في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
تحتل العلاقات الأذربيجانية الإسرائيلية مساحة كبيرة ومؤثرة في السياسة الخارجية ل باكو ، وتصبح هذه العلاقات ذات أهمية عسكرية وإستراتيجية حاسمة عندما يتعلق الأمر بالحروب التي خاضتها أذربيجان ضد أرمينيا، أو علاقاتها المتوترة مع جارتها الجنوبية إيران ، وتكون ذات أبعاد سياسية متداخلة تحتاج إلى سبر أغوارها عندما يتعلق الأمر بتشابك المصالح والثروات في تلك المنطقة الحيوية بين آسيا وأوروبا.
ومن قلب القوقاز وبوابة أوراسيا، يؤكد روفيز حافظ أوغلو، نائب مدير وكالة "ترند" للأنباء بأذربيجان، أن علاقات بلاده ب إسرائيل ذات طابع إستراتيجي، لكنها لا تتعارض مع الروابط القوية التي تجمع بين بلاده والدول العربية والإسلامية، مبينا الأسباب الحقيقية التي تقف وراء قوة هذه العلاقات، والموقف من العدوان الإسرائيلي على غزة.
وفي مقابلة خاصة للجزيرة نت، يروي حافظ أوغلو قصة شغفه باللغة العربية التي أتقنها كثمرة علاقة إنسانية لأسرته مع طالبة يمنية كانت تدرس في باكو، لتفتح أمامه بوابة جديدة لفهم العالم العربي وتاريخه.
وحافظ أوغلو إلى جانب عمله الصحفي الطويل، أسس موقع "عرب أذربيجان" الإلكتروني، وهو أيضا محلل سياسي في شؤون الدول الناطقة بالتركية، وضيف دائم الحضور على وسائل الإعلام العربية.
ولذلك لم يغب عن هذا الحوار استعراض طبيعة العلاقات المتنامية بين أذربيجان وتركيا، وما تقدمه أنقرة من دعم سياسي وعسكري واقتصادي، مؤكدا وحدة الشعبين في التاريخ والهوية واللغة.
وتطرق الحوار كذلك إلى الاشتباكات في العلاقات الإيرانية الأذربيجانية، سواء كانت عرقية أم مذهبية أم جيوسياسية، وتأثيرات ذلك على التوترات الحدودية بين البلدين، وانعكاسها على الحروب التي خاضتها أذربيجان ضد أرمينيا.
ولمتابعة الحوار كاملا يمكن قراءة التفاصيل التالية، ومشاهدة مقاطع الفيديو المرفقة..
كان سؤالي الأول، لروفيز عن كيفية تعلمه العربية على هذا النحو اللافت، مثيرا قويا لاستعادة ذكريات طفولته عندما دفعه فضوله وحنينه للمعرفة إلى تعلّم العربية، فكانت قصة عشق للغة العربية منذ الطفولة، وذلك عندما بدأها في التسعينيات مع فتاة يمنية لجأت إلى بيت عائلته في فترة الحرب بين شمال اليمن وجنوبه.
ويقول "هذه أول فتاة عربية التقيتها من قرب، ووجدت نفسي أريد أن أفهمها وأتحدث لغتها". لم تكن العربية لغة سهلة بالنسبة لصبي في 12 من عمره، لكن الدافع الإنساني والرغبة في التواصل دفعاه لاقتحام عوالمها.
لم تكن رحلة التعلم سهلة -كما يقول حافظ أوغلو- لكن إصراره على الممارسة العملية، ثم عمله مع منظمات خيرية عربية في بلاده جعلا اللغة جزءا من كيانه، وتطور معها للحد الذي تجدونه في المقاطع المرفقة.
ويكشف روفيز عن أن العربية في أذربيجان لغة نخبوية، لا يتحدثها إلا قلة من الأكاديميين أو المترجمين أو رجال الأعمال كثيري السفر. ويقول "رغم وجود جامعة الاستشراق في باكو منذ أيام الاتحاد السوفياتي ، فإن المجتمع الأوسع ظل وفيا للأذربيجانية والروسية، بينما الجيل الجديد يتجه نحو الإنجليزية".
وبتأثر واضح يبديه الصحفي الأذربيجاني، يبين أن "الحقبة السوفياتية كانت مأساة للغة والدين والتاريخ، إذ اختفى كل شيء أصيل تقريبا". مبينا أنه في هذه الفترة فقد شعب أذربيجان أحرفه العربية ليتحول إلى اللاتينية بعد الاستقلال، وضاع معه كثير من الإرث الوطني.
