في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
في عالم تتزايد فيه الأزمات تبقى المجاعة أحد أكثر التحديات المأساوية والملحة التي تواجه البشرية، وبينما تشير المؤشرات إلى تفاقم الكارثة في غزة وإعلان المجاعة رسميا في دارفور بالسودان يتكرر السؤال: ما المجاعة؟ ولماذا تعد مصدر قلق عالمي؟
تقول منظمة "أنقذوا الأطفال" إن المجاعة ليست مجرد نقص في الغذاء، بل هي المرحلة الأشد ضمن تصنيف انعدام الأمن الغذائي الحاد الذي وضعه نظام تحليل الأمن الغذائي المتكامل (آي بي سي).
وتوضح أن هذا المصطلح لا يُستخدم إلا عندما تصل الأزمة إلى مستوى كارثي، ويبدأ الناس بالموت جوعا فعليا.
تضيف المنظمة أنه وفقا لمعايير نظام تحليل الأمن الغذائي المتكامل يُعلن عن المجاعة عندما:
وتذكر منظمة "أنقذوا الأطفال" أن نظام تحليل الأمن الغذائي المتكامل الذي أنشئ عام 2004 يقدّم أداة تحليل مبنية على الأدلة لتصنيف مستويات الجوع وسوء التغذية.
والهدف منه ليس فقط توثيق الكارثة، بل تمكين الحكومات والمنظمات الإنسانية من التحرك قبل فوات الأوان.
وتتابع المنظمة أنه لا توجد جهة واحدة مسؤولة حصريا عن إعلان المجاعة، بل يتم بالتعاون بين حكومة الدولة المتأثرة ووكالات الأمم المتحدة وشبكات الإنذار المبكر مثل "إف إي دبليو إس إن إي تي" التي أسستها الحكومة الأميركية.
وغالبا ما يكون الإعلان قرارا سياسيا، مما يفسر تردد بعض الدول في الاعتراف الرسمي رغم وصول الأزمة إلى مستويات حرجة.
وذكرت منظمة "أنقذوا الأطفال" في مقالها المطول أعلنت المجاعة رسميا في إقليم دارفور السوداني في أكتوبر/تشرين الأول 2024، حيث تجاوزت الأزمة كل الخطوط الحمراء.
وفي وقت سابق، شهدت ولايات جنوب السودان مجاعات مشابهة عام 2017 وأجزاء من الصومال في 2011.
وقد توفي أكثر من ربع مليون شخص في الصومال وحده -نصفهم أطفال دون الخامسة- في واحدة من أسوأ الكوارث الغذائية بالتاريخ الحديث.
تؤكد منظمة "أنقذوا الأطفال" أن مئات الآلاف من الأطفال في غزة وأجزاء من السودان يواجهون حاليا ظروفا تشبه المجاعة، ومع قلة المساعدات وصعوبة وصولها إلى هذه المناطق تتفاقم الأزمة يوما بعد يوم.
وتوضح المنظمة في تقريرها المطول أن غزة اليوم ليست على شفا المجاعة فحسب، بل تعيشها فعليا بحسب منظمات إنسانية عديدة، فبعد عام من الحصار والقصف المتواصل منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 بات 96% من سكان القطاع يعانون من نقص غذائي حاد، أكثر من 495 ألفا منهم يواجهون المرحلة الخامسة من تصنيف نظام تحليل الأمن الغذائي المتكامل، أي ظروف المجاعة الكاملة.
ورغم فترات الهدنة القصيرة فإن المساعدات لا تزال محاصرة على أبواب القطاع.
وتتابع المنظمة أن أكثر من 1.1 مليون طفل لا يحصلون على غذاء كاف ولا مياه نظيفة ولا رعاية صحية، هؤلاء الذين نجوا من القنابل يواجهون الآن خطرا صامتا هو الجوع.
وفي السودان، تسببت الحرب المستمرة منذ أكثر من عام في تحويل أراض خصبة إلى ساحات معارك جرداء.
واليوم، يعاني أكثر من 25.6 مليون شخص في السودان من مستويات انعدام أمن غذائي حادة (التصنيف 3 من نظام تحليل الأمن الغذائي المتكامل)، من بينهم أكثر من 3.7 ملايين طفل يعانون من سوء تغذية حاد، ونحو 755 ألفا يواجهون مستويات كارثية من الجوع (التصنيف 5 على نظام تحليل الأمن الغذائي المتكامل).
