في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
بين رهانات كبرى وتحديات لا تخلو من المخاطر، يقترب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من إكمال مئة يوم على انطلاق ولايته الثانية وسط مشهد سياسي داخلي محتدم وساحة دولية تغلي بالملفات الشائكة.
وفي هذه المرحلة المفصلية، يقف ترامب أمام جردة حساب أولية، فبينما يحتفي أنصار ترامب بما يعتبرونه إنجازات سريعة في الاقتصاد والسياسة الخارجية، لا يغيب عن المشهد طيف الانتقادات التي تطارده، سواء في الداخل أو في ساحات السياسة العالمية.
وبين مؤشرات النجاح ومظاهر الإخفاق، تبرز تساؤلات مشروعة حول قدرة ترامب على مواصلة دفع أجندته الطموحة وسط العواصف السياسية، فيما يحاول خصومه تصوير المئة يوم الأولى كفرصة مهدورة لإحداث التحول الذي وعد به.
مكاسب ترامب.. من التجارة إلى الوساطة الدولية
وصف الخبير الأمني والعميل السابق في مكتب التحقيقات الفيدرالي جوناثان جيليام، خلال حديثه إلى غرفة الأخبار على سكاي نيوز عربية المئة يوم الأولى بأنها "تاريخية ومثيرة للاهتمام"، مشيدا بما اعتبره تصحيحا للمسار الذي تركته إدارة بايدن.
وقال جيليام: "دخل ترامب البيت الأبيض وهو يواجه ملفات شائكة، من التضخم الداخلي إلى الحرب في أوكرانيا وتصاعد الصراعات في غزة، لكنه استطاع خلال وقت قصير أن يتعامل معها بشكل ممنهج، محققا نجاحات ملحوظة خصوصا في إعادة الولايات المتحدة إلى مكانتها العالمية".
جيليام اعتبر أن سياسات ترامب الاقتصادية عبر فرض الرسوم الجمركية لعبت دورا محوريا في استعادة الولايات المتحدة نفوذها التجاري.
كما لفت إلى أن الرئيس أدار تحركاته الدبلوماسية بتأنٍ، خصوصا في الوساطة المعقدة بين موسكو و كييف.
ترامب وقاعدة الناخبين.. بين التأييد والامتعاض
ورغم الإشادة بالإنجازات، أقرّ جيليام بأن ترامب ما زال يثير انقساما داخليا، مؤكدا: "50 بالمئة من الأميركيين يرون أن ترامب يسير في الاتجاه الصحيح، حتى لو كانت هناك انتقادات من اليسار ومن الذين لا يستسيغون نهجه الفوضوي أحيانا".
وأشار جيليام إلى أن طريقة ترامب في "خلط الأوراق" على المستوى العالمي أثارت جدلا واسعا لكنها كانت ضرورية لإصلاح ما وصفه بالاختلالات الهيكلية التي استفادت منها دول عديدة على حساب دافع الضرائب الأميركي.
السياسة الخارجية.. تحركات محسوبة لا قرارات متسرعة
في تحليله للسياسة الخارجية، شدد جيليام على أن ترامب يتبنى نهجا عمليا يعتمد على تعزيز المصالح الاقتصادية الأميركية بدلا من خوض مغامرات عسكرية مكلفة، قائلا: "ترامب يفكر بعقلية رجل الأعمال، يبني علاقاته الدولية مع أولئك القادرين على تحقيق مكاسب مشتركة للولايات المتحدة وحلفائها".
ويعكس هذا التحول تركيز ترامب على إعادة ترتيب أولويات بلاده بعيدا عن المغامرات العسكرية التقليدية، والتركيز على إبرام صفقات اقتصادية واستثمارية ضخمة.
من جانبه، قدم الكاتب والباحث السياسي مبارك آل عاتي، رؤية تحليلية متعمقة للعلاقة الخليجية الأميركية خلال المئة يوم الأولى من عهد ترامب الثاني، مؤكدا أن الرئيس "وفى بجزء كبير من وعوده الانتخابية تجاه قضايا المنطقة".
وأوضح أن إعادة تصنيف الحوثيين ضمن لوائح الإرهاب، واستخدام القوة الجوية لحماية الممرات المائية الحيوية، مثّل خطوات حاسمة عززت أمن منطقة الخليج العربي.
كما أثنى آل عاتي على انخراط ترامب في المفاوضات مع إيران مع إشراك قادة الخليج في تفاصيل تلك المحادثات، مما أعاد الثقة بين الحلفاء.
واعتبر آل عاتي أن الاختيار الرمزي للسعودية كأول وجهة خارجية لترامب في ولايته الثانية، إلى جانب الزيارات والاتصالات المستمرة مع قادة الخليج، يشكلان دليلا واضحا على "الأهمية الاستراتيجية المتزايدة التي يوليها ترامب لمنطقة الخليج"، لافتا إلى أن الخليج نجح في "إقناع واشنطن بدعم الخطوات الإيجابية في سوريا ولبنان".
ورغم هذا التنسيق الوثيق، أشار آل عاتي إلى استمرار وجود خلافات حيال إدارة الحرب في غزة، مع ترحيب خليجي بموقف واشنطن الرافض لبعض المخططات التهجيرية التي كانت مطروحة.
إخفاقات ترامب.. ملفات مفتوحة وتحديات متزايدة
رغم المكاسب الواضحة، لا يخلو سجل ترامب في المئة يوم الأولى من إخفاقات بارزة. فملفات معقدة مثل إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، وكبح التوسع الإيراني، ومعالجة الأزمات الإنسانية في السودان و ليبيا وغزة، لا تزال عالقة، وهو ما يعرضه لانتقادات متواصلة حتى من بعض حلفائه.
كما أن الحرب التجارية الناشئة مع الصين بدأت تلقي بظلالها على الأسواق العالمية، ما ينذر بمواجهة تحديات اقتصادية كبرى تحتاج إلى معالجة دقيقة وحذرة.
وبين نجاحات اقتصادية ودبلوماسية واضحة وإخفاقات ملفتة في بعض الأزمات العالقة، تبدو ملامح ولاية ترامب الثانية حتى الآن مزيجا من الفاعلية والجدل.
ومع تقدم الأيام، ستبقى أنظار الداخل والخارج تترقب ما إذا كان ترامب قادرا على تحويل شعاراته الكبرى إلى واقع دائم ومستدام، أم أن العثرات ستحوله إلى رئيس عالق بين أمجاد الوعود وإرث الملفات المفتوحة.