تعد العلاقات المتنامية بين أذربيجان وإسرائيل -لا سيما الجانب العسكري منها- مثيرة لاهتمام العديد من المتابعين العرب، ويبدو أن هذا التساؤل كان يطارد المتحدث في كل مكان يزوره، لذلك بادر مباشرة بالإجابة عن هذا السؤال كأنه كان ينتظره.
وقال "علاقتنا بإسرائيل ليست سرا، إنها علاقة إستراتيجية تعود إلى أوائل التسعينيات".
ثم يعود إلى ذكر تفاصيل تنامي هذه العلاقة، مبينا أنها تعود إلى دور الجالية اليهودية التي تعيش منذ أجيال في منطقة قوبا ( شمالي البلاد) بحماية ورعاية الدولة، ولها تأثيرات واضحة في المجتمع الأذربيجاني وسياساته.
وبالنسبة لقضية تزويد إسرائيل أذربيجان بالسلاح (وهذا بيت القصيد)، قال حافظ أوغلو "نعم، نحن نشتري أسلحة من إسرائيل، وهذا لا نخفيه. لكن لماذا لا نشتري منها؟" وبلهفة يجيب "إن الرئيس إلهام علييف قال في مقابلاته، إنه قبل أن نذهب إلى إسرائيل لشراء الأسلحة، توجهنا إلى إيران وطلبنا شراء أسلحة منها لتحرير أراضينا، لكنهم رفضوا. وبعدها ذهبنا إلى إسرائيل ودفعنا الأموال لشراء الأسلحة".
ويشير الصحفي الأذربيجاني إلى أن "السياسة الواقعية" هي ما جعلت أذربيجان تشتري السلاح من إسرائيل لتحرير أراضيها، ومع ذلك فإن "إسرائيل ليست لها أي قوة للتدخل في الأمور الداخلية والخارجية لأذربيجان، فنحن دولة لديها سياسة داخلية وخارجية مستقلة".
ويضيف حافظ أوغلو، أن باكو تدير توازنا بين مصالحها مع إسرائيل وعمقها العربي والإسلامي، إن "علاقاتنا بإسرائيل لا تمنعنا من بناء علاقات قوية بالدول المسلمة، وأذربيجان عضو في مجلس التعاون الإسلامي، ونعترف بفلسطين، وتوجد سفارة فلسطينية في باكو، وعلاقتنا ب السلطة الفلسطينية قديمة ومتجذرة".
ويعود إلى الوراء في جلسته، ثم يقول "عندما ينتقدنا بعض العرب على علاقاتنا بإسرائيل، نذكّرهم بروابطهم المتنامية مع إسرائيل أيضا"، مضيفا "نحن لا نضحي بعلاقاتنا العربية بسبب علاقاتنا بإسرائيل. ولذلك عندما تتهم أذربيجان بسبب علاقاتها بإسرائيل، فيجب أن نلقي نظرة على علاقات بعض الدول العربية بإسرائيل".
هنا، يملأ صوت روفيز حافظ أوغلو الدفء حين يتحدث عن تركيا؛ "نحن شعب واحد في بلدين"، هكذا يصف العلاقة بين الأذربيجانيين والأتراك، مستشهدا بتقارب اللغة والعادات والتاريخ المشترك.
ويقول إن الفروق بين اللغة التركية في أذربيجان وتركيا لا تتجاوز 10% فقط، وتنحصر في بعض المصطلحات التقنية والطبية وقليل من التفاصيل، بما لا يتجاوز الفرق بين لهجتين للغة واحدة.
وعندما سألته عن سلاح تركيا وتدخلاتها في السياسة الأذربيجانية، يأخذ المتحدث نفسا عميقا ويعدد في هدوء ما تستفيده أذربيجان من هذا التقارب، إن "الدعم التركي حاضر بقوة في كل المجالات، من السياسة إلى الاقتصاد إلى الدفاع".
ويضيف أن الأسلحة التركية -خاصة المسيّرات- كان لها تأثير نوعي في الحرب الأخيرة ضد أرمينيا، ومع ذلك يبقى الفضل الأكبر للجيش الأذربيجاني الذي أحسن استثمار هذا الدعم.
