آخر الأخبار

اغتيال الوسيط.. "ضربة الدوحة" تعمق عزلة إسرائيل

شارك
هجوم الدوحة.. تضامن عربي واسع

في لحظة مشحونة بالرمزية السياسية، هزّت الضربة الإسرائيلية في قلب الدوحة المشهد الإقليمي، لتكشف عن فصل جديد من فصول المواجهة بين إسرائيل والعالم العربي.

لم يكن ما جرى محاولة تقليدية لاستهداف قيادات حركة " حماس" أو تصفية حسابات عابرة، بل جاء أقرب إلى ما وصفه محللون بـ"اغتيال الوسيط"، إذ بدا أن إسرائيل لا تكتفي بخصومها، بل تضرب حتى من يفتح لها أبواب الوساطة.

الهجوم، الذي مثّل انتهاكا سافرًا لسيادة قطر، فجّر موجة غير مسبوقة من التضامن العربي، توجتها زيارة رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد إلى الدوحة، حيث استقبله أمير قطر الشيخ تميم بن حمد بحفاوة بالغة في رسالة مزدوجة: دعم مباشر للدوحة، ورد جماعي على الغطرسة الإسرائيلية.

ومع تدفق بيانات الإدانة العربية والدولية، بدا أن تل أبيب تُحاصر نفسها في عزلة دبلوماسية متنامية، فيما يترقب العالم انعقاد مؤتمر الدولة الفلسطينية في نيويورك، على وقع هذا المشهد الاستثنائي.

تضامن عربي غير مسبوق

في قلب الحدث، شكّل حضور الشيخ محمد بن زايد إلى الدوحة محطة بارزة، ليس فقط لأنه أول رئيس دولة يصل بنفسه بعد الاعتداء، بل لأن زيارته جسدت، كما وصف مراقبون "الموقف العربي بالتعاضد والتضامن قولًا وفعلًا".

خلال لقائه بأمير قطر، شدد رئيس دولة الإمارات على إدانة بلاده "للاعتداء السافر"، مؤكدا دعم جميع الإجراءات التي تتخذها قطر للحفاظ على سيادتها.

بدوره، أكد الشيخ تميم بن حمد أن الدوحة "ستتخذ كافة الإجراءات لحماية أمنها والمحافظة على سيادتها تجاه الهجوم الإسرائيلي"، في موقف عززته اتصالاته مع سلطان عُمان هيثم بن طارق، الذي شدد على رفض بلاده القاطع لأي اعتداء يهدد أمن وسلامة قطر.

مصر أيضًا انضمت إلى ركب المنددين، إذ وصف وزير الخارجية بدر عبد العاطي الضربة الإسرائيلية بأنها "عدوان سافر وغير مبرر"، مؤكدًا في مقابلة مع "سكاي نيوز عربية" أن القاهرة "ستواصل العمل لخفض التصعيد".

إسرائيل بين عقدة الزوال وغطرسة القوة

وضع الخبير العسكري والاستراتيجي صالح المعايطة خلال حديثه إلى "الظهيرة" على "سكاي نيوز عربية" الهجوم في سياق أوسع يتعلق بعقيدة إسرائيل الأمنية والسياسية.

فمنذ تأسيسها، يقول المعايطة، ظلّت إسرائيل "مسكونة بهاجس الزوال"، ورغم ما حققته من انتصارات عسكرية سريعة في حروب سابقة، فإن التحولات المتسارعة في البيئة الإقليمية والدولية أجبرتها على إعادة حساباتها.

ويرى المعايطة أن إسرائيل لم تعد "دولة مقبولة أو طبيعية"، بل باتت تُوصَف في المحافل الدولية بأنها "دولة مارقة" أو "كيان إرهابي"، على حد تعبيره.

ووفق المعايطة، فإن الاعتداء على الدوحة يثبت أن إسرائيل لم تعد قادرة على فرض هيبتها العسكرية كما في الماضي، بل تواجه الآن ردعا عربيا سياسيا واقتصاديا يتنامى مع كل موقف تضامني.

وأضاف أن الإمارات، على سبيل المثال، كانت قد وضعت خطا أحمر عندما اعتبرت ضم الضفة الغربية خيانة لاتفاقيات إبراهام، واليوم تؤكد عبر موقفها التضامني مع قطر أنها لن تسمح لإسرائيل بتجاوز ذلك الخط.

اعتبر المعايطة خلال مداخلته أن إسرائيل، بحكومتها الحالية، "تتصرف بعقل اليمين المتطرف"، وهو ما يقودها إلى أخطاء استراتيجية متلاحقة، مشيرا إلى أن نتنياهو يحاول إدارة أزماته عبر "تصديرها للخارج" واللعب على ورقة القوة العسكرية، لكن نتائج هذه السياسات تعاكس توقعاته، حيث تجد إسرائيل نفسها في عزلة أوسع.

