آخر الأخبار

غزة بين نار القنابل واستحالة النزوح

شارك

غزة- في خيمتها المقامة بحي الرمال غربي مدينة غزة ، جلست منيرة المسلّمي (62 عاما) تنتظر اتصالا آخر من زوجة ابنها التي خرجت منذ صباح أمس إلى جنوب قطاع غزة بحثا عن مكان يمكن الانتقال إليه إذا اضطرت العائلة للنزوح.

ولكن الكنة اتصلت أخيرا لتخبر حماتها أنها جابت مواصي خان يونس ومخيمات المغازي و النصيرات ، ولم تجد أرضا فارغة.

وتعيش منيرة، الأرملة التي فقدت أولادها الثلاثة خلال الحرب ولا تعرف مصيرهم، مع زوجات أبنائها، وأحفادها الـ11 في خيمة واحدة.

15 شخصا بلا رجل واحد، يواجهون كل يوم أسئلة صعبة: إن اضطروا للنزوح تحت النار، من سيفكك الخيمة؟ وكيف سيتدبرون تكاليف المواصلات التي لا يملكونها أصلا؟ وأين سيجدون مكانا يستوعبهم؟.

بلا معيل

هذا القلق المستمر، والتفكير المتواصل، يرهق منيرة، فهي تدرك أن البقاء تحت القصف خطر، ولا تريد أن تفقد المزيد من عائلتها، كما أن النزوح بلا وجهة ولا إمكانات ليس أقل خطرا، وبين هذا وذاك، تعيش ليلها ونهارها في قلق متواصل.

وكان جيش الاحتلال الإسرائيلي قد أمر، يوم 6 سبتمبر/أيلول الجاري سكان مدينة غزة، البالغ عددهم نحو مليون نسمة، بالانتقال إلى ما يُسمّيها "منطقة إنسانية" في المواصي، وهي بقعة ضيقة في جنوب القطاع تأوي أصلا مئات الآلاف من نازحي رفح وخان يونس، وتعاني اكتظاظا شديدا لا يسمح باستقبال أي عائلات جديدة.

وفي يوم 8 أغسطس/آب الماضي، أعلنت الحكومة الإسرائيلية رسميا نيتها احتلال مدينة غزة، وشرعت بتنفيذ عمليات قصف مكثفة استهدفت أحياءها المكتظة ومنازلها السكنية، في خطوة يرى مراقبون أنها تهدف لتهجير كافة السكان، وتدمير ما تبقى من المدينة.

هذه القرارات وضعت أهالي غزة أمام معادلة مستحيلة: البقاء تحت النار في مدينة تحوَّلت إلى ساحة حرب، أو النزوح للجنوب حيث لا مكان ولا إمكانات، في ظل مجاعة خانقة وانعدام الموارد الأساسية، الأمر الذي حوّل حياة المدنيين إلى دائرة مغلقة من الخوف والانتظار والترقب.

إعلان

وخلال الحرب دمَّرت إسرائيل بشكل كامل 3 محافظات رئيسية هي شمال القطاع ، ورفح، وخان يونس، في عمليات عسكرية سابقة.

مصدر الصورة المسنة منيرة المسلمي فقدت أبناءها خلال الحرب وتعيش مع زوجاتهم وأطفالهم بلا معيل (الجزيرة)

فقدت منيرة المسلّمي خلال الحرب كل شيء: أولادها الثلاثة، ومنزلها المكوّن من 4 طوابق، وأرضها المزروعة بالزيتون في بلدتها بيت لاهيا (شمال)، وبقيت بلا سند، ولا بيت، تنتظر المجهول.

ورغم كل هذا الفقد والألم، لم تسلم، وتعيش في حالة خوف كبيرة من مستقبل يشي بمزيد من الأهوال.

تقول منيرة بحسرة للجزيرة نت "قلت لزوجة ابني بعدما أخبرتني بعدم عثورها على أرض في الجنوب: عودي إلى غزة، وسنموت هنا، فالموت أرحم من هذه الحياة".

وتتقاسم النساء الأربع والأطفال الـ11، الخوف والجوع والقلق، فكل ليلة ينامون على أصوات القصف، وكل صباح يصحون على متاعب جديدة.

وتضيف منيرة "أمس أخي نزح، لكنه مات في الطريق بين غزة والمنطقة الوسطى، الحزن قتله بعد أن فقد 4 من أولاده، نحن نعيش بين الموت والانتظار، بين الخوف والجوع".

وتكمل "أنام ساعتين فقط من شدة التفكير: من أين سنأكل؟ وكيف سنتدبر الماء؟ وكيف سننتقل إن أجبرونا على النزوح؟ هل سنجد رجلا يساعدنا ويفك لنا الخيمة؟".

