أعلنت وسائل إعلام إسرائيلية اليوم الجمعة أن مصادر أمنية رفيعة كشفت عن أن جهاز الاستخبارات الإسرائيلي ( الموساد ) أنشأ قاعدة عسكرية داخل إيران، حيث تم تخزين مسيّرات مفخخة هُرّبت إلى الداخل الإيراني منذ وقت طويل، واستُخدمت هذه الطائرات في الهجوم على منشآت عسكرية ونووية إيرانية اليوم.
في المقابل، أعلنت وكالة أنباء فارس رفع راية الانتقام الحمراء على قبة مسجد جمكران في مدينة قم (جنوبي العاصمة الإيرانية)، وذلك ردا على الهجوم الذي شنته إسرائيل على العديد من المنشآت النووية الإيرانية واغتيال قادة عسكريين عدة.
وكان الجيش الإسرائيلي أعلن صباح اليوم الجمعة بدء ما سماها عملية "شعب كالأسد"، وأن عشرات المقاتلات نفذت ضربة "افتتاحية" في قلب إيران، في حين أكدت وسائل إعلام إيرانية مقتل علماء نوويين وقادة عسكريين، منهم قائد الحرس الثوري الإيراني حسين سلامي ورئيس هيئة الأركان محمد باقري.
وأشار خبراء عسكريون -في مقابلات مع الجزيرة نت- إلى أن إسرائيل نجحت بالفعل في إحداث خرق جسيم في الأمن القومي الإيراني، بالنظر إلى حجم الأضرار التي نجمت عن الهجوم الإسرائيلي، ومستوى القادة العسكريين وعلماء الذرة الذين اغتيلوا في الهجوم.
ويذكّر الهجوم الإسرائيلي على أهداف إيرانية اليوم بالاختراقات التي حدثت مع حزب الله في لبنان من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي في سبتمبر/أيلول الماضي، مثل تفجيرات أجهزة الاتصال اللاسلكي (البيجر) واغتيال قادة بارزين، وعلى رأسهم الأمين العام للحزب حسن نصر الله .
وعقب الهجمات كشفت مصادر أمنية إسرائيلية عن أن جهاز الموساد أقام منظومات سرية في إيران من أجل استهداف مواقع الصواريخ الإستراتيجية، ومن ضمنها قاعدة للمسيّرات المفخخة، وكان ذلك قبل وقت طويل من بدء الضربة "الافتتاحية" اليوم الجمعة.
وعن هذا الاختراق، يقول رئيس نقابة مديري مراكز الأبحاث والدراسات الإيرانية عماد آبشناس إن "معظم عمليات الاغتيال التي نفذتها إسرائيل -خاصة في مدينة طهران- تمت عبر المسيّرات التي هرّبها عملاء إسرائيل إلى الداخل الإيراني".
وفي تصريحات للجزيرة نت، أضاف آبشناس أن هذه الهجمات تكشف عن وجود جواسيس ناشطين في الداخل الإيراني، مؤكدا أن ذلك يشير أيضا إلى "وجود استهانة واستهتار فيما يتعلق بالأمور الأمنية التي أدت إلى وقوع هذه الكارثة".
وعن تفاصيل تفعيل المسيّرات مع بدء الهجوم، أشار الإعلام الإسرائيلي إلى أن هذه الطائرات دخلت بشكل سري قبل الهجوم، وعملت على تدمير منظومات الدفاع الجوي الإيراني بشكل كامل، مما سمح بحرية العمل أمام سلاح الجو الإسرائيلي.
وكشفت المصادر الأمنية الإسرائيلية كذلك عن أن الموساد أقام مواقع تحتوي على المسيّرات بالقرب من العاصمة طهران، وتحديدا قرب معسكر مسيّرات إيرانية، وتم تفعيلها لاستهداف منصات إطلاق صواريخ إيرانية كان تشكل خطرا مباشرا على إسرائيل.
أما فيما يتعلق بارتفاع عدد القادة العسكريين الإيرانيين الذين اغتالتهم المسيّرات الإسرائيلية، فقد أشار رئيس نقابة مديري مراكز الأبحاث والدراسات الإيرانية إلى أن عددا كبيرا من قادة الحرس الثوري وضباطه يسكنون بمنطقة معروفة في طهران، ولهذا كان من اليسير جدا على العملاء الوصول إليهم واغتيالهم.
والأهم من ذلك -كما يقول آبشناس- أن "وجود قادة الحرس الثوري في منازلهم وفي مبنى واحد أدى إلى هذه الكارثة".
وفي تحليل عميق لأسباب الاختراق، يعدد الخبير الأمني والعسكري أسامة خالد الأسباب التي أدت إلى وقوع مثل هذه الخسائر في الجانب الإيراني، ومنها:
وفي تصريحات للجزيرة نت، أضاف خالد أن المباغتة في الوصول إلى أهداف بهذا الحجم كانت لها تداعيات كبيرة على منظومات السيطرة والقيادة في إيران، وهذا تسبب في شلل القدرات العسكرية وعدم تشغيلها بالطريقة الصحيحة.
