آخر الأخبار

نتانياهو يصطدم بالجيش بسبب "المدينة الإنسانية" في غزة: ما هو سبب الخلاف؟

شارك
مصدر الصورة

شهد اجتماع المجلس الأمني المصغر في إسرائيل، مساء الأحد، توتراً حاداً بين رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو ومسؤولي الجيش، وذلك في أعقاب تقديم خطة لبناء ما وُصِفَ بـ "مدينة إنسانية" في منطقة رفح جنوب قطاع غزة، تهدف إلى إيواء ما يصل مبدئيا إلى 600 ألف فلسطيني من مناطق القتال في القطاع، وهو المشروع الذي كان وزير الدفاع يسرائيل كاتس قد كشف عنه النقاب الأسبوع الماضي.

وبحسب ما نقلته وسائل إعلام إسرائيلية، رفض نتانياهو الخطة المقترحة من قبل الجيش ووزارة الدفاع بشأن تجسيد هذا المشروع على أرض الواقع، قائلاً إنها "غير واقعية"، وطالب بإعداد خطة بديلة تكون "أسرع وأرشق وأقل تكلفة".

ونُقِلَ عن مصدر حكومي حضر الاجتماع قوله إن نتانياهو صرخ في وجه رئيس الأركان إيال زامير قائلاً: "طلبت خطة واقعية!".

وقد عُقِدَ هذا الاجتماع الطارئ بعد أن أعرب الجيش الإسرائيلي عن معارضته للمشروع، ليس فقط بسبب كلفته العالية وطول مدة تنفيذه التي قد تستغرق شهورا، بل أيضاً بفعل مخاوف أمنية.

فالمؤسسة العسكرية في إسرائيل، ترى أن إنشاء ما وُصِفَ بـ "مدينة خيام" واسعة بهذا الحجم، من شأنه أن يقوض الجهود الرامية لتحرير الرهائن المحتجزين لدى حركة حماس، وتخشى من أن يُفسَّر المشروع كإشارة إلى نية إسرائيل الاكتفاء باتفاق جزئي، ما قد يدفع إلى استئناف القتال بعد التوصل إلى أي وقف محتمل لإطلاق النار، خصوصا مع مطالبة حماس بانسحاب الجيش الإسرائيلي من كل المدن الكبيرة في القطاع تمهيداً لانسحاب عسكري كامل، كمطلب أساسي لها، للتوجه لأي اتفاق نهائي مع إسرائيل.

وبحسب تقديرات الجيش، سيستغرق تنفيذ الخطة الخاصة بإقامة هذه "المدينة الإنسانية" عدة أشهر، وربما عاما كاملا، وهو ما رفضه نتانياهو وعدة وزراء طالبوا بتقليص الجدول الزمني.

مصدر الصورة

وترى المؤسسة العسكرية في إسرائيل أن الفرصة متاحة للتوجه إلى اتفاق مع حماس، يعيد المحتجزين الاسرائيليين، وذلك في ظل تسريبات بشأن نشوب خلافات بين نتانياهو ورئيس الأركان زامير حول مسألة استمرار الحرب في غزة.

فـ "زامير"، الذي عينه نتانياهو مؤخرا رئيسا للأركان، يعتبر أن استمرار الحرب والقضاء على حماس، لا يتماشيان مع تحقيق هدف إعادة المحتجزين من القطاع.

خلاف بين وجهتي نظر سياسية وأمنية

وفي مقابلة مع "بي بي سي"، تحدث موريس هيرش، الضابط السابق في الجيش الإسرائيلي، عن عمق الخلاف القائم بين المستويين السياسي والعسكري في إسرائيل بشأن مقترح إنشاء "مدينة إنسانية" في جنوبي قطاع غزة، قائلاً إن هذا الخلاف "طبيعي في الديمقراطية" وإن لكل جهة منهما منظورها الخاص.

وأوضح هيرش أن الحكومة ترى في "المدينة الإنسانية" حلاً عملياً يتيح إجلاء المدنيين الفلسطينيين من مناطق القتال في القطاع إلى منطقة مركزية، تتوافر فيها المياه، والغذاء، والبنية التحتية، وتُوزّع في أرجائها المساعدات بشكل مباشر دون تدخل من حماس.

وأضاف: "هذه هي الطريقة الأفضل لمحاربة حماس، وتقليل الأضرار الجانبية التي يتعرض لها المدنيون".

وأكد أن وجود المدنيين في مناطق القتال يعيق العمليات العسكرية، مشيراً إلى أن إخراجهم المؤقت من تلك المناطق، سيتيح استهداف البنية التحتية لحماس بفعالية أكبر، دون تعريض المدنيين للخطر، بحسب تعبيره.

وحول موقف الجيش المعارض للخطة الخاصة بإقامة هذا المشروع، قال هيرش إن هذا الموقف يعود إلى أن الجيش يفضل توزيع المساعدات في عدة مواقع، بدلاً من تركيز عشرات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين في منطقة واحدة، وهو ما يعتبره خطراً أمنياً محتملاً.

وفي الوقت نفسه، أعرب هيرش عن تخوّفه من إمكانية استغلال "المدينة الإنسانية" من قبل حركة حماس، لإخفاء عناصرها بين المدنيين، ما يُعقّد جهود السيطرة الميدانية من وجهة نظر عسكرية.

وردًا على سؤال حول سبب معارضة بعض القادة العسكريين الإسرائيليين، مثل الجنرال زامير لهذه الخطة رغم قربهم من نتانياهو، قال هيرش إن ذلك "لا يعكس تغيّراً في الولاء السياسي، بل هو خلاف طبيعي في التقييم الميداني".

تكاليف باهظة

مصدر الصورة

من جانب آخر، وبحسب وسائل الإعلام الإسرائيلية، تواجه خطة "المدينة الإنسانية" معارضة شديدة من جانب كبار مسؤولي وزارة المالية، الذين حذروا من تبعات اقتصادية "كارثية" في حال تنفيذ هذا المشروع، دون توفير مصادر تمويل واضحة.

ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت"، قدّرت الوزارة إن إقامة تلك "المدينة الإنسانية" وصيانتها، سيكلفان السلطات الإسرائيلية 15 مليار شيكل (نحو 4.5 مليار دولار) خلال العام الجاري والعام المقبل. وتشير التقديرات إلى أن توفير تكلفة المشروع لن يتم على المدى القصير، على ضوء أنه ليس مؤقتاً، بل يُتوقع أن يستمر لسنوات.

وقدّرت الجهات الحكومية المعنية بالمشروع في إسرائيل، وهي مكتب رئيس الوزراء، ووزارة الدفاع، ووزارة المالية، كلفة إنشاء البنية التحتية وحدها لتلك "المدينة الإنسانية" بما يتجاوز 10 مليارات شيكل (2.9 مليار دولار)، في حين ستبلغ تكاليف الصيانة السنوية للمشروع برمته، مبلغا مماثلا بسبب التضخم والنمو السكاني المتوقع فيها.

ووصف أحد المسؤولين في الحكومة الإسرائيلية الخطة بأنها "تعادل بناء مدينة إسرائيلية جديدة بالكامل، بكل ما فيها من بنى تحتية: ماء، وكهرباء، وصرف صحي، وإنارة، وطرق، ومدارس، ورياض أطفال ومستشفيات"، مشيراً إلى أن نحو نصف السكان المتوقعين لها سيكونون من الأطفال.

دعم سياسي

مصدر الصورة

ورغم الاعتراضات الاقتصادية والعسكرية، يحظى مشروع "المدينة الإنسانية" بدعم سياسي من قبل وزير الدفاع يسرائيل كاتس، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، وكلاهما يرى في المشروع "ضرورة أمنية وإنسانية"، حتى وإن كان مكلفاً.

لكن المسألة الآن لا تقتصر على خلاف بشأن المال أو الوقت، بل إنها تكشف عن انقسام حاد في مؤسسة الحكم الإسرائيلية: بين اعتبارات الأمن القومي، والضغوط الاقتصادية، والأهداف السياسية لرئيس الوزراء الذي يبدو عازماً على المضي قدماً في المشروع، رغم كل التحذيرات.

بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا