أفادت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية بأن إدارة الرئيس دونالد ترامب مستعدة لبحث تخفيف العقوبات عن سوريا في حال التزمت بمكافحة الإرهاب إلى جانب مطالب أميركية أخرى.
هددت إدارة ترامب باتخاذ موقف متشدد تجاه الحكومة السورية الجديدة التي يقودها إسلاميون، حيث طالبت واشنطت بقمع المتطرفين وطرد الفصائل الفلسطينية، مقابل تخفيف محدود للعقوبات، وفق ما نقلته "وول ستريت جورنال" عن مسؤولين أميركيين.
وفي الفترة الماضية، أصدر البيت الأبيض توجيهات سياسية، تدعو الحكومة السورية الانتقالية إلى اتخاذ خطوات تشمل أيضًا تأمين مخزون البلاد من الأسلحة الكيميائية، وفقًا لعدد من المسؤولين الأمييكيين المطلعين على هذه السياسة.
ونقلت الصحيفة الأميركية واسعة الانتشار عن المصادر إن الولايات المتحدة ستنظر في المقابل في تجديد إعفاء محدود من العقوبات أصدرته إدارة بايدن بهدف تسريع تدفق المساعدات إلى البلاد.
واعتبرت الصحيفة أن هذه التوجيهات تعكس شكوكاً لدى مسؤولي الإدارة الأميركية تجاه الحكومة السورية التي يقودها الرئيس أحمد الشرع.
روسيا الحاضر الغائب
وأشارت الصحيفة إلى غياب اسم روسيا في في مخطط السياسة الأميركية، لافتة إلى أنه يُظهر كيف تُخفف إدارة ترامب من الضغط الذي مارسته في عهد الرئيس السابق بايدن لحث دمشق على التخلص من القواعد العسكرية للكرملين في سوريا، على الأقل في الوقت الحالي، بينما يتفاوض المسؤولون الأميركيون مع موسكو بشأن إنهاء الصراع في أوكرانيا.
وقالت متحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية عندما سُئلت عن إشعار السياسة: "لا تعترف الولايات المتحدة حاليًا بأي كيان كحكومة سورية". وأضافت: "يجب على السلطات المؤقتة في سوريا نبذ الإرهاب وقمعه تمامًا".
وكانت إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن قد قررت الإبقاء على هيئة تحرير الشام بقائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية، تاركة حسم مصير الهيئة وزعيمها أحمد الشرع لإدارة ترامب، وفقاً لما قاله ثلاثة مسؤولين أميركيين مطلعين على الأمر لصحيفة واشنطن بوست الأميركية.
خفض عدد القوات الأميركية
صرح مسؤولون دفاعيون أمريكيون هذا الأسبوع بأن وزارة الدفاع الأميركي (البنتاغون) تعتزم خفض عدد القوات الأمريكية المتمركزة في سوريا، والبالغ عددها حوالي 2000 جندي، إلى النصف في الأسابيع المقبلة، وتعزيز مواقعها الأمامية هناك.
وتخطط الإدارة لإجراء مراجعة لتحديد ما إذا كان ينبغي خفض المزيد من القوات هذا الصيف. وكانت القوات الأميركية قد كُلّفت بمنع سوريا من أن تصبح موطئ قدم للجماعات المتطرفة مثل تنظيم داعش.
وفيما لم يتضح بعد موقف ترامب بشأن العناصر الأخرى للسياسة الأميركية تجاه سوريا. قال المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف، وهو شخصية نافذة في إدارة ترامب، الشهر الماضي إن الشرع "شخص مختلف عما كان عليه سابقًا. والناس يتغيرون". ويشعر قادة جمهوريون بارزون بالقلق من تراجع النفوذ الأميركي في سوريا بطريقة قد تتيح فرصة لروسيا والصين.
اتخذ كبار القادة العسكريين الأميركيين نهجًا أكثر براغماتية تجاه الوضع في سوريا، حيث ساعدوا في التوسط في اتفاق في مارس لدمج قوة عسكرية قوية بقيادة الأكراد مدعومة من الولايات المتحدة تحت قيادة الحكومة في دمشق.
