في تصعيد جديد يضع المنطقة أمام واقع ميداني ودبلوماسي معقد، نفذت إسرائيل عملية استهداف للقيادات الفلسطينية في قطر، ما أثار موجة واسعة من التحليلات بشأن أهدافها، انعكاساتها على الوساطات العربية والدولية، ودور حماس في هذا المشهد.
العملية، التي ارتبطت بأحداث 7 أكتوبر، لم تقتصر آثارها على استهداف شخصيات بعينها، بل حملت رسائل سياسية واستراتيجية متعددة الاتجاهات، سواء لقطر أو مصر أو الولايات المتحدة، في وقت تتصاعد فيه التساؤلات حول مسار التفاوض مع إسرائيل وآفاق السلام في المنطقة.
العملية انتهاك صارخ للقانون الدولي
اعتبر أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأمة بغزة حسام الدجني، خلال حديثه إلى غرفة الأخبار على "سكاي نيوز عربية" أن العملية الإسرائيلية لا تحمل أي مبرر منطقي، مؤكدا أن استهداف قيادات حماس على أرض دولة لا يوجد بينها وبين إسرائيل أي نزاع، يمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي والعنف الدبلوماسي.
وأوضح أن هذه الخطوة تعزز من عزلة إسرائيل على الساحة الدولية وتزيد من صوابية نهج حماس في مواجهة الاحتلال.
وأشار الدجني إلى أن إسرائيل، بقيادة رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، تعمل وفق منطق القوة والشرعية العسكرية، حيث أصبحت قوة الشرعية الدولية غير كافية لمواجهة القوة الإسرائيلية، في ظل ما وصفه بـ"العربدة والغطرسة" التي يمارسها نتنياهو، مؤكداً أنه وفق المحاكم الدولية، فإن رئيس الحكومة الإسرائيلي يعتبر مجرم حرب.
وأضاف أن كل المنظومة الدولية باتت تنظر لإسرائيل كدولة مارقة غير طبيعية، وهو ما لا يخدم حتى مصالح حلفاء تل أبيب في المنطقة مثل مصر، أو الولايات المتحدة، التي بدأت تتحرك في سياق إعادة تقييم علاقتها بإسرائيل، خاصة بين جيل الشباب في الحزب الجمهوري الذي يختلف في نظرته تجاه إسرائيل عن الأجيال السابقة.
وأكد الدجني أن العملية الإسرائيلية حققت ثلاثة أهداف استراتيجية:
أولا: قتل المفاوضات عبر استهداف وفد حماس، وبالتالي إرسال رسالة واضحة لقطر بصفتها وسيطًا، ولواشنطن حول جدوى الحوار مع حماس.
ثانيا: إضعاف الدور القطري الذي كان يتابع نقاشات مفتوحة مع رئيس وزراء قطر بشأن تعديل المبادرة الأميركية لضمان قبول حماس لها.
ثالثا: إرسال رسالة تحذيرية لإيران حول قدرة إسرائيل على الوصول إلى أي أهداف داخل أذرعها الإقليمية، مع التأكيد على أن إسرائيل تعمل بحذر من دون اعتبار للسيادة القطرية أو العلاقات مع الولايات المتحدة.
وأشار الدجني إلى أن السياسة الإسرائيلية في اغتيال القيادات الفلسطينية ليست جديدة، بل هي جزء من استراتيجية ممتدة منذ الستينيات، تضمنت اغتيالات وخروقات سيادة في دول متعددة، بما في ذلك قبرص، مصر، العراق، سوريا ولبنان، مؤكدًا أن هذا النهج يعكس ثقافة "تستبيح الكل".
وأضاف أن أي خطة لتجريد قطاع غزة من السلاح أو إعادة تشكيل القوات الفلسطينية يجب أن ترتبط بوجود الاحتلال، معتبرا أن القانون الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة شرعت مقاومة الاحتلال، وبالتالي استمرار أي حركة مسلحة فلسطينية مرتبط بغياب حل الدولتين ورفض إسرائيل لإعلان نيويورك بشأن حقوق الفلسطينيين.
