثلاثينيات من عمره بدأ في الاهتمام بالدين أكثر وأكثر، وبدأ في التواصل مع الكنائس الكبرى والقساوسة وفي الانتخابات الأخيرة انخرط بشدة في الحركة المسيحية التي كانت تقول إن دونالد ترامب ممسوح ببركة إلهية لقيادة الولايات المتحدة.
وبحسب كيرك نفسه، فإن تحوله الروحي باتجاه المسيحية بدأ تحديدا في نهاية عام 2019، وذلك بعد لقائه بقس وسياسي من كاليفورنيا يدعى روب ماكوي.
ومنذ تلك اللحظة، بدأ خطاب كيرك يتخذ منحى قوميا مسيحيا إلى حد أنه قال خلال زياراته للقساوسة والكنائس إنه أدرك أن هناك رغبة مسيحية حقيقية في النهضة بهذا البلد وتوقا إلى نوع مختلف من المسيحية، وأن الأمر يتعلق بـ"قيادة الأمة نحو التوبة من آثامها ونشر تعاليم الكتاب المقدس، مما سيؤدي بالتبعية إلى النهضة".
ويمكننا أن نصف هذا التوجه الخطابي بـ"المسيحية السياسية" وهو توجه آخذ في الصعود في الولايات المتحدة يدعو إلى تفعيل دور الدين المسيحي في الحياة السياسية. ولكن بالنسبة إلى كيرك فإن الأمور تتجاوز ذلك نحو الارتباط الأيديولوجي بما يُعرف بـ"تفويض الجبال السبعة" وهو اعتقاد ديني لدى هذا التيار يدعو إلى ضرورة أن تسيطر المسيحية والمسيحيون اليمينيون المتدينون على 7 مجالات ذات تأثير ثقافي كبير، وهي الحكومة والإعلام والأسرة والأعمال التجارية والفنون والتعليم والمجال الديني.
وقد حمل تلك الأيديولوجيا قادة مسيحيون ذوو تأثير كبير منذ بداية القرن الـ21، ومنهم بيتر فاغنر الذي نادى في عام 2011 بممارسة السيطرة السياسية والإخضاع من أجل تطبيق هذه التعاليم، مشيرا إلى أن التفويض يعني "أمرا سلطويا غير قابل للنقاش وليس اقتراحا أو فكرة جيدة"، وهو ما يجعل هذه الأيديولوجيا في جوهرها مناهضة للديمقراطية.
وكان فاغنر متأثرا في هذا بأفكار من سبقوه من قادة مسيحيين قوميين عاشوا في سبعينيات القرن الماضي، ونادوا بتطبيق شريعة العهد القديم في الولايات المتحدة بما فيها العقوبات الخاصة بالرجم والإعدام في تهم الزنا والتجديف "إهانة الإله والمقدسات الدينية" والمثلية الجنسية وغير ذلك.
وفي الإجمال تكمن أهمية أيديولوجيا "الجبال السبعة" -وخطورتها أيضا- في أنها تهدف على المدى الطويل إلى قطع التقليد الطويل القائل بفصل الدين عن السياسة وعلمانية الدولة وهو التقليد الذي بنيت عليه إلى حد كبير الحضارة الغربية الحديثة، إذ يريد المنتصرون لهذه الأيديولوجيا السيطرة على الحكومة والقطاعات الرئيسية في البلدان بهدف ترسيخ حكم مسيحي قد يصل في النهاية وفي طموحات بعض حاملي هذه الأفكار إلى تطبيق "حدود" العهد القديم حرفيا.
ويعد تشارلي كيريك واحدا من أهم الذين تصدروا واجهة أيديولوجيا تفويض الجبال السبع، وبحسب بول ماتزوكو، وهو باحث في معهد كاتو للأبحاث ذي التوجه الليبرالي، في حوار مع "إن بي سي نيوز" فإن كيرك يقع تحت مظلة تيار لاهوتي متطرف ينطلق من مبدأ تفويض الجبال السبعة باعتباره مبدأ تأسيسيا للعمل السياسي، إذ تقدم تلك الحركة السياسة باعتبارها صراعا روحيا بين الخير والشر وتعتبر ترامب مرسلا من الله جاء لينقذ الولايات المتحدة الأميركية من أعداء المسيحية الذين انحرفوا بالبلاد.