مصدر الصورة ما هر مَلَكَة أرسل ابنه ليبحث عن مكان للنزوح إليه في الجنوب فلم يجد مترا واحدا (الجزيرة)

مناطق "لا إنسانية"

ويحكي ماهر مَلَكَة قصته المشابهة، فقد أرسل ابنه أمس إلى "مواصي خان يونس"، التي يقول الاحتلال إنها "منطقة إنسانية"، لكن الابن عاد ليؤكد أنه لا يوجد متر واحد فارغ، وكل شبر مشغول بخيمة أو عائلة، ومن يملك أرضا يطلب إيجارا باهظا.

ويعيش ماهر، المريض بالقلب وارتفاع ضغط الدم، مع عائلته المكوّنة من أولاده وأحفاده الـ15، ويقول بصوت مثقل بالهم "نحن مدنيون بسطاء، لا علاقة لنا بالسياسة، لماذا يستهدفوننا؟ زوجتي مريضة بالسكر، وأنا لا أجد دواء لي ولها".

ويضيف "لا نوم ولا راحة، كل ليلة نفكر: أين سنذهب؟ كيف سنفكك الخيمة وننقلها؟ وكيف سنحمل أثاثنا؟ لا نملك مالا، ولا حتى أحذية لأطفالنا".

في اليوم الأول للحرب، نزحت عائلة مَلَكَة من مناطقها المحاذية للحدود، شرقي غزة، لكنها لم تسلم، حيث هُدمت كل منازلها وقُتل الكثير من أبنائها أثناء النزوح.

يستذكر ماهر ما مرّ به وبعائلته ويقول "نحن خائفون منذ أول يوم، والآن الخوف يزداد، الاحتلال يريد تدمير غزة كاملة وتهجيرها، لكن إلى أين؟".

مصدر الصورة ناهض الرفاتي: النزوح للجنوب هذه المرة إن تم فسيكون هجرة بلا عودة (الجزيرة)

بلا عودة

أما ناهض الرفاتي، وهو رب عائلة ممتدة من 17 فردا مكونة من أولاده وأحفاده، يعتبر أن النزوح الجديد أشد خطرا من الموت نفسه، لأنه حسب قوله "هجرة بلا عودة".

ويضيف "بعد 700 يوم من الحرب، استنزفنا كل طاقتنا، نزحنا 20 مرة أو أكثر، والمنطقة التي يسمونها إنسانية نعرفها جيدا لأننا نزحنا فيها سابقا، ولا تتسع لأحد، كيف سيدفعون بمليون شخص إلى هناك؟".

ويرى الرفاتي أن النزوح هذه المرة سيكون "هجرة بلا عودة"، مبينا أيضا أن ظروف الناس لا تسمح "لا مال، ولا خيام، ولا أراضٍ، ولا صحة".

إعلان

ويردف "نحن خارجون من مجاعة، والمناطق التي يصفونها بالإنسانية لا متسع فيها، وإذا وُجد فلا خدمات، نعيش في حالة رعب حقيقية، ونصحو على اكتئاب وننام على خوف، بيوتنا دُمِّرت، وأطفالنا بلا مستقبل، وإسرائيل لا تفرّق بين مدني وغيره، ننتظر الموت في أي لحظة".

مصدر الصورة محمد الكيلاني لا يملك ثمن النزوح ولا مقوماته وأطفاله وزوجته مرضى (الجزيرة)

انعدام المقوِّمات

في حين قرَّر محمد الكيلاني، النازح من شمال القطاع، عدم النزوح، والبقاء رغم الخطر الشديد الذي ينطوي عليه قراره، فالنزوح بالنسبة له مستحيل، والمواصلات وحدها تحتاج أكثر من 500 دولار.

يقول "لو أنني قررت النزوح جدلا، من أين سأوفر المال؟، وكيف سآخذ خيمتي وأغراضي؟ وأين سأعيش مع أطفالي الثلاثة؟ هل سأنام في الشارع؟".

ويتابع "زوجتي منهارة، وابنتي مصابة بسوء تغذية، وأنا أعيش في توتر دائم، أنام متأخرا وأفكر طوال الوقت، وزني انخفض من 75 إلى 50 كيلو غراما، الخوف يقتلنا".

ورغم كل الأهوال التي يعايشها محمد كل يوم، يظل مشهد بعض العائلات وهي تفكك خيامها وتتجه جنوبا، هو الأقسى، ويختصر مأساة المدينة كاملة، حيث يشعره بالهلع، وكأن الساعة الرملية تنفد، وأن لحظة الرحيل القسري تقترب منه ومن أسرته.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة


الأكثر تداولا أمريكا اسرائيل تونس حماس

حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا