تتسارع الساعات في سباق معقّد بين المحادثات النووية الإيرانية والعقوبات الدولية التي تلوح في الأفق عبر "آلية الزناد" أو "سناب باك".
و آلية الزناد تعني إعادة جميع العقوبات الأممية على طهران دفعة واحدة. الأوروبيون لوّحوا بخطوة تاريخية قد تقلب المشهد الإقليمي رأسا على عقب، فيما تواصل إيران تمسّكها بحقها في التخصيب ورفضها تقديم تنازلات تعتبرها تفريطاً بسيادتها.
وبين شد وجذب، تظل المنطقة معلّقة بين احتمال العودة إلى مسار تفاوضي هشّ أو الانزلاق نحو مواجهة مفتوحة.
في هذا المشهد المتشابك، قدّم الكاتبان والمحللان محمد قواص و مصدق بور قراءتين متكاملتين ومتناقضتين في آن، ترسمان صورة دقيقة عن حسابات كل طرف، وتكشفان ما تبقى من أوراق دبلوماسية لدى طهران وما ينتظرها إذا تم تفعيل آلية "سناب باك".
ويرى الكاتب والباحث السياسي محمد قواص خلال حديثه إلى "غرفة الأخبار" على "سكاي نيوز عربية" أن الاجتماع الذي عُقد بين إيران والترويكا الأوروبية (ألمانيا، فرنسا، بريطانيا) لم يكن اجتماعا بروتوكوليا، بل محطة اضطرارية لكلا الطرفين. الأوروبيون، بحسب قواص، لم يعودوا قادرين على منح طهران هامشاً زمنياً إضافياً، ولذلك لوّحوا بالعودة إلى مجلس الأمن لتفعيل آلية الزناد.
هذه الآلية لا تعني عقوبات أميركية أو أوروبية فقط، بل عودة شاملة للعقوبات الأممية التي رُفعت بعد توقيع الاتفاق النووي عام 2015. ويشير قواص إلى أن هذا الإنذار الأوروبي كان مقرراً أن يُنفّذ في نهاية الشهر الجاري، وهو ما جعل طهران تسارع إلى فتح قناة تواصل دبلوماسي على مستوى منخفض مع وزراء خارجية الترويكا.
لكن الأهم في التحليل الأوروبي أن المزاج العام في العواصم الغربية لم يعد ميالاً إلى التسويف. فمصادر أوروبية تحدثت بوضوح أن طهران مطالبة بتقديم "أفعال لا أقوال"، وهو تعبير يعكس خوف الغرب من أن تستغل إيران المفاوضات وسيلة لكسب الوقت.
بين واشنطن وأوروبا.. وحدة موقف
الأوروبيون، وفق قواص، لم يعودوا محايدين كما كانوا عقب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق عام 2018. بل على العكس، أصبحوا امتداداً للموقف الأميركي. وحتى عندما طرح وزير الخارجية الأميركي مارك روبيو من باريس طلبه بتفعيل آلية الزناد، لم يكن ذلك مجرد موقف منفرد، بل مؤشراً إلى تماهي الترويكا مع الرؤية الأميركية، رغم أن واشنطن لم تعد طرفاً رسمياً في الاتفاق النووي.
الأوروبيون، إذن، ينظرون إلى المفاوضات بوصفها آخر فرصة قبل القطيعة. فإما أن تظهر طهران مرونة وتقدم خطوات ملموسة، كتخفيض التخصيب من 60 بالمئة إلى 20 بالمئة، أو يذهب الملف إلى مجلس الأمن حيث تنتظرها عقوبات دولية قاسية.
الرؤية الإيرانية.. دفاع عن السيادة وغياب الثقة
على الضفة الأخرى، يقدم مدير مركز الدراسات الاستراتيجية الإيرانية العربية مصدق بور سردية مغايرة. بالنسبة له، موقف إيران "واضح" و"مبرّر"، خصوصاً في ما يتعلق برفض عودة المفتشين الدوليين إلى المواقع النووية المتضررة من هجمات إسرائيلية وأميركية.
إيران، بحسب بور، لا ترفض التعاون مع الوكالة الدولية من حيث المبدأ، لكنها ترفض السماح للمفتشين في هذه الظروف الحساسة خشية تسريب معلومات دقيقة عن مواقعها وقدراتها، ما يسهّل التحضير لأي هجوم عسكري محتمل عليها. وبذلك، فهي تعتمد سياسة "الإيهام النووي"، حيث تبقي خصومها في حالة شك وحذر دائمين.
يذهب بور أبعد من ذلك، ليؤكد أن مطالب الأوروبيين ليست إلا "عصا أميركية" بوجه إيران. فواشنطن، التي همّشت أوروبا سابقاً في عهد ترامب، عادت اليوم لتستخدمها كورقة ضغط. ويرى بور أن الأوروبيين عاجزون عن تقديم أي ضمانات حقيقية لإحياء الاتفاق، وأنهم مجرد "أداة في يد الولايات المتحدة".
حق التخصيب خط أحمر
النقطة الجوهرية في الطرح الإيراني تتمثل في رفض التخلي عن حق التخصيب. فالاتفاق النووي لعام 2015 – والقرار الأممي 2231 – يمنح إيران حق التخصيب حتى 3.67 بالمئة، بينما يطالبها الغرب اليوم بالعودة إلى "تخصيب صفري". بالنسبة لطهران، هذا الطلب غير مقبول لأنه يناقض أساس الاتفاق.
بور يشدد على أن إيران ترى أن الولايات المتحدة لا تريد أي اتفاق، بل تسعى إلى تفكيك قدراتها النووية والصاروخية والجيوسياسية بالكامل. لذلك، فإن أي حديث عن مفاوضات جادة يتطلب أولا اعترافا بحق إيران في التخصيب وتقديم ضمانات بعدم الانسحاب مجدداً من أي اتفاق.
البعد العسكري.. ظل الحرب فوق الطاولة
في كلا الطرحين – الأوروبي والإيراني – يبقى شبح الحرب حاضرا. محمد قواص يلفت إلى أن إيران لوّحت بالخروج من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، ما يعني أن برنامجها قد يصبح خارج أي رقابة دولية. وهذا السيناريو قد يسرّع من تخصيب عالي المستوى ويدفع خصومها، وعلى رأسهم إسرائيل، إلى التفكير بالخيار العسكري.
من جهته، يوضح مصدق بور أن إيران لا تخشى الحرب بقدر ما تخشى تحميلها مسؤولية اندلاعها. فهي تريد أن تظهر أمام العالم كطرف "ذهب إلى التفاوض"، بينما الغرب هو من أشعل المواجهة.
ومع ذلك، يعترف بور أن أي حرب ستكون مكلفة للجميع، إذ ستتحول إلى حرب استنزاف لا تصب في مصلحة أميركا أو إسرائيل.