وبحسب "إن بي سي نيوز" أيضا، فإن كيرك صرح في عام 2021 خلال مؤتمر في واشنطن بأن على المسيحيين أن يهبوا وينتفضوا مستشهدا بفقرة من إنجيل لوقا كثيرا ما تستخدم من قبل رؤوس أيديولوجيا تفويض الجبال السبعة قائلا: "الكتاب المقدس يقول بشكل جلي لا لبس فيه احتلوا كل شي حتى أجيء"، وهو ما يفسره كيرك بأنه دعوة لـ"احتلال" المساحة السياسية والقطاعات السلطوية الحاكمة وإقامة المسيحية فيها.
جدير بالذكر أيضا أن كيرك، الذي كان واحدا من الأبواق التي حولت الانتخابات الأخيرة في جزء منها إلى صراع ديني مبطن، بتصوير ترامب باعتباره ممثل المسيحية والدين في مقابل خصومه أعداء الرب، كان قد صرح بوضوح في مؤتمر العمل السياسي المحافظ عام 2020 قائلا: "أخيرا لدينا رئيس في الولايات المتحدة الأميركية يفهم جيدا أبعاد التأثير الثقافي للجبال السبعة".
يعد تشارلي كيرك من أبرز المناصرين لأيديولوجيا المسيحية الصهيونية، وهي الأيديولوجيا التي تؤمن بالفكرة القائلة إن الدفاع عن دولة الاحتلال الإسرائيلي هو واجب ديني على المسيحيين بموجب في العهد القديم، وتذهب في نسخها الأكثر تطرفا إلى الإيمان بأن سيطرة الصهاينة على أراضي فلسطين هو أمر ضروري وجزء من خطة إلهية تنتهي بمجيء المسيح ولا يمكن أن تكتمل بدون دولة يهودية في الأراضي المقدسة.
كيرك الذي يقول عن نفسه إنه قضى حياته دفاعا عن إسرائيل، يعتبر أن الولايات المتحدة الأميركية ودولة الاحتلال الإسرائيلية يواجهان بحسبه نفس القوى التدميرية المتمثلة في اليسار المتطرف.
وفي اعتراف بدور كيرك المهم، أشار الحاخام الصهيوني بيساح ووليكي في مقال بصحيفة "جيروزاليم بوست" إلى أن هناك حقيقة صارخة في الشارع الأميركي وهي أن الشباب اليمينيين المحافظين المسيحيين يتجهون بنحو كبير في اتجاه معادٍ لإسرائيل، وأنه لولا أشخاص مثل كيرك ومنظمته لكان الوضع أسوأ بكثير ولأصبح هناك شباب أكثر وأكثر من المعسكر اليميني المحافظ يكرهون إسرائيل.
ربما يفسر ذلك الصدمة الكبيرة التي تلقت بها الأوساط السياسية في دولة الاحتلال والمنظمات المناصرة لها في الولايات المتحدة نبأ اغتيال كيرك.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن كيرك قُتل “لأنه دافع عن الحقيقة والحرية”، على حد تعبيره. وأضاف نتنياهو في منشور على منصة "إكس" أنه تحدث مع كيرك قبل أسبوعين ودعاه لزيارة إسرائيل، لكن الزيارة لن تتحقق بعد اغتياله.
واعتبر نتنياهو أن كيرك "كان صديقا لإسرائيل ودافع عن حضارة يهودية- مسيحية". وبالمثل، نعى وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير كيرك واصفا ما أسماه "التحالف بين اليسار العالمي والإسلام الراديكالي" بأنه يشكل "الخطر الأكبر على الإنسانية"، مشيرا إلى أن كيرك الذي كان أحد داعمي إسرائيل حذّر من ذلك.
في حين وصف الاتحاد الأرثوذكسي -وهو منظمة صهيونية بارزة في أميركا- عملية القتل بأنها "عنف سياسي مروع"، كما أعربت الاتحادات اليهودية في أميركا الشمالية عن "صدمتها" بسبب الحادث.
ويعكس رد الفعل الإسرائيلي -المبالغ فيه بالنسبة لكون شارلي ليس مسؤولا منتخبا ولا يملك صفة رسمية- حقيقة العلاقة المتنامية بين الحكومة الإسرائيلية واليمين الأميركي منذ إعادة انتخاب دونالد ترامب رئيسا العام الماضي.
فقد عولت إسرائيل على كيرك ومناصريه لتحقيق هدفها في محاربة التشكيك في التحالف الأميركي الإسرائيلي المتنامي بين بعض مؤيدي ترامب خاصة الشباب منهم. لكن ذلك لم يمنع كيرك من تلقي اتهامات بمعاداة السامية في المناسبات القليلة التي انتقد فيها اليهود لأسباب "عرقية" كما فعل في أبريل/نيسان الماضي حين اتهم "بعض المجتمعات اليهودية بممارسة نفس نوع الكراهية ضد البيض التي تريد من الناس التوقف عن ممارستها ضدها".