ولم يغب عن نائب مدير وكالة "ترند" الإشارة إلى مشاريع الغاز الضخمة والتمويل المتبادل بين البلدين، موضحا أن أذربيجان جزء كبير من العالم التركي، وتتحدث التركية وتعرف الروسية، ومن ثم فهي قادرة على مدّ جسور التواصل بين جمهوريات آسيا الوسطى وتركيا من أجل تعزيز العلاقات والاستفادة منها.
حين يُذكر اسم إيران، تختلط مشاعر الأسى والحذر في تعبيرات حافظ أوغلو: "دعم إيران أرمينيا ليس جديدا، إنه يوجعنا".
ويفسر المتحدث نفسه توتر العلاقات بين باكو وطهران بأنه مرتبط بمخاوف إيران من الجالية الأذربيجانية الكبيرة التي تعيش على أراضيها، إذ تخشى إيران من فكرة استقلال هذه الجالية وانضمامها إلى أذربيجان الأم.
ويستدرك بأن إيران استمرت في دعم أرمينيا طوال حربها ضد أذربيجان، ولديها مخاوف اقتصادية تتمثل في اعتبار أرمينيا ممرا لها عبر جورجيا للوصول إلى البحر الأسود ، مشيرا إلى أن إيران تعتبر أذربيجان حديقة خلفية لها.
وحتى مع توقيع أذربيجان اتفاقية سلام مع أرمينيا، فإن ذلك لم يرق إيران، وتصر على تقديم إحصاءات غير صحيحة عن عدد الشيعة في أذربيجان، مدعية أنها ذات أغلبية شيعية مطلقة، في حين أن أذربيجان دولة علمانية يعيش فيها السنة والشيعة والمسيحيون واليهود، ونسبة الشيعة لا تتعدى 55%، حسب قول حافظ أوغلو.
وينفي الصحفي الأذربيجاني ادعاءات إيران بأن علاقات بلاده بإسرائيل تمثل تهديدا لطهران، مبينا أن الإيرانيين هم من رفضوا بيع السلاح لأذربيجان أولا، وهم من جعلوا باكو مضطرة لشرائه من إسرائيل، كما أشار إلى أن أذربيجان لا تضم أراضيها أي قواعد عسكرية لإسرائيل، ومن ثم هي لا تمثل تهديدا مباشرا للأراضي الإيرانية.
وينتقل الصحفي الأذربيجاني للحديث عن القضية الفلسطينية بعين إنسانية ووجدانية "أذربيجان ضد الإبادة الجماعية وضد قصف المدنيين أينما كانوا". مضيفا أنه "رغم البعد الجغرافي فإن بلاده حريصة على دعم الحق الفلسطيني عبر القنوات الدبلوماسية، وتعترف بالسلطة الفلسطينية.
لكنه استدرك "إن المساندة العملية تظل محدودة لاعتبارات الجغرافيا والظروف السياسية، رغم وجود السفارة الفلسطينية في باكو والتي تمارس أنشطتها، إضافة إلى وجود طلاب فلسطينيين يدرسون في بلادنا".
ويقرّ حافظ أوغلو بأن بلاده لا تعترف بسلطة حركة المقاومة الإسلامية ( حماس ) في غزة، مرجعا السبب إلى عدم اعتراف الأمم المتحدة بشرعيتها وكذلك العديد من الدول، ومع ذلك يقول إن "بلاده تدعم الفلسطينيين بصور كثيرة"، لكنه رفض الكشف عن هذه الصور قائلا "ليس كل ما يُفعل يمكن أن يقال".
ويعترف أيضا بأن هناك قصورا في تغطية الإعلام الأذربيجاني لأحداث غزة، مرجعا ذلك لعدم وجود مراسلين ميدانيين في فلسطين، وإلى ضعف الكفاءة في اللغة العربية. مشيرا إلى أن الإعلام في بلاده يعتمد غالبا على مصادر غربية أو روسية، متمنيا أن تصبح اللغة العربية وجسور التعاون الإعلامي أقوى مستقبلا ليفهم الناس بعضهم بعضا أفضل.
وتضطلع أذربيجان بدور محوري في منطقة القوقاز، وذلك بعد نجاحها في ترسيخ مكانتها السياسية عبر توازن دقيق بين القوى الإقليمية والعالمية، رغم التحديات التي واجهتها خلال الحرب الطويلة مع أرمينيا بشأن إقليم قره باغ، والوجود الروسي على أراضيها لعشرات العقود، ونجاحها كذلك في أن تكون جسرا بين دول آسيا والقارة الأوروبية في مشاريع الطاقة والملفات السياسية المختلفة.