ولا يمثل التوقيت الذي وقع فيه الهجوم الإسرائيلي على إيران خروجا عن سياق الأحداث التي وقعت في الأيام الماضية، فقد أصدر مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية أمس الخميس قرارا يتهم فيه إيران بعدم الامتثال لالتزاماتها بالضمانات النووية.
وأمام هذا القرار ردت الخارجية الإيرانية بإعلانها عن تشغيل مركز جديد لتخصيب اليورانيوم، وأن هيئة الطاقة الذرية الإيرانية استعاضت عن أجهزة الطرد من الجيل الأول في موقع "فوردو" بأجهزة أكثر تطورا من الجيل السادس.
كما أن هذه الهجمات تأتي قبل يومين فقط من محادثات غير مباشرة بين كل من إيران والولايات المتحدة، حسب ما صرح به مدير مركز الرؤية الجديد للدراسات والإعلام في إيران مهدي عزيزي للجزيرة نت.
وأضاف عزيزي أن هناك تقاسم أدوار بين الحكومة الإسرائيلية والولايات المتحدة فيما يتعلق بإيران، وتتمثل في سياسة "المحادثات تحت النار"، إذ تهدف إسرائيل إلى إفشال المحادثات الجارية الآن بين طهران وواشنطن من الأساس.
بالمقابل، ترغب الولايات المتحدة في فرض شروط جديدة على إيران، خاصة فيما يتعلق بنقطة تخصيب اليورانيوم، وبالتالي فهي ترسل رسالة عبر إسرائيل بأنه لا خيار أمام الحكومة الإيرانية إلا القبول بالشروط الأميركية، حسب ما قاله عزيزي.
وبالنظر إلى نوعية الأهداف التي هاجمتها إسرائيل وحجمها في العمق الإيراني، فإن هناك تقاربا كبيرا في السيناريو الذي حدث مع حزب الله في لبنان قبيل التوصل إلى هدنة بين الحكومة اللبنانية وإسرائيل في نوفمبر/تشرين الثاني 2024 بعد هجمات متبادلة بين حزب الله وجيش الاحتلال عقب أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
فقد شنت إسرائيل غارات في مناسبات عدة على الأراضي اللبنانية، واستهدف بعضها ما قال الجيش الإسرائيلي إنها أهداف عسكرية تابعة لحزب الله مثل أجهزة اللاسلكي (البيجر)، وبعضها استهدف قياديين في الحزب، وأغلبهم تم اغتيالهم في قصف للضاحية الجنوبية لبيروت.
ومن أبرز هذه الاغتيالات اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله وكبير مستشاريه فؤاد شكر، بالإضافة إلى قادة عسكريين مثل إبراهيم عقيل وعلي كركي ونبيل قاووق وحسن خليل ياسين ومحمد حسين سرور، وبعض هؤلاء قتلوا في ضربة إسرائيلية واحدة أثناء اجتماعات للحزب.
واليوم، كشفت إسرائيل عن أنها اغتالت عددا من كبار القادة العسكريين الإيرانيين وكبار العلماء النوويين، مثل قائد الحرس الثوري حسين سلامي ورئيس هيئة الأركان الإيرانية محمد باقري وقائد مقر خاتم الأنبياء العسكري غلام علي رشيد وأستاذ الهندسة النووية أحمد رضا ذو الفقار، بالإضافة إلى شخصيات أخرى.
ورغم أن مهدي عزيزي يقر بهذا التشابه في الهجمات وغاياتها، وأنها تهدف إلى أن تكون خطوة على طريق تفكيك القدرات الإيرانية واختبار مدى قوتها فإنه يعتقد أن الأجواء السياسية والإمكانيات العسكرية لدى إيران تمثل فارقا كبيرا ومختلفا عن نموذج حزب الله في لبنان.
لكن هذا الفارق لا يراه أسامة خالد، فقد ذهب إلى أنه "من الطبيعي وجود مثل هذا التشابه في الحالتين (اللبنانية والإيرانية)، لكن إيران كدولة إقليمية لم تقرأ أن الكيان الإسرائيلي قد يذهب لهذا السيناريو معها، ورأت أنها في حالة ووضعية متفوقة أو متوازنة معه ولا يمكنها المغامرة".
وأضاف الخبير الأمني والعسكري أن العقلية الإسرائيلية أصبحت بعد 7 أكتوبر تدرك أن أي ثمن لهجوم الخصوم عليها يجب أن تجني في المقابل أضعافه في "الضربة الافتتاحية" من الصفوف القيادية للخصوم والقدرات العسكرية، وبالتالي أصبحت عقيدة الاغتيال الجماعي أساسية في التوجهات الإسرائيلية العسكرية.
ولذلك، يخلص المتحدث إلى أن "تغييب القيادات الأولى والإستراتيجية حسب التجربة الإسرائيلية وعقيدتها سيسهم في تحقيق نصف النصر كما هو معروف، خاصة أنه يأتي بشكل مفاجئ وقاس على الخصم".