يشكل الأمن الغذائي واحدا من أبرز التحديات التي تواجه منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في العقود المقبلة، إذ يعيش أكثر من 500 مليون نسمة في واحدة من أكثر بقاع العالم جفافا وندرة للمياه، وسط تزايد حاد في الطلب على الغذاء نتيجة النمو السكاني وتراجع الإنتاج الزراعي بفعل التغيرات المناخية.
الأمن الغذائي صار قضية بقاء ترتبط مباشرة بالتغيرات المناخية وندرة المياه في ظل الجفاف وارتفاع درجات الحرارة كخطر مزدوج يهدد الزراعة والإنتاج المحلي.
وتؤكد منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (FAO) أن المنطقة العربية تستورد أكثر من 50 بالمئة من احتياجاتها الغذائية الأساسية، خاصة القمح والزيوت النباتية، ما يجعلها عرضة للتقلبات العالمية في أسعار الطاقة والشحن، فضلا عن الاضطرابات الجيوسياسية مثل الحرب في أوكرانيا.
الزراعة تحت ضغط الجفاف
في مصر، تبرز أزمة ندرة المياه كأحد أخطر التحديات، حسن عبد المجيد، أستاذ الاقتصاد الزراعي في كلية الزراعة بجامعة القاهرة، أوضح في حديثه لـسكاي نيوز عربية أن الأمن الغذائي في المنطقة يواجه تحديات هيكلية بسبب محدودية الموارد المائية وارتفاع الطلب الاستهلاكي.
وأضاف عبد المجيد: "الأمن الغذائي لم يعد قضية إنتاج محلي فقط، بل أصبح مرتبطا بإدارة فعالة للمياه وتحديث نظم الزراعة، المطلوب هو التحول السريع إلى تقنيات الري الحديث، وزيادة الاستثمار في البحوث الزراعية، وتوسيع مشروعات الاستصلاح مثل الدلتا الجديدة وتوشكى".
وفي هذا السياق، كشف عبد المجيد دور الدولة المصرية على تنويع مصادر المياه من خلال إنشاء عشرات محطات تحلية مياه البحر في الساحل الشمالي وسيناء والبحر الأحمر، إلى جانب التوسع في معالجة مياه الصرف الزراعي والصحي لاستخدامها في الري، وهو ما اعتبره خبراء خطوة استراتيجية لتقليل الضغط على نهر النيل وتلبية الاحتياجات المستقبلية.
تغير المناخ يهدد المحاصيل
من جانبه، قال رئيس مركز معلومات تغير المناخ بمركز البحوث الزراعية محمد علي، إن المنطقة تشهد ما يعرف بـ"مخاطر الأمن الغذائي المركبة"، حيث يلتقي العجز المائي مع تدهور التربة وتكرار موجات الحرارة الشديدة.
وأوضح فهيم أن بعض المحاصيل الأساسية مثل القمح والذرة والأرز قد تفقد ما بين 20 إلى 40 بالمئة من إنتاجيتها بحلول عام 2050 إذا استمر الاحترار العالمي بنفس الوتيرة، وأشار إلى ضرورة التوسع في ما يُعرف بـ"الزراعة الذكية مناخيًا"، التي تعتمد على التكنولوجيا الحديثة مثل الاستشعار عن بعد، واستخدام الطاقة الشمسية في الري، إلى جانب تعزيز التنوع المحصولي لمواجهة المخاطر.
منظور إقليمي.. فجوة غذائية متنامية
وعلى المستوى الإقليمي، يؤكد الخبير المناخي شاكر أبو المعاطي، أن التغيرات المناخية لا تهدد مصر وحدها، بل تمتد آثارها إلى دول المغرب العربي والجزيرة العربية، حيث يتوقع أن تشهد المنطقة موجات جفاف ممتدة تتزامن مع فيضانات مفاجئة تدمّر البنية التحتية الزراعية.
وقال مصطفى في حديثه لـسكاي نيوز عربية: "الشرق الأوسط يستورد سنويا ما بعشرات المليارات من الحبوب والزيوت، ومع تزايد الجفاف وندرة المياه، ستزداد الفجوة الغذائية، ما لم يتم الاستثمار في الابتكار الزراعي والشراكات الإقليمية".
وأشار الخبير إلى أن استراتيجية الأمن الغذائي العربي التي أطلقتها جامعة الدول العربية عام 2021 يمكن أن تكون إطارا عمليا لتنسيق الجهود بين الدول، لكن نجاحها يتطلب إرادة سياسية وتمويلا ضخمًا، إضافة إلى مشاركة القطاع الخاص في الاستثمار في سلاسل الإمداد والتكنولوجيا الزراعية.
حلول مطروحة.. ولكن
وأكمل حسن عبد المجيد حديثه لـسكاي نيوز عربية في سياق الحلول المطروحة، أن التعامل مع أزمة الغذاء في المنطقة يتطلب تبني حلول مبتكرة تتناسب مع حجم التحديات وقال: "الخطوة الأولى هي التحول السريع إلى أنظمة الري الحديثة مثل الري بالتنقيط والرش، لأنها تقلل الفاقد من المياه وتزيد من كفاءة الاستخدام في ظل ندرة الموارد المائية".
وأضاف عبد المجيد أن التقنيات الزراعية الذكية أصبحت عنصرا أساسيا في المعركة ضد التغير المناخي، حيث يتيح استخدام الذكاء الاصطناعي وأجهزة الاستشعار متابعة حالة التربة والطقس والتنبؤ بالمخاطر، وهو ما يمكن المزارعين من اتخاذ قرارات دقيقة ترفع الإنتاجية وتقلل الخسائر.
وأشار الخبير إلى أن الاعتماد على البذور المحسنة وراثيا والمحاصيل المقاومة للجفاف يمثل ضرورة استراتيجية، خاصة في البيئات القاسية التي تتعرض لموجات حرارة وجفاف متكررة، مؤكدًا أن دعم مراكز البحوث الزراعية في تطوير أصناف جديدة سيكون أحد مفاتيح الحل.
وختم بالقول: "لا يمكن مواجهة الأزمة دون رؤية شاملة تشمل تشجيع الاستثمار الزراعي الإقليمي، وتطوير البنية التحتية للنقل والتخزين، وتقليل الاعتماد المفرط على الاستيراد الذي يعرّض المنطقة لصدمات الأسواق العالمية".