تناولت الصحافة الإسرائيلية انهيار الدروز في جنوب سوريا من زاويتين مختلفتين، رأت إحداهما أن على إسرائيل مواجهة الواقع، دون الانخداع باتفاق محتمل مع سوريا، في حين حذرت الأخرى من أن تدخل إسرائيل في كل شيء، قد يفقدها أوراقها المهمة في سوريا.
وكتب الأستاذ والخبير كفير تشوفا في موقع واينت التابع لصحيفة يديعوت أحرونوت أن سوريا الآن تحت سيطرة تحالف من الفصائل الإسلامية، بعضها ذو أجندة جهادية صريحة، مشيرا إلى أن أي اتفاق سياسي يشرع سلطتهم سيمنحهم الوقت والموارد والشرعية لبناء جيش قادر على الوقوف يوما ما على حدود إسرائيل، بنية واضحة.
ونبه الكاتب إلى أن الدروز -الذين يعتبرهم أحد أهدأ شركاء إسرائيل وأكثرهم موثوقية- يتعرضون لهجوم منسق ولعمليات إجلاء جماعي، في الوقت الذي تفكر فيه الدوائر الإسرائيلية والغربية في اتفاق محتمل مع نظام الرئيس السوري أحمد الشرع ، الذي خلف الرئيس المخلوع بشار الأسد .
وأوضح الكاتب أن على إسرائيل مواجهة الواقع، معتبرا أن وراء اقتراح معاهدة عدم الاعتداء مع سوريا محاولة لتطبيع الوضع الراهن في المنطقة، وأن ذلك عمليا يقدم ميزة كبيرة للكتلة السنية الإسلامية -حسب رأيه- ويعرض إسرائيل لمخاطر إستراتيجية متعددة.
ورأى كفير تشوفا أن في هذا الاتفاق لعبة خداع إستراتيجي كلاسيكية، يقترح خلالها أحد اللاعبين مصالحة زائفة لتعزيز قوته والاستعداد لمواجهة مستقبلية، مشيرا إلى خطورة مبادرة تجارية جديدة قيد التشكل تربط بين السعودية والأردن وسوريا وتركيا، متجاوزة إسرائيل، لأنها ستقوض مبادرة الهند وإسرائيل وأوروبا، وتجرد إسرائيل من دورها كحلقة وصل رئيسية بين الشرق والغرب.
ما يبدو اليوم ترتيبا دبلوماسيا هادئا قد يثبت قريبا أنه خطأ إستراتيجي باهظ التكلفة
بواسطة كفير تشوبا
ومما يثير القلق -حسب الكاتب- تخلي إسرائيل عن شركائها الصامتين منذ فترة طويلة، كالدروز في الجنوب والأكراد في الشمال، مشيرا إلى أن تل أبيب، من دون شروط واضحة في أي اتفاق تضمن حماية هذه المجتمعات، تخاطر بفقدان حلفاء موثوق بهم، وبتفكيك إحدى أكثر آليات الأمن غير الرسمية استقرارا على طول حدودها.
وخلص كفير تشوفا إلى أن ما يبدو اليوم ترتيبا دبلوماسيا هادئا قد يثبت قريبا أنه خطأ إستراتيجي باهظ التكلفة، داعيا إسرائيل إلى أن تطالب بشروط حازمة وشفافة، وأن تقاوم الانجراف وراء وهم "عدم الاعتداء"، لأنه مفهوم صاغه آخرون لخدمة مصالحهم.
أما صحيفة جيروزاليم بوست فرأت -في تقرير بقلم يونا جيريمي بوب- أن إسرائيل كلما تدخلت في مسائل مريبة لا تهدد مصالحها بوضوح، زادت سرعة خسارتها للأوراق الرئيسية التي تمسك بها في سوريا.
وشككت الصحيفة في أن تمر هجمات إسرائيل على قوات النظام السوري دون تحد أو دون تداعيات إستراتيجية كبيرة، حتى ولو كانت لحماية بعض الدروز السوريين الذين تربطهم بها علاقات جيدة، وحتى لو كانت القوات السورية دخلت المنطقة العازلة التي أعلنتها إسرائيل.
وبالفعل أبدت إسرائيل تحفظا كبيرا من الشرع، وصرح مسؤولون إسرائيليون بأنه "ذئب في ثياب حمل"، وبأنه لا يزال جهادي القاعدة الخطير نفسه، ولكن الرئيس الأميركي دونالد ترامب قرر أن الشرع شريك شرعي، وألغى جميع العقوبات الأميركية، وطلب من إسرائيل أن تواكب البرنامج وأن تتصالح معه.
ورغم كل المخاوف، انضمت إسرائيل في النهاية إلى الموقف -كما تقول الصحيفة- والتقى مدير الموساد ديفيد برنيع بالشرع، وتحدث الجانبان عن اتفاق هدنة جديد محتمل، وربما تطبيع في نهاية المطاف، كما التقى عدد من كبار المسؤولين الأميركيين بالشرع وأعلنوا دعمهم له كرجل مصلح سيحقق السلام مع إسرائيل.
وأشار الكاتب إلى أن ترامب قد يمنع إسرائيل، على الأمد القريب أو المتوسط، من القيام بالأعمال التي كانت تقوم بها، وقد يدفعه استمرارها فيها إلى مطالبتها بمغادرة منطقتها العازلة السورية في وقت أقرب، مما يقوض نفوذها الإستراتيجي.
وذكرت الصحيفة أن ما يحدث للدروز يبدو حادثة بسيطة، حيث قام بعض البدو السوريين باختطاف درزي سوري واحد، مما أدى إلى انزلاق قبائل متنافسة في صراع أكبر بين عدة قرى، وخلصت إلى أن كل هذا لا يزال شأنا سوريا محليا، لا يبدو أنه يورط الأمن الإسرائيلي أو يبرر أمره بالتدخل.
وتساءلت الصحيفة إذا أصبح الشرع مقبولا، فكم مرة تستطيع إسرائيل منع النظام السوري الحالي من التدخل لحل النزاعات الداخلية الفوضوية بين القبائل؟ خاصة أن الشرع لم يبد، بعد 8 أشهر من حكمه، أي إشارة إلى أنه سيهدد إسرائيل، ناهيك عن أي تحرك ملموس للقيام بذلك.
وخلصت الصحيفة إلى أن الشرع وترامب قد يملان من منح إسرائيل حرية التصرف في سوريا في قضايا مهمة، إذا استمرت في التدخل في العديد من القضايا الغامضة، التي تظهر أنها قوة "احتلال" تمنع حكومة شرعية من استعادة النظام في أراضيها.