ولفت الدجني إلى أن اغتيال القيادات الفلسطينية لا يؤدي إلى تراجع شعبية الفصائل، بل بالعكس يزيدها قوة، ويغذي سياسة السادية لدى إسرائيل التي تتغذى على القتل والاغتيال.
وأوضح أن خطاب نتنياهو المعلن يؤكد أن السياسة تخدم الأهداف العسكرية، وأنه لا يسعى لأي اتفاق حقيقي مع حماس، بل يسعى لتحقيق حسم استراتيجي للقضية الفلسطينية، معتبراً حماس مجرد "شماعة" لتبرير سياساته، مهما كان موقف الحركة.
العملية صورة للانتصار العسكري الإسرائيلي
من جانب آخر، قدم مائير كوهين، الدبلوماسي الإسرائيلي السابق، قراءة مختلفة للعملية، مؤكداً أن استهداف قيادات حماس في قطر يمثل تحقيق انتصار عسكري ورمزيا لإسرائيل بعد أحداث 7 أكتوبر.
وأوضح أن نتنياهو صرح في 8 أكتوبر بأن إسرائيل ستغير وجه الشرق الأوسط ولن تترك ملجأ لأي جهة اعتدت عليها، في خطوة لتعزيز استراتيجيتها في مواجهة الإرهاب.
وأشار كوهين إلى أن القيادات المستهدفة كانت نشطة في التخطيط والقيام بعمليات ضد إسرائيل، وأن العملية تمثل رسالة لقطر التي فتحت أبوابها لدعم حماس مالياً وفكرياً، بحسب ما اعتبره متوافقًا مع التوجه الإخواني.
كما أشار إلى أن تركيا تشارك أيضاً في دعم حماس، ما يبرز الأبعاد الإقليمية للعملية، حيث تأتي في إطار إرسال رسائل متعددة للوساطة العربية والدولية.
وأكد كوهين أن اقتراب إسرائيل من الحسم العسكري في غزة يجعل العملية بمثابة تأكيد للقدرة العسكرية الإسرائيلية، مع تلميح إلى أن هذه الخطوة تمثل إنجازاً إستراتيجياً يهدف إلى تقويض النفوذ الإيراني في المنطقة عبر حلفائها، لا سيما حماس و حزب الله، الذين يمثلان ورقة مهمة لطهران في الشرق الأوسط.
واعتبر أن قطر، رغم جهودها كوسيط، لم تستطع فرض أي دور إيجابي، بينما أظهرت إيران توجهها الواضح بعدم السماح باتفاق حقيقي، ما يعكس تلاعب طهران بالورقة الفلسطينية لتحقيق مصالحها الإقليمية.
وأضاف أن استهداف القادة الفلسطينيين في قطر يرمز أيضا إلى رفض إسرائيل لأي اتفاق قبل حسم المعركة على الأرض، ويؤكد عزم تل أبيب على مواصلة العمليات لتحقيق أهدافها الاستراتيجية في غزة.
التباين في الرؤى
تشترك مداخلتا الدجني وكوهين في الإشارة إلى أهمية العملية كحدث استراتيجي، لكنهما تختلفان جذرياً في تفسير أهدافها ومبرراتها:
• الدجني يركز على الانتهاكات القانونية والدبلوماسية، واعتبار العملية انتهاكا صارخا للسيادة، مما يزيد من عزلة إسرائيل دوليا.
• كوهين يركز على البعد العسكري والرمزي للعملية، مؤكدا أنها تمثل انتصارا لإسرائيل ورسالة واضحة لإيران والوسطاء الإقليميين.