من جهتها، رفضت الحكومة السورية التعليق على مطالب السياسة الأميركية الجديدة، التي أُبلغت بها. وكانت صحيفة نيويورك تايمز قد نشرت في وقت سابق تقريرًا عن قرار البنتاغون بسحب القوات من سوريا.
صورة الشرع
قالت الصحيفة إن الشرع أمضى سنوات في العمل على تحسين صورته، فحارب داعش ومنع جماعته من تنفيذ هجمات في الخارج. منذ توليه السلطة، عمل وحكومته على كسب القبول الغربي والدولي، ووعدوا بحكم سوريا على نحو شامل، وتعهدوا بتجنب الصراع مع إسرائيل.
في مارس، عيّن الشرع حكومة جديدة احتفظ فيها الإسلاميون بالوزارات الرئيسية، لكنها ضمت أيضًا أعضاء من الأقليات وقادة المجتمع المدني.
لفتت الصحيفة الأميركية إلى المخاطر الكبيرة التي يواجهها الشرع. حيث يعاني الاقتصاد السوري، وأجزاء كبيرة من مدنه في حالة خراب بعد سنوات من الحرب التي دعم فيها سلاح الجو الروسي والميليشيات الإيرانية الأسد، الذي قصف شعبه.
فرضت الولايات المتحدة ودول غربية أخرى عقوبات على حكومة الأسد جزئيًا لمعاقبته على فظائعه.
بدون رفع العقوبات الأميركية، ستكون إعادة إعمار سوريا صعبة. خفف الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة بعض العقوبات في الأشهر الأخيرة. ومع ذلك، بدون الدعم الأميركي والوصول إلى النظام المالي الأمييكي، ستكافح سوريا لدفع رواتب موظفي الحكومة وإطلاق جهود إعادة الإعمار التي من شأنها أن تسمح للاجئين بالعودة إلى ديارهم وتساعد في منع استئناف العنف في البلاد.
قالت ناتاشا هول، الزميلة البارزة في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن: "هناك حاجة ماسة إلى الكثير من المساعدة لإنجاز أيٍّ من هذه الأمور ولتأمين البلاد، ناهيك عن بدء أي نوع من التنمية. الوقت ينفد".
السلاح الكيميائي
تتضمن التوجيهات السياسية الأخيرة للإدارة الأميركية بعض الطلبات المشابهة لتلك التي قُدّمت في عهد إدارة بايدن، بما في ذلك العمل مع المنظمة الدولية لحظر الأسلحة الكيميائية لحماية الأسلحة الكيميائية المتبقية في البلاد، وتأمين اليورانيوم عالي التخصيب، وتعيين ضابط اتصال للعمل على تحديد مكان 14 أمريكيًا مفقودًا في سوريا. كما تطلب الإدارة من الحكومة الجديدة إصدار إعلان عام ضد الجماعات الجهادية.
وأفادت الصحيفة بأنه هناك طلب جديد، تريده إدارة ترامب من سوريا حظر الفصائل الفلسطينية المسلحة من العمل في البلاد - بما في ذلك جمع الأموال هناك - وطرد أعضاء تلك الفصائل من البلاد. وتتخذ الفصائل الفلسطينية من سوريا مقرًا لها منذ عقود، والتي تضم عددًا كبيرًا من اللاجئين الفلسطينيين منذ عام 1948. وأي تحرك لطردهم قد يؤدي إلى مواجهة بين الحكومة وتلك المجموعات.
وقال مسؤولون إنه إذا اتخذت سوريا جميع الخطوات الموضحة في السياسة، فإن الولايات المتحدة ستلتزم علنًا بسلامة أراضيها، وستنظر في تجديد العلاقات الدبلوماسية وإزالة التصنيفات الإرهابية عن أعضاء الحكومة الجديدة. بموجب السياسة الجديدة، ستنظر الولايات المتحدة أيضًا في تمديد الإعفاءات الحالية من العقوبات التي أصدرتها إدارة بايدن في يناير، والتي تهدف إلى تسريع تسليم المساعدات الإنسانية إلى سوريا. منحت وزارة الخزانة في يناير إعفاءات لمجموعات الإغاثة والشركات التي توفر الإمدادات الأساسية، بما في ذلك الكهرباء والنفط والغاز الطبيعي.