وتعرض كيرك لاتهامات مماثلة بسبب ظهوره في نقاشات حول اللوبيات الداعمة لدولة الاحتلال في الولايات المتحدة، ففي مقال على صحيفة "ذا تايمز أوف إسرائيل" كتبت دانييلا بلوم أنها بعد مشاهدتها لمجموعة التركيز "Focus group" -التي كان تشارلي كيرك حاضرا فيها والتي ناقشت مسألة "أيباك" (AIPAC) وهي من أبرز منظمات الضغط المؤيدة لإسرائيل في الولايات المتحدة- شعرت بكسرة القلب والحزن الشديد ليس فقط بسبب ما قيل في تلك الجلسة بل لما لم يقل أيضا، فبالنسبة للكاتبة فإن تجرؤ مجموعة من الناس على مناقشة مثل هذا الأمر يعد فتحا لأبواب كراهية إسرائيل في أميركا.
حتى لحظة كتابة هذا التقرير، لا تزال أصداء حادثة اغتيال كيرك تتابع، لكن المؤكد أنها أحدثت صدمة كبيرة في الجسد السياسي الأميركي.
صحيح أن كيرك لم يكن مسؤولا منتخبا، لكن تأثيره على اليمين الأميركي والمكانة التي يحظى بها في إدارة ترامب لم تكن محل جدل لدرجة اعتقاد أنه هو من حث ترامب على اختيار جيه دي فانس لمنصب نائب الرئيس، مما أثار تكهنات غير رسمية أن كيرك نفسه ربما يكون مرشحا لتولي منصب نائب فانس خلال السباق الرئاسي القادم.
والمشكلة الأكبر أن الحادثة تأتي في وقت تتعرض فيه الديمقراطية الأميركية لتشكيك متزايد، في حين تثار التساؤلات حول مدى قدرة النظام السياسي الأميركي على احتواء العنف السياسي في المستقبل القريب.
ووفقا للكاتب الأميركي زاك بيشامب في موقع "في أو إكس" (VOX)، فالنظام السياسي الأميركي الآن ينهار، والعديد من أدواته لاحتواء العنف السياسي مُحطمة، كما أن الحزبين الرئيسيين وأنصارهما ينظرون إلى بعضهم البعض بشكل متزايد ليس كشركاء، بل كتهديدات وجودية.
وقد أظهر عالما السياسة ليليانا ماسون وناثان كالمو بالفعل أن شريحة متنامية في كلا الحزبين أصبحت منفتحة على استخدام العنف ضد خصومها الحزبيين.
وفي ظل هذه الأجواء من السهل أن تخرج الأمور عن السيطرة. لقد سارع ترامب بالفعل إلى لوم "اليسار الراديكالي" على الحادثة بينما بادرت شخصيات يمينية بارزة بإلقاء اللوم على "الحزب الديمقراطي" في الهجوم دون دليل (تم الإفراج عن المشتبه به الذي انتشرت صورته بسبب عدم وجود أدلة على تورطه) داعية إلى شنّ حملات قمع على الليبراليين واليساريين. وفي وقت يبدو فيه ترامب ميالا لتوسيع استخدام السلطة القمعية، فإن أشباح العنف السياسي تزداد، حاملة المزيد من المخاطر على الديمقراطية والسياسة الأميركية.
من الصعب التكهن إذا ما كان مقتل كيرك سيكون لحظة تحويلية في السياسة الأميركية، لكن المؤكد أنه ستكون له تداعيات كبيرة وهو ما تبرهنه ردات الفعل الأولى للسياسيين الأميركيين. لقد أصدر الرؤساء السابقون جو بايدن وأوباما وجورج بوش وبيل كلينتون تعليقات وبيانات إدانة للحادث وحذروا ضمنيا من العنف، في حين وقف أعضاء مجلس النواب حدادا خلال جلستهم قبل أن يتبادلوا الاتهامات بالمسؤولية.
وإذا كان اليمين الأميركي يريد تحويل مقتل كيرك إلى لحظة ملحمية فإن تلك اللحظة سوف تدفع أميركا نحو المزيد من التطرف والعنف والمجهول وتضع المزيد من الضغوط على ديمقراطيتها ونظامها السياسي الذي يتعرض ربما للاختبار الأكثر خطورة منذ تأسيسه.