هذا التباين يعكس الصراع المستمر بين من ينظر إلى إسرائيل كدولة مارقة تنتهك القانون الدولي، وبين من يرى في تصرفاتها أداة لتحقيق أهداف استراتيجية واضحة، حتى لو كانت على حساب القوانين والشرعية الدولية.
السياق الإقليمي والدولي للعملية
تأتي العملية في وقت يشهد تصعيدا دبلوماسيا وعسكريا متسارعا، حيث تسعى إسرائيل إلى فرض شروطها على الفلسطينيين وعلى الوساطات الإقليمية والدولية، بما في ذلك قطر ومصر.
ويشير الدجني إلى أن أي خطة لإعادة إعمار غزة أو تشكيل قوة عربية مشتركة تعتمد على التخلي عن السلاح فقط بعد إنهاء الاحتلال، بينما يعتبر كوهين أن العملية تؤكد على عدم جدوى الوساطات أمام الحسم العسكري الإسرائيلي.
كما يعكس التحليل التحولات في الرأي الأميركي تجاه إسرائيل، حيث بدأ جيل الشباب في الحزب الجمهوري يتبنى موقفًا أكثر تحفظًا، فيما أشارت تغريدة سابقة للرئيس الأميركي إلى أن الكونغرس لم يعد كما كان سابقاً في دعم إسرائيل، ما قد يؤدي إلى تغييرات استراتيجية في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية خلال العقد القادم.
رسالة التحذير لإيران وحماس
تؤكد العملية، وفقاً لكلا التحليلين، على إرسال رسائل متعددة لإيران وحماس:
كما يبرز التحليل أن إيران لم تتخل عن دورها في توجيه سياسات حماس، حيث أصدرت تعليمات واضحة بعدم الوصول إلى أي اتفاق، وهو ما أدى إلى فشل الخطط المصرية والعربية لإعادة الأعمار أو تشكيل قوة عربية متجانسة في المنطقة.
التأثير على المفاوضات
يرى الدجني أن العملية قتلت المفاوضات مع قطر والولايات المتحدة، مؤكداً أن أي نقاش لتعديل المبادرة الأميركية كان يسعى لضمان قبول حماس، لكنه دُمر بفعل الغارات الإسرائيلية.
من ناحية أخرى، يشير كوهين إلى أن العملية تمثل رمزاً للانتصار الإسرائيلي على حماس، لا سيما أن القيادات المستهدفة شاركت في التخطيط لعمليات إرهابية ضد إسرائيل بعد 7 أكتوبر، ما يعكس هدف تل أبيب في تحقيق الردع الكامل.
كما يشير الدجني إلى أن اغتيال القادة الفلسطينيين لن يضعف المقاومة، بل على العكس، يعزز شعبية الفصائل ويؤكد استمرار نهج المقاومة في مواجهة الاحتلال، حتى في ظل تغيّر الواقع السياسي والإقليمي.
تثبت العملية الإسرائيلية في قطر مرة أخرى أن الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي يتجاوز الأرض الفلسطينية، ليصبح أداة استراتيجية للتأثير على مواقف الدول والوساطات الإقليمية والدولية.
بينما يرى الدجني أن الخطوة تمثل انتهاكا صارخا للقانون الدولي وتعزيز لعزلة إسرائيل، يؤكد كوهين أنها تعكس قوة إسرائيل وحسمها العسكري ورسالتها الرمزية لإيران وحماس.
في النهاية، تؤكد مداخلتا الخبراء أن هذا الصراع لن يتوقف عند حدود غزة أو قطر، بل سيمتد تأثيره إلى كل جهود السلام والوساطة، ويبرز ضرورة موقف جاد من المجموعة العربية والدولية لمواجهة السياسات الإسرائيلية التي، وفق الدجني، تهدد أمن المنطقة واستقرارها على المدى الطويل، بينما يوضح كوهين أن إسرائيل مستمرة في فرض شروطها العسكرية والسياسية مهما كانت التحديات الدولية.