ورغم إعلان المجاعة في دارفور فإن مناطق أخرى في البلاد لا تزال تتأرجح على حافة الكارثة، وسط غياب شبه كامل للمساعدات وارتفاع مستمر في معدلات الوفيات.
توضح المنظمة أن الأطفال هم أول من يدفع الثمن، نقص الغذاء يجعلهم عرضة لأمراض مثل الإسهال والكوليرا والالتهاب الرئوي، ومع تراجع قدرة الجسم على امتصاص المغذيات تتفاقم حالات التقزم والهزال، وقد ينتهي الأمر بالموت في غياب تدخل عاجل.
والمجاعة أيضا تجبر العائلات على قرارات مدمرة، منها تزويج الفتيات القاصرات مقابل طعام، وإخراج الأطفال من المدارس للعمل، أو حتى الانضمام إلى جماعات مسلحة مقابل الحماية والغذاء.
وتذكر منظمة "أنقذوا الأطفال" في مقالها أنه بحسب خبراء الإغاثة، فإن تجنب المجاعة أو الحد من آثارها يعتمد على 4 محاور:
وتعد هذه العوامل ضرورية لضمان وصول الغذاء، ومدخلات الزراعة، ودعم الثروة الحيوانية، والمياه، والصرف الصحي، والصحة، والتغذية إلى المجتمعات الأكثر ضعفا.
لكن هذا يتطلب إرادة سياسية دولية تتجاوز البيانات والخطابات إلى قرارات عملية على الأرض.
تؤكد المنظمة أن تعريف المجاعة يشمل المعاناة البشرية والتأثير السياسي، مما يعكس أثرها العميق على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي.
وبالنسبة للناس تدمر المجاعة سبل العيش، وتؤدي إلى نقص حاد في الغذاء، وسوء تغذية شديد وتفشي الأمراض وزيادة عدد الوفيات.
وبالنسبة للمنظمات الإنسانية تعد المجاعة فشلا في الوقاية والاستجابة.
أما بالنسبة للحكومات فهي مسألة حساسة سياسيا، لأنها قد تشير إلى فشل في الحوكمة وعدم القدرة على توفير الحماية الأساسية للمواطنين.
المجاعة لا تنشأ من فراغ، بل غالبا ما تكون نتيجة تقاطع أزمات عدة يمكن تلخيصيها في ما يلي:
من المهم التمييز بين 3 مفاهيم مرتبطة لكنها مختلفة بحسب منظمة "أنقذوا الأطفال":
الجوع: شعور الجسم بالحاجة للطعام، وقد يكون عابرا.
وعند الأطفال يظهر نقص التغذية في صور، مثل: التقزم والهزال ونقص المغذيات الدقيقة، مثل نقص الفيتامينات والمعادن.
سوء التغذية: يحدث عندما يعاني الأشخاص من نقص كبير في الغذاء ويؤدي إلى ضعف في النمو والمناعة، وسوء التغذية الحاد الشديد هو أشد وأخطر أشكال نقص التغذية، خاصة للأطفال دون سن الخامسة.
ويمكن أن يؤثر ذلك على النمو العقلي والجسدي، ويضعف جهاز المناعة، ويحوّل الأمراض الطفولية الشائعة إلى أمراض مميتة.
المجاعة: وهي المرحلة القصوى من نقص الغذاء التي تؤدي إلى موت جماعي.
ويتطلب تصنيف المجاعة توفر أدلة على 3 معايير رئيسية: استهلاك غذائي منخفض جدا، وسوء تغذية حاد، ومعدل وفيات مرتفع.
ما يحدث في غزة والسودان اليوم ليس مجرد أزمة غذائية، إنه تحوّل مأساوي في مصير ملايين البشر أطفالا ونساء ورجالا، والتأخير في الاستجابة ليس فقط إخفاقا سياسيا وأخلاقيا، بل حكم غير مباشر بالموت على الأضعف.
وتوضح منظمة "أنقذوا الأطفال" أن المجاعة ليست حتمية، بل هي نتيجة قرارات بشرية، ويمكن منعها بقرارات بشرية كذلك، والسؤال المطروح على العالم اليوم ليس ما إذا كانت هناك مجاعة، بل: ماذا سنفعل حيالها الآن؟