اغتيال الوسيط.. قراءة مختلفة للهجوم

على الجانب الآخر، قدّم محلل الشؤون السورية في سكاي نيوز عربية علي جمالو، مقاربة مختلفة، معتبرا أن الهجوم لم يستهدف حماس بقدر ما استهدف دور الوساطة القطري.

أوضح جمالو أن قطر لعبت خلال السنوات الأخيرة أدوارا متقدمة في الوساطة بين أطراف متنازعة، بما في ذلك التوسط بين واشنطن وطهران أو بين إسرائيل وحماس.

ورغم نجاحها وفشلها في محطات مختلفة، إلا أن دورها ظل قائما، وهو ما اعتبره نتنياهو تهديدا مباشرا لمصالحه السياسية الداخلية.

شبّه جمالو ما جرى في الدوحة بحادثة اغتيال الكونت فولك برنادوت، الوسيط الدولي الذي اغتاله متطرفون يهود في القدس عام 1948، رغم أنه ساعد آلاف اليهود في الخروج من معسكرات النازية.

الرسالة واحدة، بحسب جمالو: "إسرائيل لا تريد وسطاء، بل تريد فرض شروطها بالقوة".

ويرى علي جمالو أن نتنياهو لجأ إلى هذه الخطوة لأن أي حل سياسي يحرجه داخليا، إذ يدرك أن تسوية أزمة 7 أكتوبر ستعيد فتح ملفات الرهائن والفساد، وهو ما قد يقوده إلى المحاكمة وربما السجن. لذلك يفضل التصعيد والمقامرة بكل أوراقه.

الانعكاسات الدولية

لم تتأخر ردود الفعل الدولية على الاعتداء الإسرائيلي. فقد توالت بيانات الإدانة من عواصم أوروبية بارزة، فيما تحدثت مصادر دبلوماسية عن إمكانية بحث عقوبات ضد إسرائيل في أروقة الاتحاد الأوروبي.

جمالو يرى أن نتنياهو "ارتكب انتحارا سياسيا" بهذا الفعل، لأنه نقل إسرائيل من خانة الدولة التي تواجه تحديات أمنية إلى خانة الدولة المعتدية على وسيط دبلوماسي، وهو ما يهدد علاقاتها حتى مع بعض حلفائها التقليديين.

كما أن البيت الأبيض بدا مترددًا في صياغة موقفه، حيث صدرت تصريحات "رمادية ومتذبذبة" من الرئيس الأميركي، وفق ما أشار د. المعايطة، وهو ما يعكس حجم الحرج الذي سببه السلوك الإسرائيلي لواشنطن.

الأخطر أن الهجوم قد يعيد طرح ملف القضية الفلسطينية بقوة في مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، مع اقتراب انعقاد مؤتمر نيويورك الخاص بالدولة الفلسطينية.

بين الغطرسة والانتحار السياسي

التحليل المتقاطع بين المعايطة وجمالو يكشف أن إسرائيل تعيش حالة تناقض وجودي، فهي من جهة تسعى إلى إظهار قوتها العسكرية المفرطة، عبر إرسال عشرات الطائرات وتضخيم حجم العملية، لكنها من جهة أخرى، تمارس ما يمكن وصفه بـ"الانتحار السياسي"، إذ تضرب دولة حليفة محتملة وتغتال دور الوسيط، لتجد نفسها في مواجهة مباشرة مع جبهة عربية ودولية واسعة.

المحصلة أن نتنياهو يخسر على الجبهتين:

• في الداخل، يعاني من ضغط المعارضة وأهالي الرهائن.

• في الخارج، يواجه إدانات متصاعدة وعزلة قد تترجم إلى خطوات عملية في مجلس الأمن وأوروبا.

حدث مفصلي يغير قواعد اللعبة

الاعتداء الإسرائيلي على الدوحة ليس مجرد عملية عسكرية عابرة، بل تحول استراتيجي في مسار الصراع.

فهو كشف حدود القوة الإسرائيلية في مواجهة تضامن عربي متنام، وأعاد إحياء النقاش الدولي حول حل الدولتين، وفتح الباب أمام قطر لتعزيز مكانتها كرمز للصمود الدبلوماسي.

قد تكون هذه العملية بداية مرحلة جديدة من العزلة لإسرائيل، وبداية استعادة العرب لأدواتهم السياسية في مواجهة الاحتلال.

وبينما يراهن نتنياهو على التصعيد، تبدو كل المؤشرات تدل على أنه فتح على نفسه أبواب عزلة غير مسبوقة، قد تعيد القضية الفلسطينية إلى صدارة المشهد الدولي بغطاء عربي ودولي واسع.

سكاي نيوز المصدر: سكاي نيوز
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا