آخر الأخبار

لمواجهة غموض ترامب.. تحالف نووي مرتقب بين فرنسا وبريطانيا

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

لندن ـ لم تكن زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى بريطانيا مؤخرا مجرد فرصة لتجاوز آثار البريكست وإعادة تطبيع العلاقات الثنائية، بل كشفت عن تحولات أعمق في مسار العلاقات الأوروبية-الأطلسية، أبرزها المساعي لتشكيل جبهة أوروبية دفاعية قادرة على ملء أي فراغ قد تخلفه واشنطن في ضمان الأمن القومي الأوروبي.

وبينما أكد ماكرون أمام البرلمان البريطاني تطلع بلاده إلى بناء شراكة جديدة مع لندن تقوم على مبدأ الاستقلالية عن الهيمنة الأميركية والصينية، كانت ميادين الحرب في أوكرانيا تصدر تحذيرات متصاعدة بشأن الخطر الروسي، مما عزز المطالب بارتقاء التعاون الفرنسي البريطاني إلى مستوى إستراتيجي جديد.

وتصدر الملف النووي جدول أعمال لقاء ماكرون برئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر ، في ظل توجه فرنسي لتعزيز مظلة نووية أوروبية مستقلة عن الحماية الأميركية، وقد أعلن الزعيمان اتفاقا بشأن تنسيق تحركات ترسانتي بلديهما النوويتين لمواجهة أي "تهديد داهم" يمس مصالحهما الحيوية.

رسالة للخصوم

وأكد ستارمر عقب محادثاته مع ماكرون أن الجانبين يواجهان تحديات أمنية مشتركة، ويستعدان للتدخل النووي المنسق عند الضرورة، مع الحفاظ على استقلال ترسانتيهما.

ومن جهته، شدد وزير الدفاع البريطاني جون هيلي على أن هذه الشراكة النووية "تبث رسالة واضحة للخصوم" مفادها أن باريس ولندن تقفان صفا واحدا في مواجهة أي تهديد إستراتيجي.

وكان ماكرون قد أعرب في وقت سابق عن استعداد بلاده لنشر طائرات نووية في ألمانيا، في خطوة عكست تآكل الثقة الأوروبية بالضمانات الأميركية، خصوصا مع وجود نحو 100 رأس نووي أميركي في قواعد بألمانيا، لم تعد تمثل عنصر طمأنة كما في السابق.

ووفق بيانات مركز "تشاتام هاوس" البريطاني، تمتلك فرنسا 290 رأسا نوويا، فيما تحتفظ بريطانيا بـ225 رأسا. وبينما تحتفظ باريس باستقلالية قراراتها النووية، تبقى الترسانة النووية البريطانية مرتبطة بشكل لوجيستي وسياسي بحلف الناتو و الولايات المتحدة .

إعلان

ويرى رفائيل لوست، الباحث في السياسات الدفاعية بالمركز الأوروبي للعلاقات الخارجية، أن تراجع الثقة الأوروبية في التزامات واشنطن دفع إلى العلن نقاشات كانت تدار سرا لسنوات حول الحاجة لتطوير قدرة ردع أوروبية مستقلة.

ويضيف في حديثه للجزيرة نت أن الاتفاق الفرنسي البريطاني بشأن تطوير مشترك لصواريخ "كروز" نووية جوية يمثل خطوة جريئة، لكنه حذر من أن ارتباط بريطانيا بالبنية التحتية الأميركية قد يشكل عائقا أمام التنسيق الكامل.

مصدر الصورة الرئيس الفرنسي ماكرون يلقي خطابا نادرا أمام البرلمان البريطاني، محتفيا بتوثيق العلاقات بين البلدين (أسوشيتد برس)

تداعيات البريكست

ورغم أجواء الانفراج، لا تزال باريس تستحضر مرارة حادثة إلغاء صفقة الغواصات النووية مع أستراليا عام 2021، والتي تمت بوساطة بريطانية أميركية. وفي المقابل، لا تخفي لندن وفاءها للتحالف الأمني مع واشنطن، إذ أوكلت للأميركيين مهمة تحديث أسطول غواصاتها النووية، وتعتمد على مقاتلات " إف-35 " الأميركية القادرة على حمل رؤوس نووية.

وخلال زيارة ماكرون، وقّع الجانبان النسخة الثانية من معاهدة "لانكاستر هاوس" للتعاون الأمني والنووي، والتي أُبرمت نسختها الأولى عام 2010، بهدف تعزيز التنسيق الدفاعي وتبادل الخبرات في الصناعات العسكرية.

وفي مايو/أيار الماضي، احتضنت لندن أول قمة أوروبية بريطانية منذ مغادرة المملكة المتحدة للاتحاد الأوروبي، وخرجت القمة بتوقيع اتفاق تجاري-دفاعي، أتاح لبريطانيا المشاركة في مشاريع أوروبية لتطوير البنية التحتية العسكرية، بتمويل يصل إلى 150 مليار يورو من صندوق أوروبي مشترك.

وترى سوزي دانيسون، الباحثة بالمركز الأوروبي للسياسات الخارجية، أن التقارب الفرنسي البريطاني تعززه التحديات الجيوسياسية الراهنة، والتي دفعت الجانبين إلى تجاوز آثار البريكست، لا سيما في ملفات الدفاع المشترك، والدعم العسكري لأوكرانيا.

وتضيف في حديثها للجزيرة نت أن حكومة حزب العمال الجديدة في بريطانيا نجحت في استعادة الثقة الأوروبية، وسط آمال متزايدة بأن يتمكن رئيس الوزراء كير ستارمر من إعادة إحياء دور بلاده في الساحة الأوروبية والدولية، عبر تفاهمات جديدة مع الاتحاد الأوروبي حول قضايا خلافية سابقة.

ارتباك أميركي

لكن الحذر الأوروبي المتزايد من تقلبات السياسات الأميركية، خاصة في ظل إدارة الرئيس دونالد ترامب ، فرض على باريس ولندن تسريع جهود بناء جبهة دفاعية موحدة لضمان استمرار الدعم لأوكرانيا، وسد أي فراغ ناتج عن تراجع الالتزام الأميركي.

وتقود فرنسا وبريطانيا حاليا "تحالف الراغبين" لتقديم ضمانات أمنية لأوكرانيا، في حال توقيع أي اتفاق سلام مستقبلي مع روسيا . وخلال زيارة ماكرون، اتُّفق على نقل مقر قيادة التحالف إلى باريس لمدة عام، وتكثيف الاستعدادات للتحرك الفوري حال توقيع اتفاق وقف إطلاق نار.

لكن صحيفة "بوليتيكو" الأميركية ترى أن التحالف بدأ يفقد زخمه، في ظل تصاعد الهجمات الروسية وتراجع آفاق التسوية السياسية. ويزداد القلق الأوروبي من السلوك الأميركي المتردد في إمداد كييف بأنظمة دفاع جوي متقدمة، مما يفاقم الضغط على الحلفاء الأوروبيين.

إعلان

وتحذر مارتا موتشنيك، كبيرة الباحثين في مجموعة الأزمات الدولية ببروكسل، من أن "ترامب أصبح شريكا غير موثوق لجميع الأوروبيين، بمن فيهم البريطانيون". ورغم تعهداته خلال قمة الناتو الأخيرة بمواصلة دعم أوكرانيا، فإن الأوروبيين لا يتوقعون التزاما طويل الأمد.

وترى موتشنيك أن على رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر اتخاذ قرار حاسم بشأن مستقبل العلاقة مع باريس، خصوصا أن ماكرون ينتهج سياسة أكثر صدامية تجاه ترامب، بينما يفضل ستارمر نهجا براغماتيا لا يضع التحالف مع واشنطن في موضع تنازل.

وتختم دانيسون حديثها للجزيرة نت بالتأكيد على أن فرنسا تمثل اليوم رأس الحربة في مشروع "الاستقلال الإستراتيجي الأوروبي"، وهو المشروع الذي يتعرض لضغوط متزايدة من الأحزاب اليمينية والانفصالية داخل أوروبا، ومن النزعة الانعزالية التي يجسدها ترامب على المستوى الدولي.

وتضيف أن ماكرون، رغم رغبته في نسج علاقات جديدة مع بريطانيا، يبقى ملزما بالإجماع الأوروبي، ومرتبطا بأطر مؤسساتية أوروبية تحدد نطاق العلاقات مع كل من واشنطن ولندن.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا