آخر الأخبار

“المدينة الإنسانية” محطة على طريق التهجير القسري بغزة

شارك

القدس المحتلةـ وسط مفاوضات غير مباشرة في العاصمة القطرية الدوحة ، قدم الوفد الإسرائيلي خريطة إعادة انتشار وتموضع لقواته في قطاع غزة ، تحدد ترتيبات وقف إطلاق النار المقترح لمدة 60 يوما.

هذه الخريطة، التي جرى تسليمها للوسطاء في إطار التفاهمات، تكشف عن نية إسرائيل رسم حدود جديدة للاحتلال على الأرض، وتثبيت وقائع ميدانية تثير مخاوف واسعة.

في قلب هذا المخطط تبرز خطة مثيرة للجدل أُطلق عليها اسم "المدينة الإنسانية"، لكنها توصف بأنها أقرب إلى "غيتو"، مما يعيد إلى الأذهان أسوأ فصول التاريخ خلال الحرب العالمية الثانية .

ووفق التصور الذي طرحه وزير الدفاع يسرائيل كاتس ويحظى بدعم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ، تعتزم إسرائيل إقامة معسكر خيام ضخم على أنقاض مدينة رفح المدمرة بالكامل في جنوب القطاع.

ويهدف هذا المعسكر إلى "تجميع" مئات الآلاف من النازحين واللاجئين الفلسطينيين الذين شُرّدوا جراء القصف، بحيث يحصلون داخله على الغذاء وربما الدواء، وهما سلعتان نادرتان في غزة، لكن لن يُسمح لهم بمغادرته أو العودة إلى مناطقهم الأصلية في القطاع.

التهجير القسري

في المقابل، من يريد الخروج لن يتاح له سوى مغادرة القطاع نهائيا، إلى مصر أو إلى أي وجهة أخرى، في خطوة يعتبرها كثيرون "محطة على طريق التهجير القسري " أو "الترانسفير" خارج فلسطين ، وهو مصير واجهه كثير من هؤلاء أصلا كأحفاد للاجئين النكبة .

هذه الخطة، التي توصف في الخطاب الإسرائيلي الرسمي بـ"الإنسانية"، أثارت انتقادات شديدة اللهجة من كتاب وصحفيين وسياسيين إسرائيليين، اعتبروا أنها تشكل وصمة عار أخلاقية وتاريخية، ووصفوها بأنها إعادة إنتاج لمعسكرات الغيتو التي عانى فيها اليهود خلال المحرقة.

ويحذر المعارضون للخطة من أن فكرة تجميع سكان غزة في "مدينة خيام" خاضعة للسيطرة العسكرية الصارمة، مع تقييد حرية تنقلهم ومنع عودتهم، ليست حلا إنسانيا بل شكلا من التهجير القسري المنظم، يهدد بترسيخ كارثة إنسانية جديدة في القرن الـ21.

إعلان

غيتو غزة

وتحت عنوان "الدولة اليهودية تنشئ غيتو- المرحلة الأخيرة قبل الإبادة"، كتب جدعون ليفي في صحيفة "هآرتس" مقالا ينتقد فيه بشدة فكرة "المدينة الإنسانية" التي تخطط إسرائيل لإقامتها في رفح.

ويرى ليفي أن هذه الفكرة تحمل دلالات مرعبة تشبه المراحل التي مهدت تاريخيا للإبادة الجماعية، ويقول إنه لو كان مردخاي أنيليفيتش، (زعيم منظمة النضال اليهودية خلال انتفاضة غيتو وارسو)، حيا اليوم، لمات خجلا حين يسمع أن دولة يهودية تخطط لإنشاء غيتو على أنقاض رفح بعد 80 عاما من المحرقة.

ويستغرب ليفي من أن صاحب الفكرة هو وزير الدفاع كاتس، ابن ناجيين من الهولوكوست، متسائلا: كيف كان والداه سيشعران لو علما أن ابنهما يروج لمثل هذا المشروع؟

كما ينتقد اللامبالاة التي قوبلت بها الخطة في إسرائيل والعالم، قائلا إن مجرد التفكير في "غيتو" كخيار مشروع يمهد لأفكار أخطر، مثل "معسكرات الإبادة".

ويختم بالتأكيد على أن إسرائيل فقدت الحق في التحدث عن "الإنسانية"، بعد أن حولت غزة إلى مقبرة جماعية وأرض خراب، وقتلت بدم بارد كل 6 ساعات عددا من الفلسطينيين يعادل عدد الرهائن الأحياء.

مصدر الصورة خريطة إعادة التموضع التي عرضها الوفد الإسرائيلي في المفاوضات (الجزيرة)

الذاكرة اليهودية

وأثار الصحفي أراد نير، رئيس قسم الشؤون الخارجية في القناة 12 الإسرائيلية، جدلا في الأستوديو عندما وصف خطة إسرائيل لإنشاء "مدينة إيواء إنساني" في رفح بأنها "معسكر اعتقال" في الإشارة إلى مراكز الاعتقال التي أقامتها النازية لتجميع اليهود.

وأشار نير إلى نية إقامة أكبر مدينة خيام في العالم على أنقاض رفح، لنقل لاجئي غزة إلى منطقة محددة في الجنوب، قائلا "النية المعلنة لتحويل رفح إلى منطقة إيواء إنساني تشبه معسكر اعتقال، هدفها نقل السكان أو استنزافهم هناك".

وأضاف "عندما تجمع الناس في مكان واحد، في خيام فوق الأنقاض وتطعمهم هناك، فهذا معسكر اعتقال، ويجب ألا نتجاهل هذه الدلالة".

وأثارت تصريحاته انتقادات واسعة، خصوصا لتشبيهها بأحداث تاريخية حساسة تخص اليهود. ونشر نير اعتذارا عبر صفحته على منصة "إكس"، قال فيه "لم أقصد الإساءة، بل أردت تقديم تقييم صحفي وإنساني لخطة أراها سيئة وغير أخلاقية، وقد تحرج إسرائيل ومواطنيها. أفهم أن هذا التعبير مؤلم ويحمل دلالات ثقيلة في الذاكرة اليهودية".



دلالات مقلقة

وتحدث دان ميريدور، وزير المالية والقيادي السابق في الليكود ، في مقابلة مع إذاعة تل أبيب، منتقدا فكرة إنشاء "مدينة إنسانية" في رفح، واصفا إياها بأنها "ذات دلالات مقلقة جدا"، مشيرا إلى كيف قد تبدو هذه الخطة مرفوضة في نظر العالم.

وأضاف "خضنا حربا كان يفترض أن تكون قصيرة جدا لكنها استمرت 21 شهرا". وأوضح المفارقة بين النجاحات العسكرية ضد إيران و حزب الله وبين المأزق في غزة، قائلا "بعد 21 شهرا، نجد أن أقوى جيش في الشرق الأوسط يقاتل منظمة مسلحة. ما الهدف؟ ماذا نريد أن نحقق؟".

إعلان

وتساءل عن جدوى الخطة: ما معنى هذا الأمر الإنساني؟ هل سنبني مدينة في جنوب غزة؟ وماذا عن مليون أو مليونين في الشمال؟ ماذا سنفعل بهم؟".

وأشار إلى تصريحات وزراء يدعون إلى "هدم وتدمير ومحو غزة"، وإلى قول نتنياهو "ندمر المزيد من المنازل كي لا يكون لديهم مكان يعودون إليه فيرغبون في الهجرة"، منتقدا وصف ذلك بـ"الهجرة الطوعية". وأكد أن هذه السياسة "بالغة الخطورة وتسيء إلى سمعة إسرائيل لسنوات طويلة".

وشدد ميريدور على ضرورة إنهاء الحرب والخروج من غزة، قائلا "نتنياهو يفكر سياسيا للبقاء في السلطة. ربما من المستحيل تحقيق أمن كامل، لكن لا بد من إيجاد حل وإنهاء هذه القضية".

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا